إيران تمر باللحظة الأكثر خطورة في تاريخها الحديث
واشنطن – تجمع كل المؤشرات على أن الإسرائيليين نجحوا إلى حد كبير في تفكيك استراتيجية "الحزام الناري" التي أشرف عليها قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني لتطويق إسرائيل وذلك بعد أن خسرت طهران الساحة السورية بسقوط بشار الأسد وقبلها بانهيار حزب الله ومقتل كبار قادته، إلى جانب ضربات إسرائيلية دمرت أو أضعفت نظام الدفاع الجوي الإيراني وقدرات انتاج الصواريخ الباليستية.
وكتب ديفيد إغناتيوس، كبير كتاب الأعمدة في صحيفة واشنطن بوست "يبدو أن إيران تمر بأكثر اللحظات خطورة في تاريخها الحديث". وفي عموده الأخير الذي أجرى فيه مقابلة مع وزير الدفاع السابق يوآف غالانت الذي يزور الولايات المتحدة حاليا، كشف عن التحركات الإسرائيلية التي ألحقت الضرر بالأصول الاستراتيجية لطهران والتي أدت إلى جانب انهيار نظام بشار الأسد إلى ضعف غير مسبوق.
وبحسب إغناتيوس، فإن "الجيوش التابعة لإيران قد سُحقت في غزة ولبنان وسوريا. ويبدو أنها أصبحت شبه عارية أمام الهجوم بعد موجة من الغارات الجوية الإسرائيلية الدقيقة على نظام الدفاع الجوي الخاص بها في أكتوبر/تشرين الأول ".
وقال غالانت لإغناتيوس "لقد أظهرنا أن إيران معرضة للخطر"، وأن الضربات الإسرائيلية في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي خلقت "نافذة للتحرك ضد إيران" قبل أن تنتج سلاحا نوويا.
وكتب إغناتيوس في وقت متأخر من يوم السبت، أن القرارات الأميركية بشأن كيفية استغلال ضعف إيران - سواء في المفاوضات بشأن اتفاق نووي أو في عمل عسكري حاسم - سيتخذها الرئيس المقبل دونالد ترامب. وقال كذلك لمجلة تايم إن "أي شيء يمكن أن يحدث".
وبحسب الكاتب الأميركي، يرى كبار المسؤولين في إدارة بايدن الآن فرصة "للدبلوماسية القسرية" بشأن القضية النووية، مع إضعاف إيران، مشيرا إلى أنه في حين "لعبت إسرائيل الدور الحاسم في إذلال طهران"، فقد قدم الرئيس جو بايدن رادعا مهما لها من خلال نشر حاملات الطائرات والغواصات والقوات العسكرية الأميركية الأخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وكان هدف الهجوم الذي وقع في 26 أكتوبر/تشرين الأول هو ترك إيران بلا دفاع ضد أي هجوم مستقبلي على أراضيها. وشاركت في الغارة نحو 120 طائرة مقاتلة، حسب ما أفاد إغناتيوس، نقلا عن مصدر عسكري إسرائيلي، حيث ضربت رادارات الدفاع الجوي والبطاريات المضادة للطائرات التي تحمي طهران فضلا عن مصانع مهمة لإنتاج الوقود للصواريخ الباليستية الإيرانية.
ورغم أن الهجوم نُفذ ردا على الهجوم الإيراني في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن التخطيط بدأ قبل ذلك بعدة أشهر، كما كتب إغناتيوس.
ونقل إغناتيوس عن غالانت قوله، إن المهمة ببساطة كانت ضمان أن تصبح الجمهورية الاسلامية بعد الهجمات "أضعف وإسرائيل أقوى"، حتى لا تتمكن طهران من الرد بقوة على الهجمات المستقبلية.
وتعتقد مصادر إسرائيلية أنه خلال العامين المقبلين لن تتمكن إيران من إضافة عدد كبير من الصواريخ الباليستية إلى ترسانتها التي لا تزال كبيرة وفي الوقت نفسه تضرر دفاعها الجوي بشكل كبير أيضا.
وقال الكاتب الأميركي "يبدو أن إسرائيل نجحت في إنشاء ممر إلى إيران، يوفر مسارا واضحا لطائراتها لضرب طهران وهذا يمثل مستوى جديدا من الحرية العملياتية، مما يسمح لإسرائيل بمهاجمة أهداف في الجمهورية الاسلامية بنفس السهولة التي فعلتها في غزة ولبنان".
وأشار وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أيضا إلى الهجوم الأول الذي شنته إسرائيل على إيران في 15 أبريل/نيسان، عندما اختارت حكومة الحرب الرد بشكل محدود بضربة مستهدفة بطارية إس-300 روسية الصنع بالقرب من أصفهان، من أجل إرسال رسالة من شأنها ردع طهران. وقال غالانت "لقد ضربناهم بدقة، لكن ذلك لم يكن كافيا لردعهم".
وفي هجوم أكتوبر/تشرين الأول، كانت الطائرات الإسرائيلية قد ضربت بالفعل أربع بطاريات من هذا النوع حول طهران، على الرغم من أن راداراتها من المفترض ــ نظريا ــ أن تكتشف الهجمات من مسافة نحو 300 كيلومتر. وأكد غالانت أنه "لا يوجد حاليا أي دفاع استراتيجي حول طهران".
وبالإضافة إلى ذلك، أفادت التقارير أن مكونات رئيسية من قدرات إيران على إنتاج الصواريخ الباليستية تضررت أيضا، فقد ضربت الطائرات المقاتلة جميع الخلاطات التي تنتج الوقود الصلب لهذه الصواريخ وقد يستغرق الحصول على منشآت جديدة عاما على الأقل" ــ وفقا لمعهد دراسة الحرب. واستنادا لهذه المعطيات فإن ضربات الجيش الإسرائيلي أوقفت مؤقتا على الأقل، تقدم برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
وقدر مصدر عسكري إسرائيلي لإغناتيوس أن إيران كانت قادرة قبل هجوم أكتوبر/تشرين الأول على إنتاج ما يكفي من الوقود الصلب لصاروخين باليستيين جديدين يوميا، أما الآن فإن إنتاجها يقتصر على صاروخ واحد في الأسبوع. وقال إن هذا النقص سيستمر لمدة عام على الأقل.
لكنه أوضح أن ضعف إيران قد يدفعها إلى امتلاك ترسانة نووية لردع خصومها، فطهران لديها ما يكفي من الوقود لصنع قنبلة نووية، إلا أن التقديرات تشير إلى أنها لا تزال على بعد أشهر عديدة من القدرة على بناء رأس حربي يمكن تركيبه على صاروخ باليستي بعيد المدى.
والآن، إذا لم تتمكن "الدبلوماسية القسرية" من منع إيران من المضي قدما في برنامجها النووي، فقد تفكر إسرائيل والولايات المتحدة في اتخاذ إجراء عسكري ذلك أن المنشآت النووية الإيرانية مدفونة على عمق كبير تحت الأرض.
وتشير التقديرات إلى أن الجيش الأميركي وحده يمتلك أسلحة تقليدية كبيرة بما يكفي لاختراق هذه المخابئ، لكن غالانت أكد لإغناسيوس أنه على الرغم من أمله في أن تعمل واشنطن وتل أبيب معا، فإن "إسرائيل تمتلك الوسائل اللازمة لضرب الأصول الإيرانية بطريقة دقيقة وقوية ومتطورة. وإذا لزم الأمر، فلن نتردد في التحرك".
واختتم الكاتب الأميركي حديثه بالقول إن "المواجهة الوشيكة بين إسرائيل وإيران" هي التحدي "الأكثر إلحاحا وخطورة" الذي يواجه ترامب.