إيران تهادن الكاظمي لإبقاء الساحة العراقية متنفسا لأزمتها

رئيس الوزراء العراقي يشدد من طهران على ضرورة التزام كل بلد بعدم التدخل الشؤون الداخلية للبلد الآخر، موضحا أن حكومته تتبع سياسة خارجية قائمة على التوازن والابتعاد عن سياسة المحاور.
الكاظمي يرسم من طهران حدود العلاقة مع إيران
إيران لم تبد حتى الآن علنا موقفا متشددا من الكاظمي
هل توسط طهران الكاظمي لفتح قنوات حوار مع الرياض وواشنطن
إيران لا تملك خيارات إلا التهدئة لتخفيف جبهات المواجهة
خناق العقوبات يضيق بشدّة على الاقتصاد الإيراني

طهران - أثنى الرئيس الإيراني حسن روحاني على رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي وصل الثلاثاء إلى طهران في أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه قبل نحو شهرين، قائلا إن العلاقات التجارية أصبحت "جيدة" بين طهران وبغداد منذ توليه (الكاظمي) رئاسة الحكومة العراقية، مضيفا أنه بحث مع ضيفه سبل تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون لمواجهة أزمة كورونا.

وطغت على كلمة روحاني المجاملات البروتوكولية أمام عدسات المصورين في المؤتمر الصحفي المشترك مع الكاظمي من دون أن يعرض للخلافات مع رئيس الوزراء العراقي الذي دشن حملة أمنية لكبح سلاح ونفوذ الميليشيات الموالية لطهران.

ولم تبد إيران حتى الآن موقفا متشددا من الكاظمي الذي دشّن حملة لكبح نفوذ الأحزاب الموالية لها، لكن تلك الأحزاب بدأت مبكرا في ممارسة ضغوط شديدة عليه لا يمكن أن تكون بمعزل عن أوامر إيرانية عليا.

ولا تريد طهران الظهور في المشهد كقوة ضاغطة على الكاظمي تفاديا للانتقادات الغربية وسعيا لاحتواء الغضب في الشارع العراقي الذي طالب خلال الاحتجاجات الأخيرة بكبح النفوذ الإيراني.

كما أن إيران بدأت في إعداد إستراتيجية جديدة تعتمد على الدبلوماسية الناعمة لتعزيز هيمنتها على مفاصل الدولة العراقية دون ضجيج في مراجعة للإستراتيجية المتشددة التي كان يتبعها قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي قتل في غارة أميركية في الثالث من يناير/كانون الثاني استهدفت موكبه على طريق مطار بغداد الدولي وقتل معه في الهجوم نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس.

 

إيران بدأت في مراجعة سياسة متشددة كان يتبعها الجنرال قاسم سليماني لفرض الهيمنة على العراق
إيران بدأت في مراجعة سياسة متشددة كان يتبعها الجنرال قاسم سليماني لفرض الهيمنة على العراق

ولا تملك طهران خيارات في مواجهة الضغوط والعقوبات الأميركية إلا بالإبقاء على منافذها للساحة العراقية بوابة تمددها الرئيسية في المنطقة.

ويشير استقبالها للكاظمي في هذا التوقيت إلى رغبة غير معلنة في فتح قنوات حوار مع دول المنطقة وتحديدا المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

وتجمع كل المؤشرات على أن الخناق اشتدّ على عنق النظام الذي بات يواجه أزمة غير مسبوقة على جميع الأصعدة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، فقد أقرّ وزير النفط الإيراني بأنه لا توجد الآن دولة واحدة ترغب في إبرام عقود مع بلاده باستثناء الصين بسبب العقوبات الأميركية.

كما تواجه حكومة الرئيس الإصلاحي حسن روحاني تحديات أمنية على خلفية احتجاجات متناثرة تنذر جميعها باتساع نطاق الاضطرابات الاجتماعية.

ويقف الاقتصاد الإيراني منذ فترة على حافة الانهيار خاصة مع تفشي فيروس كورنا الذي فاقم الوضع المتردي أصلا.

وفي خضم هذه الأزمات المتناثرة التي تضغط على النظام السياسي الديني لا تملك إيران في المرحلة الراهنة إلا تخفيف جبهات المواجهة ومهادنة الكاظمي.

 ورسم رئيس الوزراء العراقي من طهران الخطوط العريضة للعلاقات بين العراق وإيران، مؤكدا في مؤتمر صحفي مشترك مع روحاني أن بلاده حريصة على تعزيز التعاون الثنائي، إلا أنه شدد على ضرورة الالتزام بعدم تدخل أي بلد في شأن البلد الآخر الداخلي.

وقال الكاظمي "نقول لإخواننا في إيران إن الشعب العراقي محب ويرغب بتظافر العلاقات والتعاون الثنائي وفق خصوصية كل بلد وعلى أساس عدم التدخل بالشؤون الداخلية".

وأوضح أن حكومته تتبع سياسية خارجية قائمة على التوازن وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، مضيفا "سياستنا في العراق تعتمد على حسن النية مع دول الجوار وعلينا إخراج المنطقة من أزمة التوترات والعمل مع دولها للخروج بحل شامل يصب بمصلحة شعوبنا. سياستنا الخارجية تعتمد على مبدأ التوازن والابتعاد عن سياسية المحاور لذلك لن يكون العراق منطلقا لمهاجمة إيران".

طهران لا تريد الظهور كقوة ضاغطة على مصطفى الكاظمي تفاديا للانتقادات الغربية وسعيا لاحتواء الغضب في الشارع العراقي الذي طالب خلال الاحتجاجات الأخيرة بكبح النفوذ الإيراني

وأشار إلى أن العراق يواجه الكثير من التحديات، مؤكدا على أهمية التنسيق مع إيران". وقال إنه بحث مع الرئيس الإيراني التنسيق لمواجهة تلك التحديات وخاصة منها فيروس كورونا.

وتابع "لقد قاتلنا الإرهاب وداعش والجماعات التكفيرية سوية وإيران أول من دعمت العراق في حربها ضد المتشددين، لهذا السبب وقف العراق إلى جانب إيران في أزمتها الاقتصادية وتحول إلى سوق للتجارة الإيرانية"، مضيفا "بحثنا تنشيط الاتفاقيات بين البلدين ومنها ربط سكة الحديد بين إيران والبصرة".

ووصل الكاظمي إلى طهران الثلاثاء في أول زيارة رسمية له إلى الخارج منذ توليه منصبه في مايو/ايار، وفق ما أوردت القناة الرسمية في التلفزيون الإيراني.

وتأتي هذه الزيارة قبل أخرى مماثلة من المقرر أن يقوم بها الكاظمي للولايات المتحدة ودول أوروبية، فيما كان من المقرر أن يزور السعودية الخصم الإقليمي لإيران يوم الاثنين قبل التوجه إلى طهران، لكن زيارته إلى الرياض تأجلت بسبب دخول العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى المستشفى لإجراء فحوصات.

وقال التلفزيون الإيراني إن الوفد المرافق له يضم وزراء الخارجية والمالية والصحة والتخطيط ومستشاره للأمن القومي.

وكان يفترض أن تحصل الزيارتان وفق تعاقب يضمن لرئيس الوزراء العراقي لعب دور متوازن قد يتيح له القيام بوساطة محتملة بين الرياض وطهران. وقبل زيارته استقبل الأحد الكاظمي في بغداد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.

وتشهد المنطقة توترا متفاقما أطرافه المملكة العربية السعودية وحليفها الأميركي من جهة ومن جهة ثانية إيران المتهمة، من بين أمور أخرى، بالرغبة في بسط نفوذها في المنطقة.

كان يفترض أن تحصل الزيارتان وفق تعاقب يضمن لرئيس الوزراء العراقي لعب دور متوازن قد يتيح له القيام بوساطة محتملة بين الرياض وطهران

ويُشكل العراق بصورة متكررة مسرحا للتوتر بين إيران والولايات المتحدة وكلاهما تربطهما علاقات وثيقة مع بغداد.

وتولى الكاظمي منصب رئيس الوزراء في مايو/ايار بعد ما يقرب من أربع سنوات كرئيس للمخابرات العراقية. ويُشاع أنه يحظى بتقدير أجهزة المخابرات الإيرانية والدوائر الحكومية في طهران، لكن هذه المعلومات تتناقض مع حقيقة ما يواجهه في الداخل، حيث يتعرض لضغوط متزايدة من فصائل وجماعات مسلحة متحالفة مع طهران تعتقد أنه ينحاز للولايات المتحدة بسبب إشارته إلى رغبته في كبح نفوذ الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة المدعومة من الجمهورية الإسلامية.

كما يحظى بتقدير واشنطن التي من المقرر أن يزورها بحلول أوائل أغسطس/اب لمواصلة الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة التي تنشر قوات في هذا البلد.

ويواجه رئيس الوزراء العراقي مهمة صعبة للموازنة بين إيران والولايات المتحدة اللتين اقتربتا من الدخول في صراع مفتوح في المنطقة، بما في ذلك على الأراضي العراقية خلال العام الماضي.

وفي أول شهرين للكاظمي في منصبه نفذت قوات الأمن مداهمتين لاعتقال أعضاء فصائل مسلحة موالية لإيران بينها كتائب حزب الله العراقي، لكنها مارست ضغوطات بالسلاح في الشارع، ما دفع السلطات للإفراج عن معظمهم.

وأشادت واشنطن بهذه الخطوات ورحب أنصاره بعدة تعيينات بين صفوف قوات الأمن منها إعادة عبدالوهاب الساعدي رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الذي أجج عزله في عهد الحكومة السابقة احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة العام الماضي.

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) عن يحيى آل إسحاق رئيس غرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق قوله إن زيارة رئيس الوزراء العراقي لإيران اليوم الثلاثاء تحظى بأهمية كبيرة لتطوير العلاقات الثنائية.

وتابع "تهيئة الأرضية والتخطيط لرفع التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار بين البلدين، ستكون من المواضيع التي سيبحثها رئيس وزراء العراق في طهران".

وتشمل محادثات الكاظمي في طهران أيضا الديون العراقية المترتبة عن إمدادات الطاقة والتي تقدر بحوالي ثلاثة مليارات دولار من المقرر أن يطالب رئيس الوزراء العراقي بجدولتها.

وبحسب رئيس غرفة التجارة المشتركة فإن زيارة الكاظمي لطهران ربما تُسرع إعادة فتح الحدود بين البلدين أمام حركة السلع والبضائع التي تم إغلاقها ضمن إجراءات الوقاية من تفشي فيروس كورونا. وصدرت إيران إلى العراق خلال العام الماضي سلعا بقيمة بلغة 9 مليارات دولار.

ولم يصدر العراق موقفا نهائيا بخصوص إعادة فتح الحدود في ظل الوضع القاتم في إيران مع ارتفاع قياسي في وتيرة تفشي فيروس كورونا وارتفاع عدد المصابين والمتوفين بالفيروس.

وتشكل إعادة فتح الحدود مجازفة خطيرة بالنسبة للعراق الذي يكابد لاحتواء الفيروس في ظل نظام صحي متهالك ومنظومة رعاية صحية تفتقر لأدنى مقومات مواجهة كوفيد 19.