إيران وأذرعها أمام معضلة إيجاد شبكات اتصال آمنة

إعادة بناء منظومة الاتصالات يتطلب وقتا طويلا وجهودا مكلفة، وقد لا تكون بنفس المستوى من الأمان والسرية السابقة.

بيروت – يواجه حزب الله مع جميع الأذرع الإيرانية في المنطقة بالإضافة إلى طهران نفسها معضلة بشأن الأمان في التواصل بين بعضها البعض، بعد ضرب شبكات الاتصالات المتعددة إثر الحرب السيبرانية الإسرائيلية التي نجحت حتى الان باختراقها ثلاث مرات منذ بداية الحرب على غزة قبل حوالي عام.

وكانت البداية مع الخرق الإسرائيلي للهاتف الجوال. والثانية عند اختراق الشبكة الداخلية للحزب (وايرد) الذي تم اكتشافه مع اغتيال القيادي فؤاد شكر وما ذكرته وسائل إعلام غربية وعبرية بأن شكر تلقى اتصالاً طلب منه الانتقال من الطابق الثالث إلى الطابق السابع حيث اغتيل بقصف صاروخي، وهذا يعني أن إسرائيل سيطرت على الشبكة الداخلية.

وبعد الهاتف الجوّال، لجأ حزب الله اللبناني إلى شبكة الإنترنت، عبر اعتماده تقنية الـ"واي فاي"، ليتبيّن أن اسرائيل نجح في اختراقها وتعقّب أي مسؤول عسكري استخدمها لتجري ملاحقته عبر المسيّرات واغتياله، مما استدعى العودة إلى الشبكة السلكية الخاصّة به، التي يعتقد أنها تعرضت للاختراق أيضاً لتنتهي مراحل تعقب الحزب قياداته الإلكترونية بضربة البيجر المدمرة.

الحرب السيبرانية الإسرائيلية نجحت باختراق شبكات اتصال حزب الآن بجميع أنواعها ثلاث مرات منذ بداية الحرب على غزة.

وأكد مصدر مقرّب من حزب الله أنه عندما تخلّى (الحزب) عن وسائل الاتصال الخاصة بالهاتف الجوال أو شبكة الإنترنت، تقلّصت إلى حدّ كبير عمليات الاغتيال التي طالت كوادره وقادته.

وتعتبر منظومة اتصالات حزب الله اللبناني، إحدى الأدوات الرئيسية التي يستخدمها الحوثيين لتعزيز نفوذهم وتنسيق عملياتهم على الصعيدين الداخلي والخارجي. وهذه المنظومة كانت تشكل جزءا لا يتجزأ من شبكة الدعم اللوجستي والتنسيقي التي تساهم في توجيه العمليات العسكرية والسياسية. ومع الأحداث الأخيرة التي شهدت تفجير أجهزة الاتصال الخاصة بحزب الله، تنعكس تداعيات هذا الانهيار التقني وتأثيره على التواصل مع حلفاء إيران في المنطقة، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن.

وذكرت تقارير إخبارية أنه قبل الانقلاب الحوثي على الدولة اليمنية، كان الأمن القومي اليمني قادرا على رصد اتصالات بين الحوثيين وحزب الله عبر الأقمار الصناعية الإيرانية. ولاحقاً بعد الانقلاب سيطر الحوثيين على الأمن القومي اليمني وكانت اتصالاتهم على مدى السنوات الأخيرة تتم بالراحة وبدون رقيب. وصار هناك تحول استراتيجي كبير في قدراتهم على إدارة اتصالاتها بشكل غير مراقب، مما يعزز نفوذهم داخليا وإقليمياً.

لذا مع انهيار شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله، والتي تربط أيضا بين الحوثيين وقياداتهم الداعمة في لبنان وطهران، من المرجح أن يواجه الحوثيون صعوبات متزايدة في التواصل مع حلفائهم. وكانت هذه الشبكة، بحسب العديد من التقارير، تقوم على أجهزة اتصال متطورة جرى تهريبها إلى اليمن عبر قنوات غير قانونية، واستفاد منها الحوثيون في تنسيق عملياتهم العسكرية في مختلف الجبهات.

وبالرغم من أن حزب الله أعلن عن بدء تحقيقات واسعة لمعرفة أسباب الانفجارات المتزامنة التي طالت أجهزة الاتصال، فمن غير المتوقع أن يكون قادرا على إعادة بناء شبكة اتصالاته بسرعة. فالتقنية المتطورة التي استُخدمت لاختراق الأجهزة قد تكون جزءا من استراتيجية إسرائيلية أوسع تستهدف تقويض قدرة حزب الله على التحرك بشكل حرّ.

تراجع قدرة حزب الله على إدارة التواصل مع الحوثيين وباقي الوكلاء الإيرانيين في المنطقة سيحد من قدرة طهران على فرض أجندتها بشكل مباشر وفعال

 كما أن إعادة بناء منظومة الاتصالات قد يتطلب وقتا طويلا وجهودا مكلفة، وقد لا تكون بنفس المستوى من الأمان والسرية التي كانت تتمتع بها المنظومة السابقة. لذلك  فإن الحزب قد يُصبح أكثر حذرا في استخدام مثل هذه الأجهزة في المستقبل، وهو ما سيحد من قدرته على التنسيق مع حلفائه في إيران والعراق وسوريا، بما في ذلك الحوثيون.

 وسيكون لذلك تأثيرات على إيران أيضا التي تعتمد على حزب الله كوكيل إقليمي في لبنان كما الميلشيات الحوثية في اليمن ما يُسهم في تنفيذ سياساتها وتوجيه عملياتها في مختلف مناطق النزاع في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا والعراق واليمن. فإن تراجع قدرة حزب الله على إدارة التواصل مع هذه الأطراف سيحد من قدرة إيران على فرض أجندتها بشكل مباشر وفعال.

وفي إيران يبدو القلق متزايدا بشأن شبكة الاتصالات بين إيران وحلفائها التي تعرضت لأكبر هجوم في تاريخها، ويصل إلى حد الهلع، حيث حذّر نائبان إيرانيان دول المنطقة، بما في ذلك المسؤولون التنفيذيون في بلادهم، من تكرار ما حدث في لبنان، وطالَبا بحظر معدات شركة موتورولا.

وقال النائب رضا حاجي بور لوكالة "إيسنا" الحكومية، إن الحادث الإرهابي بلبنان شاركت فيه شركات أميركية صيهونية، وخصوصاً شركة (موتورولا)، أحذّر دول المنطقة من إمكانية تكرار حادثة لبنان في هذه الدول، بسبب استخدام أنظمة الشركات الأميركية، وخصوصاً (موتورولا).

وأوضح أنه وجّه تحذيراً مكتوباً إلى الرئيس مسعود بزشكيان، ووزراء الاتصالات والاستخبارات والخارجية والداخلية.

وأشار النائب إلى استخدام منتجات موتورولا في القطاعات الإيرانية الحساسة، وقال يجب على وزارتَي الاتصالات والاستخبارات منع دخول هذه المعدات إلى إيران فوراً، وأن تُبَدَّل بمعدات أكثر أماناً بعد مراجعة دقيقة من قِبل منظمة الدفاع المدني ووزارتَي الاتصالات والاستخبارات.

ووجّه النائب أبو القاسم جرارة تحذيراً مكتوباً إلى وزير الاتصالات والتكنولوجيا، قال فيه "يجب متابعة جميع الشركات، بما في ذلك (موتورولا)، ومراجعة التحقيقات بسرعة؛ نظراً لحساسية الموضوع، وإمكانية الإضرار بالمواطنين".

وتحاشت وسائل الإعلام الإيرانية الخوض في التعليق على استخدام السفير الإيراني في بيروت لأجهزة يستخدمها منتسِبو حزب الله، بعد إصابته بتفجير إحداها لكن وكالة "تسنيم" التابعة لـ"الحرس الثوري"، قالت إن الجهاز الذي انفجر هو لأحد حُرّاسه الشخصيين، دون أن تشير إلى هوية الحارس، أو حالته.

وكشفت مصادر لبنانية أن حزب الله بدأ يبحث عن وسائل أو وسيلة اتصال تعوّضه عن اختراق أجهزة البيجر وتفجيرها، لكنّ الخيارات تبدو محدودة جداً حتى الآن.

ويقول مختصون عن البدائل التي يمكن أن تلجأ إليها إيران ووكلائها أن مشكلة وسائل الاتصال تشمل كلّ الدول التي لا تصنّع هذه الأجهزة، وبالنسبة لحزب الله ربما يلجأ إلى تمديد شبكة اتصالات سلكية تحت الأرض؛ لأنه يصعب عليه من الآن فصاعداً استخدام تقنية الـ(وايرلِس)، لكن تمديد مثل هذه الشبكة يحتاج وقتاً طويلاً، والعمل على توصيلها يتطلب ظروفاً آمنة، وهذه الظروف غير متاحة حالياً، كما أن إنجازها يستغرق أشهراً، في وقت بات فيه بحاجة لإيجاد بدائل سريعة ولا شيء يضمن عدم اختراق إسرائيل شبكة اتصالات جديدة؛ ولو كانت سلكيّة.