إيران وتركيا.. كثرة التصريحات على قدر الألم

حدة التصريحات التي نراها بين فينة وأخرى تروي لنا قصة الحالم العاجز عن تحقيق ما يصبو إليه.

بقلم: مالك عبيد

 لا توجد عنجهية أوغطرسة أكثر وضوحاً مما يدلي به المسؤولون الإيرانيون والأتراك من تصريحات، محاولين تبرير سلوك بلادهما وتقديم الأعذار لما تحدثانه من فوضى على طول وعرض بلدان الشرق الأوسط؛ الأمر الذي يكشف في كل مرة عن نفس استعلائية ورغبة بإلغاء الآخر وتقرير مصيره.

تصريحات منفلتة العقال تدين نفسها بنفسها، ولا تكبد الآخر عناء البحث عن أدلة إدانة لها؛ لأنها لا تنفك تأتي على ألسنة المسؤولين الرسميين ووكلائهم بالمنطقة معلبة وجاهزة للعرض أمام المجتمع الدولي؛ الأمر الذي يجعل من الحظوظ في تعرية هذه المشاريع وكشف ما وراءها من أجندات كبيرة جداً.

تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على هامش مؤتمر ميونخ للأمن -على سبيل المثال- كانت نموذجاً لا يخرج بعيداً عن هذا الإطار؛ الأمر الذي يدعونا نحن في المملكة لأن نكون سعداء بصدور شيء كهذا من مسؤول بحجم ظريف الشخص الذي طالما سوقت له الدعاية الإيرانية على أنه أحد دهاة سياستها الخارجية وثعالبها الذين يعرفون كيف يتحدثون مع الغرب بهدف استمالتهم ووضعهم في خانة الحياد على أقل تقدير.

فكلما تحدث ظريف عن أمن «الخليج»، وسياسة بلاده يعجز عن إخفاء تلك «الأنا» الإيرانية المتضخمة والمتنمرة سياسياً وعسكرياً على دول الجوار والمنطقة، بالرغم من حرصه على تقديم نظام بلاده للعالم كحمل وديع وحمامة سلام، إلا أن فحوى الرسالة ينطوي على تأكيد فارسية الخليج وأن طهران وحدها من تملك مياهه وقراره وعلى من يعترض أن يتحمل التبعات.

الأجندة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط في خطوطها العريضة لا تختلف كثيراً عن الأجندة التركية، فكل الأقوال والأفعال متشابهة، وتعكس القواسم المشتركة لكلا المشروعين على أرض الواقع. فمن خلال الغطاء الديني، تحلم الدولتان بزعامة سياسية تحاكي إمبراطوريات التاريخ الغابر وتستدعيه؛ الأمر الذي لن يتحقق، إلا بالسيطرة على المنطقة؛ شعوباً وحكومات، ونهب ثرواتها أو تخريبها. وما عمليات التموضع السياسي والعسكري، ورفع الشعارات الفارغة، وخلق الوكلاء المحليين، ونشر الفوضى إلا وسيلة لتحقيق ذلك لا أكثر. قدر التشابه بين المشروعين، قد تجاوز الأهداف والوسائل ليصل إلى النتائج أيضاً. وهو ما يفسر تجهم الوجوه وحدة اللغة المستخدمة بعد أن كشف الواقع حقيقة الوجع التي تقول: إن رياح الإنجازات بعد سنوات من العمل والاستنزاف جرت بعكس ما تشتهيه سفن الحلم باستعادة إمبراطوريات التاريخ الغابر. فكلا المشروعين قد دخلا مرحلة حرجة من الاستنزاف السياسي والاقتصادي الأمر الذي قد ينعكس عليهما سلباً بالمستقبل القريب ويرفع كلفة الإخفاقات وفواتير سدادها.

ففي حسابات التجربة والخطأ لم تكن حروب الخارج يوماً وسيلة ناجعة لتخفيف اختناق الداخل السياسي والاقتصادي. كما أن سياسة تصدير الأزمات لم تدعم يوماً وجود الدول واستقرارها، كما أن الحضارات لا تبنى بالشعارات الثورية، ولا بسياسات الشحن الطائفي باسم حماية المقدسات.

في نهاية المطاف فإن حدة التصريحات التي نراها بين فينة وأخرى تروي لنا قصة الحالم العاجز عن تحقيق ما يصبو إليه. لأن التجربة أثبتت أن المسافة بين الصدارة والتميز والاستقرار وبين الفوضى والإرهاب والبؤس هي ذات المسافة الفاصلة بين عاصمة بحجم الرياض، وعواصم أخرى عجزت عن تقديم نموذج واحد أمام العالم يرمم بتميزه مصداقية الشراكة المستقبلية والمساهمة ببناء الإنسان وتنميته وحفظ دمه وكرامته.

نُشر في عكاظ السعودية