إيران وتركيا والخداع الناعم

إجراء استبيانات للرأي عن تأثير القوة الناعمة للدول التي تدعم أيديولوجيات بغرض الهيمنة أو الفوضى مهم جداً لأن على أساسها تقوم الدول العربية بأخذ الإجراءات اللازمة لتحسين مستوى القوة الناعمة لديها وخاصة الإعلام لكي لا تقع شعوبها في فخ دول وأنظمة استغلالية مؤدلجة كإيران وتركيا.

بقلم: نجاة السعيد

إن أهم ما تقوم به الأنظمة الأيديولوجية المنتمية للإسلام السياسي هو محاولة كسب قلوب وعقول شعوب الدول التي تريد الهيمنة عليها لدعم أجندتها السياسية. وبالرغم من تحذيرات الدول العربية وخاصة الخليجية من خطر النظامين في إيران وتركيا، فإن هذا لن يجدي نفعاً من دون دراسة أسباب انخداع بعض الشعوب بتلك الأنظمة الأيديولوجية التي ترسخ مفهوم اللادولة من دعم لميليشيات وأحزاب بحجة مقاومة القوة المهيمنة، متخذة من الدين وسيلة لتحقيق أهدافها، لذلك لابد من دراسة ما قامت به تلك الأنظمة من استخدام لقوتها الناعمة في خداع الشعوب.

فيما يتعلق بإيران، فإن الإطاحة بشاه إيران، الحليف الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة من خلال ثورة شعبية بقيادة آية الله الخميني والإعلان عن إنشاء الجمهورية على أساس القواعد الإسلامية كان مصدر "إعجاب" لدى بعض من الشعوب في العالم العربي آنذاك. موقف النظام الجديد ضد الهيمنة الغربية ودعوته للعدالة الاجتماعية والاقتصادية كان مصدر إلهام لكثير من العرب في ذلك الوقت.

أما في تركيا، كانت وسيلة خداع الشعوب العربية تكمن في تقديم حزب «العدالة والتنمية» كحزب جمع بين التقليد والتغريب لكن من دون التنفير من الأول ونسخ الثاني. وسعت أنقرة من خلال الدراما إلى توجيه رسالة زائفة للشعوب العربية مفادها أن تركيا هي رمز التألق والجمال والتسامح.

لقد افتقد الإعلام الإيراني ما تبقى من شعبيته عند الغالبية في العالم العربي خاصة بعد الحركة الخضراء عام 2009 التي تعامل معها النظام الإيراني بوحشية مع شعبه، وأيضاً الطائفية التي مارسها النظام في العراق وسوريا كانت سبباً لذلك النفور. لكن هذا الاختلاف متفاوت فوفقًا للاستبيان الذي أجرته مؤسسة زغبي العالمية عام 2013، صورة إيران الإيجابية قد انخفضت كثيراً بين شعوب مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم أن الجهات الرسمية لقطر وإعلامها خاصة قناة «الجزيرة» تدعم النظام الإيراني إلا أن صورة إيران غير الإيجابية بين القطريين تصل إلى 79 في المائة، في حين النظرة الإيجابية بين الكويتيين لإيران تصل إلى 50 في المائة.

  أما في العراق فالنسبة متدنية، فبالرغم من تمويل إيران لقوتها الناعمة بشكل كبير في العراق إلا أن غالبية شيعة العراق ينظرون لأنشطة إيران على أنها وسيلة لمحو الهوية العراقية. فالعلاقة القوية والإيجابية بين السياسيين والأحزاب لا تمثل حقيقة مشاعر عامة الشعب العراقي تجاه إيران.

لا شك أن التطابق الأيديولوجي والمذهبي له دور كبير بالنظرة الإيجابية لكل من النظامين في إيران وتركيا، لكن القوة الناعمة لكلا النظامين لها دور كبير في ترسيخ ونشر تلك الأيديولوجيات حتى للفئة التي لا تنتمي لها. لذلك وجود مراكز بحثية تقوم بإجراء استبيانات ودراسات لرأي الجمهور عن تأثير القوة الناعمة خاصة للدول التي تدعم أيديولوجيات بغرض الهيمنة أو الفوضى مهم جداً، لأن على أساس نتائج تلك الدراسات تقوم الدول العربية بأخذ الإجراءات اللازمة لتحسين مستوى القوة الناعمة لديها وخاصة الإعلام لكي لا تقع شعوبها في فخ دول وأنظمة استغلالية مؤدلجة.

نُشر في الاتحاد الإماراتية