إيران وعقوبات الرابع من نوفمبر.. الآليات والتوقُّعات

رغم ما تُبدِيه طهران في مواجهة العقوبات اعتمادًا على التهديدات التي تطلقها قياداتها والرهان على بعض الشركاء والحلفاء فإن عقوبات الرابع من نوفمبر سيكون تأثيرها أكبر  فهي تطال المورد الرئيسي للاقتصاد وهو النِّفْط.

يُفترض أن تدخل الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكيَّة على إيران حيِّز التنفيذ في الرابع من نوفمبر 2018، وينظر كثيرون إلى هذا اليوم باعتباره تاريخًا مهمًّا وحاسمًا في التأثير على الأوضاع الداخلية في إيران، فهذا اليوم سيمثِّل نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة مختلفة، أهمّ سماتها تصعيد الضغوط بصورة غير مسبوقة من جانب الولايات المتَّحدة، لا سيما الضغوط الاقتصادية.

فقبل قدوم ترامب ولتنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة الموقعة في 2015 بين مجموعة 5+1 وإيران، أسقطت إدارة أوباما عدد من القوانين التي تفرض عقوبات على إيران. كما ألغت عديدًا من الأوامر التنفيذية وشطبت مئات الأشخاص المعينين وكياناتهم من لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ومن قوائم العقوبات. لكن عندما أقدم الرئيس ترامب على سحب الولايات المتَّحدة من خطة العمل المشتركة في مايو 2018، أعلن أن جميع العقوبات النووية التي رُفِعَت بموجب خطة العمل المشتركة سوف يُعاد فرضها.

وبالتزامن مع هذا الإعلان، أصدر ترامب مذكِّرة رئاسية إلى الأمن القومي يوجّه فيها وزير الخارجية ووزير الخزانة للتحضير الفوري لإعادة فرض جميع العقوبات الأمريكيَّة التي رُفِعَت أو جرى التنازل عنها بناءً على الاتِّفاق النووي، على أن تُنجَز في أسرع وقت ممكن، على أن تكون في أي حال خلال 180 يومًا من تاريخ المذكرة الرئاسية.

لتنفيذ توجيهات الرئيس، حددت بدورها كل من وزارة الخارجية ووزارة الخزانة جدولًا زمنيًّا لاستعادة العقوبات، إذ أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة التوجيه الذي يشرح بالتفصيل عملية إعادة فرض العقوبات. وقد نصَّت التوجيهات على أن لا تُفرَض العقوبات فورًا، لتوفير وقت مناسب للقطاع الخاصّ لإنهاء الأعمال التجارية في إيران. وطبقًا لنوع النشاط اختلفت الفترة من 90 إلى 180 يومًا. لذا حدَّدَت الوزارة فرض الدفعة الأولى من العقوبات في 6 أغسطس 2018، والوصول إلى إلغاء رفع جميع العقوبات التي رُفِعَت بموجب خطة العمل المشتركة الدولية بحلول الرابع من نوفمبر 2018. ووَفْقًا لذلك أصبح على الأشخاص الذين يشاركون في نشاط نُفِّذ وَفْقًا لإعفاءات العقوبات الأمريكيَّة المنصوص عليها في خطة العمل المشتركة أن يتخذوا الخطوات اللازمة لتخفيف هذه الأنشطة، إمَّا في 6 أغسطس 2018 وإما في 4 نوفمبر 2018، حسب الاقتضاء، لتجنُّب التعرُّض للعقوبات.

أولًا: الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكيَّة

أعادت الولايات المتَّحدة في السادس من أغسطس 2018 بعض العقوبات التي كانت قد رُفِعَت بموجب الاتِّفاق النووي في عام 2015، وهي كالآتي:

  1. العقوبات المفروضة على شراء أو بيع حكومة إيران الأوراق النقدية بالدولار الأمريكيّ.
  2. عقوبات على تجارة إيران في الذهب أو المعادن الثمينة.
  3. العقوبات على البيع المباشر أو غير المباشر، أو العرض، أو النقل إلى أو من إيران، من معادن الغرافيت أو الخام أو شبه النهائية مثل الألمنيوم والفولاذ والفحم والبرمجيات المستخدمة لإدماج العمليات الصناعية.
  4. العقوبات على المعاملات المهمَّة المتعلقة بشراء أو بيع الريال الإيرانيّ، أو الاحتفاظ بأموال أو حسابات كبيرة خارج أراضي إيران بالريال الإيرانيّ.
  5. العقوبات على شراء أو تسهيل يتعلق بتمويل الديون السيادية الإيرانيَّة.
  6. عقوبات على قطاع السيارات في إيران.

إضافة إلى ذلك وبعد انقضاء 90 يومًا على تاريخ إقرار هذه العقوبات في 6 أغسطس 2018، ستلغي الحكومة الأمريكيَّة الإعفاءات على العناصر الآتية:

  • استيراد الولايات المتَّحدة السجاد والموادّ الغذائية الإيرانيَّة وبعض المعاملات المالية ذات الصلة بموجب التراخيص العامَّة بموجب لوائح المعاملات والجزاءات الإيرانيَّة.
  • التراخيص المحددة الصادرة للأنشطة المتصلة بتصدير أو إعادة تصدير طائرات الركاب التجارية والأجزاء والخدمات ذات الصلة إلى إيران.
  • الأنشطة المتعلقة بالعقود المؤهلة للحصول على إذن بموجب القرار المشترك الخاص باللجنة المشتركة، ووَفْقًا لذلك يجب على الأشخاص الذين يشاركون في الأنشطة المذكورة أعلاه والمنفذين بموجب تخفيف عقوبات الولايات المتَّحدة المنصوص عليها في خطة العمل المشتركة الشاملة اتخاذ الخطوات اللازمة لتقليص هذه الأنشطة بدءًا من 6 أغسطس 2018، لتجنُّب التعرض للعقوبات أو اتخاذ إجراء بموجب القانون الأمريكيّ.

ثانيًا: الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكيَّة

في 4 نوفمبر 2018 ستنقضي فترة 180 يومًا التي حدَّدها ترامب لاستعادة بقية العقوبات التي عُلّقَت بعد خطة العمل الشاملة المشتركة، إذ ستعيد الحكومة الأمريكيَّة فرض العقوبات الآتية:

  1. عقوبات على شركات تشغيل المواني الإيرانيَّة، وقطاَعي الشحن وبناء السفن، بما في ذلك خطوط الشحن الإيرانيَّة الإسلامية أو خطوط الشحن الجنوبية البحرية الإيرانيَّة أو الشركات التابعة لها.
  2. عقوبات على المعاملات المتعلقة بالبترول مع شركة النِّفْط الإيرانيَّة الوطنية (NIOC)، وشركة الناقلات الإيرانيَّة الوطنية (NITC)، بما في ذلك شراء النِّفْط والمنتجات النِّفْطية أو المنتجات البتروكيماوية من إيران.
  3. عقوبات على المعاملات من قبل المؤسَّسات المالية الأجنبية مع البنك المركزي الإيرانيّ والمؤسَّسات المالية الإيرانيَّة المعينة بموجب قانون تخويل الدفاع الوطني للسنة المالية 2012.
  4. عقوبات على توفير خدمات الرسائل المالية المتخصصة للبنك المركزي الإيرانيّ والمؤسَّسات المالية الإيرانيَّة طبقًا لقانون العقوبات الشامل وسحب الاستثمارات الإيرانيَّة لعام 2010.
  5. العقوبات المفروضة على خدمات التأمين أو إعادة التأمين.
  6. عقوبات على قطاع الطاقة في إيران.

بالإضافة إلى ذلك، ستقوم حكومة الولايات المتَّحدة، اعتبارًا من 5 نوفمبر 2018، بسحب التفويض الخاص بالكيانات الأجنبية المملوكة للولايات المتَّحدة أو الخاضعة لسيطرة الولايات المتَّحدة من أجل إنهاء بعض الأنشطة مع حكومة إيران أو الأشخاص الخاضعين لولاية حكومة إيران التي تم تفويضها مُسبَقًا.

علاوة على ذلك، في موعد لا يتجاوز 5 نوفمبر 2018، ستعيد الحكومة الأمريكيَّة فرض العقوبات، حسب الاقتضاء، على الأشخاص الذين أُزيلوا من قوائم الحظر والعقوبات التي تحتفظ بها حكومة الولايات المتَّحدة منذ 16 يناير 2016.

سيكون على المتعاملين مع إيران اتخاذ الخطوات اللازمة لتقليص أنشطتهم بحلول 4 نوفمبر 2018، لتجنُّب التعرُّض للعقوبات أو إجراءات الإنفاذ بموجب قانون الولايات المتَّحدة، إذ يجب على الأشخاص الذين يشاركون في نشاط نُفّذ وَفْقًا لإعفاءات العقوبات الأمريكيَّة المنصوص عليها في خطة العمل المشتركة اتخاذ الخطوات اللازمة لتقليص أنشطتهم في الفترة من 8 مايو 2018 حتى 6 أغسطس 2018، أو بين 8 مايو 2018 و4 نوفمبر 2018.

وفي ما يتعلق بالعقوبات النِّفْطية سوف تقيّم وزارة الخارجية وتحدّد الاستثناءات في ما يتعلق بخفض الدول لوارداتها من النِّفْط الإيرانيّ حتى نهاية فترة السماح في الرابع من نوفمبر، وقد حضَّت الولايات المتَّحدة الدول التي تبحث عن مثل هذه الاستثناءات بخفض حجم مشترياتها من النِّفْط الخام من إيران خلال هذه الفترة، ونجحت في ذلك إلى حدّ بعيد. وتتابع بالفعل وزارة الخارجية النظر في الأدلَّة ذات الصلة في تقييم الجهود التي تبذلها كل دولة للحَدّ من حجم النِّفْط الخام المستورد من إيران خلال فترة السماح التي تمتد 180 يومًا، بما في ذلك كمية ونسبة الانخفاض في مشتريات النِّفْط الخام الإيرانيّ، وإنهاء عقود تسليم النِّفْط الخام الإيرانيّ في المستقبل، وغيرها من الإجراءات التي تبرهن الالتزام بتخفيض هذه المشتريات إلى حدّ كبير. وقد دخلت الولايات المتَّحدة في مفاوضات مع عدد من الدول في ما يتعلق بهذا الجانب. ولا شكّ سيكون النِّفْط القضية الأهم في ما يتعلق بالعقوبات على إيران.

ثالثاً: ما المتوقع بعد الرابع من نوفمبر؟

منذ الانسحاب الأمريكيّ من الاتِّفاق النووي تؤتي سياسة ترامب تجاه إيران أُكُلَها إلى حدٍّ بعيد، إذ شكَّلَت أوراق ضغط كبيرة على النِّظام، فقرار الانسحاب في مايو 2018 قوَّض الاتِّفاق النووي، ودخول الحزمة الأولى من العقوبات في السادس من أغسطس 2018، ألقى بظلال من الشكّ على مستقبل علاقة إيران بدول العالَم وعلى الحالة الاقتصادية بصفة عامَّة، تلك العلاقة التي كانت قد تطورت وفكَّت عزلة إيران دوليًّا، وسمحت لها بفتح أسواقها للاستثمارات الخارجية والشراكة الاقتصادية مع عدد من الدول والشركات العملاقة، لا سيما في مجالات صناعة النِّفْط والصناعات الثقيلة، كما انتعشت خزانتها جَرَّاء زيادة معدَّلات تصدير النِّفْط، ومن الإفراج عن الأصول المجمَّدة في الخارج، إذ مع قرار الانسحاب الأمريكيّ تدهور الوضع الاقتصادي، ودخلت البلاد في أزمة مع تدهور سعر العملة، وهروب الشركات الأجنبية من السوق خشية العقوبات الأمريكيَّة، إذ أعلنت عشرات الشركات الكبرى، التي عادت إلى السوق الإيرانيَّة خلال العامين أو الثلاثة الماضية، انتهاء تعاونها مرة أخرى مع طهران، مثل غول صناعة الطائرات بوينغ، أو شركة بيجو لصناعة السيارات، أو شركة توتال النِّفْطية، أو شركة الملاحة ميرسك، وغيرها من الشركات.

وفي ما يبدو أنه إصرار أمريكيّ على ممارسة أقصى درجات الضغط الاقتصادي على إيران، رفضت الولايات المتَّحدة منح الشركات الكبرى العاملة في إيران أي استثناء يتيح لها الاستمرار في استثماراتها في إيران، كشركة “توتال” التي اضطُرَّت أمام هذا الموقف إلى الانسحاب من السوق الإيرانيَّة خشية العقوبات الأمريكيَّة.

أدَّت هذه الأوضاع في النهاية إلى أزمة داخلية عميقة، إذ اهتزت الثقة الشعبية بقدرة القيادات السياسية، وانعكس ذلك على موجة احتجاجات شعبية لم تتوقف حتى اليوم.

ورغم بعض مظاهر المقاومة التي تُبدِيها طهران في مواجهة العقوبات اعتمادًا على بعض التهديدات التي تطلقها قياداتها، فضلًا عن الرهان على بعض الشركاء والحلفاء، فإن عقوبات الرابع من نوفمبر 2018 يفترض أن يكون تأثيرها أكبر من عقوبات الخامس من أغسطس، فهي عقوبات تطال المورد الرئيسي للاقتصاد الإيرانيّ وهو النِّفْط، وتستهدف عزل المؤسَّسات المالية الإيرانيَّة عن المؤسَّسات المالية الدولية، بما يعني عزلها اقتصاديًّا، فضلًا عن استهداف الدول والشركات التي تتعامل مع إيران. لذا فإن المتوقع أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية، وتجد الحكومة عجزًا في تدبير مواردها وتغطية نفقاتها، لا سيما إذا نجحت الولايات المتَّحدة في الضغط على مستوردي الطاقة من إيران، ونجحت من جهة ثانية بالتعاون مع حلفائها في توفير بدائل أمام هذه الدول، فضلًا عن تغطية العجز الناتج عن وقف تصدير النِّفْط الإيرانيّ بالتعاون مع حلفائها الخليجيين، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات أمريكيَّة عقابية تجاه الدول والشركات التي تُصِرّ على التعامل مع إيران. في المقابل ستؤتي هذه السياسات أُكُلَها إذا فشلت رهانات إيران سواء في الاحتفاظ بالاتِّفاق النووي دون الولايات المتَّحدة، أو قدرة الدول والشركات على الوفاء بالتزاماتها على الرغم من العقوبات الأمريكيَّة، وهو في الحقيقة أمر صعب.

لا شكّ في أنه مع تزايد الضغوط الأمريكيَّة والصرامة في تطبيق العقوبات، سيكون النِّظام الإيرانيّ أمام تَحدٍّ داخليٍّ حقيقيٍّ، لأن المؤشّرات الاقتصادية تعكس أوضاعًا داخلية متأزمة، تظهر ملامحها في حالة الغضب الشعبي الآخذ في التنامي نتيجة تَدهوُر الوضع الاقتصادي، ونتيجة وصول التوتُّر إلى بعض الفئات المؤيِّدة للنظام، كالتجار الذين سيتأثرون بشدة من التضييق على معاملاتهم المالية مع الخارج في ظلّ العقوبات الجديدة، فضلًا عن احتمال تَعرُّض سوق النقد لأزمة نتيجة ارتفاع سعر العملة المحلية، وشُحِّ الدولار بدرجة تفوق ما جرى في مطلع أغسطس الماضي.

عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية