إيران وهزيمة داعش.. محاولة لطمر تضحيات العراقيين

لماذا يتغاضى الإيرانيون عن عن حقيقة أن العراق قاتل داعش بالنيابة عن دول المنطقة والعالم وأن الشعب العراقي ضحى بدماء أبنائه لحماية دول الجوار جميعا بما فيها إيران فهل هذه المواقف جاءت ردا عن ما تتحدث به إيران مراراً من صناعة معجزة أنقذت بغداد؟

بقلم: أحمد حسن الياسري

منذ ثلاثة أعوام، لم يتوان كبار المسؤولين الايرانيين عن التعبير خلال أحاديثهم وتصريحاتهم الاعلامية، وبصوت عالٍ أن الهزيمة التي الحقت تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في العراق تحققت بفضل المساعي والجهود التي بذلتها الجمهورية الاسلامية الايرانية، وقد كرر ذلك الاسبوع الماضي رئيس مجلس الشورى الايراني (علي لاريجاني) اثناء استقباله وفدا برلمانيا فرنسياً في العاصمة طهران، واعاد ذلك بالقول "لولا طهران لكانت بغداد الان بيد داعش".

هنا قد نتساءل عن ثقة البعض بهذا الرأي، هل قامت ايران بارسال عناصر من الحرس الثوري لتقاتل الى جانب الجيش والشرطة ومتطوعي الحشد؟ هل تكرمت بإهداء طائرات حربية وأسلحة صاروخية وغيرها مجانا؟ هل نفذت ضربات من أراضيها على معاقل داعش (بالموصل والفلوجة والحويجة وجرف الصخر)، كما فعلت في مناطق شرق الفرات السورية؟ هل أرسلت فرقا إغاثية لمساعدة المتضررين آنذاك من جرائم التنظيم، أسوة باللاجئين السوريين في الأردن وبعدها مع المتضررين في اليمن؟ هل تفضلت بارسال بواخر تحمل على متنها مساعدات غذائية ودوائية كما تكرمت بذلك على قطر؟

بما أن التصريحات الايرانية لا تتضمن الاجابة على مثل هذه التساؤلات؟ اذن عن اية (لولا) يتحدث السيد لاريجاني؟ هل كان يظن ان الشهيد القناص (ابو تحسين) أصفهائي وليس بصرياً، ام كان يتصور ان الجنرال (قاسم سليماني) هو القائد الميداني الذي كان يدير معادلة المعارك، وليس (عبد الوهاب الساعدي) كما هو الواقع؟ أو يعتقد أن قوات الحشد الشعبي جزء من "البسيج" الايراني؟ أو أنه يستغفل الاخرين ليقلل من قيمة فتوى الجهاد الكفائي، أو أنه يظنها قمّية وليست نجفية؟! ألا يعد ذلك تدليسا للحقيقة ورسما لصورة مغايرة للواقع، ومحاولة واضحة لطمر تضحيات العراقيين المستمرة لغاية الآن بكفاح جيوب داعش واخواتها؟ ولو افترضنا ذلك، فهل يجوز لطهران أن تتصدر إنجاز هزيمة داعش؟

إذا كان لإريجاني يقصد بـ(لولا) هو تصدير بضائع بلاده والغاز الى العراق، فهنا المعادلة التجارية تثبت أن المستهلك (العراقي) هو المتفضل على المنتج (الايراني)، وليس العكس، وبحسب المعطيات الحالية، فان العراق بات يمثل "نبض" ايران الاقتصادي ويجازف باستمرارية التبادل التجاري معها، إذ بلغ قيمته 20 مليار دولار في العام ضاربا بعرض الحائط كل التحذيرات الامريكية بشان حزمة العقوبات المفروضة عليها، الامر الذي يعتبر اضافة ثانية لمهام العراق في حماية ايران عبر قيامه بعلب الخط الدفاعي والحارس الاول لها بالمنطقة، وليس كما يشاع بفعل سفنها البحرية في (مضيق هرمز) و(بحر الخليج).

إن تعاطي العراق مع الملف الايراني أدى به لعزلة عن محيطه العربي والاقليمي لمدة عقد كامل ليس بفعل ارادة السياسات السابقة لصدام حسين كما يروج لها الساسة العراقيون الشيعة، وبسبب هذه النظرة يواجه المسافر العراقي إجراءات صارمة تحرمه من الحصول على تأشيرة لدخول دول ومدن عربية وعالمية.

السؤال المهم، لماذا يتغاضى المسؤولون الإيرانيون عن بيانات مرجعية النجف التي كانت تتضمن رسائل واضحة بان العراق قاتل بالنيابة عن دول المنطقة والعالم، وان الشعب العراقي ضحى بدماء أبنائه لحماية دول الجوار جميعا بما فيها ايران، فهل هذه المواقف جاءت ردا عن ما تتحدث به إيران مرارا من صناعة معجزة أنقذت بغداد؟

مصدر مقرب من المرجعية الدينية في النجف، أكد بأن مثل هذه التصريحات الايرانية، تُقابل بعدم ارتياح من قبل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وهي رؤية تتطابق مع نظرة القوى الوطنية المناهضة للتدخلات الايرانية، إذ أن الطرفين صرحا بحصر أسباب الانتصار بـ(القوات المسلحة والشعب والفتوى) حصرا.

المرجعية الدينية أكدت أكثر من مرة على عدم سرقة جهود العراقيين، أو مصادرة بطولاتهم، وأكدت ذلك في أكثر من مناسبة عبر وكلائها في كربلاء خلال خطب الجمعة، وهو مؤشر واضح على انها مستاءة جدا من تصريحات القادة الإيرانيين، وبنفس الوقت تحمل القادة العراقيين مسؤولية ذلك بسبب ضعفهم تجاه هذه المحاولات غير السليمة من قبل الجانب الإيراني.

ربما تسعى طهران لإرسال رسائل لخصومها بأنها حاضرة بشكل فاعل في أحداث المنطقة سواء على مستوى قتال داعش وبعض الجماعات "الارهابية"، أو بدعم الحكومات معنويا او تسليحا، لذلك فإيران تركز على هذه التصريحات بين فترة واُخرى، لاسيما أن السياسيين العراقيين يجاملونها بالسكوت.

لا ننسى أن نفس إيران صرحت بانها تعطي السلاح للعراق مقابل المال، وهنا أتذكر تصريحا لقائد فرقة العباس القتالية ميثم الزيدي قبل نحو ثلاث سنوات أشار فيه الى أن طهران تبيع السلاح بأثمان أعلى من الأثمان الحقيقية في المصنع الأصلي (روسيا)، وذلك كان نقدا واضحا وإشارة لوجود فساد.

حتى لا نجحف حق ايران فان العراق كان محتاجا للسلاح مهما تطلب الامر، ولا يمكن تجاهل التعاون الايراني انذاك لأي سبب كان، خصوصا وأن أميركا لم تكن منفتحة بشكل كامل من ناحية السلاح والعتاد، بل كانت الكميات تأتي بشكل محدود، وهذا يدعونا الى قراءة المسألة في إطار التقاء مصالح البلدين، وليس على أساس التفضل ومحاولة مصادرة الجهود.