إيقاعات متفردة على هامش رواية "اللون العاشق"

الرواية المصرية المعاصرة تشهد ظاهرة تداخل وتفاعل بين الخطاب الروائي والفنون المختلفة.
كونراد: الرواية كي تحقق ما تصبو إليه من تأثير ونجاح عليها أن تتعلم من فنون النحت والتصوير والموسيقي
الكلمات تعيد رسم اللوحات وتجعل القارئ يتخيل اللوحة مطروحة أمامه وكأنه يراها

بقلم: منى عارف

تشهد الرواية المصرية المعاصرة ظاهرة تداخل وتفاعل بين الخطاب الروائي والفنون المختلفة. ويري كونراد: "أن الرواية كي تحقق ما تصبو إليه من تأثير ونجاح عليها أن تتعلم من فنون النحت والتصوير والموسيقي كيف تصل إلى الوجدان عن طريق الحواس، باستخدام التشكيل والألوان". 
وقد استطاعت رواية "اللون العاشق" للمبدع أحمد فضل شبلول أن تتوغل بنا فى ذلك الفن البديع بأـسلوب سردي جديد استخدم فيه تقنيات هذا الفن: أبتدأ من الرسم: حيث تعج الرواية بلوحات فنية سردية: رسمت بالكلمات وتقفز إلى الأذهان فوراً ونحن فى حرم الكتابة الإبداعية جملة الفنان الكبير د. ثروت عكاشة التي اتخذها عنوانا لموسوعته الفنية الشاملة وعدد مجلداتها سبعة "العين تسمع والأذن ترى". 
جعل المبدع شبلول في روايته "اللون العاشق" الكلمات تعيد رسم اللوحات بل وتوحي إلى القارئ أن هذه الدقة المتناهية في وصف اللوحة وكيفية رسمها وملابسات الرسم أيضاً تجعله يتخيل اللوحة مطروحة أمامه وكأنه يراها بل يشارك مع بطلها رسمها واختيار موديلاته وشخوصه. وتجلي ذلك في عدة مقاطع من هذه الرواية، لتوثق من ناحية أعمال الفنان السكندري محمود سعيد، وهو واحد من رواد الفن المصري الحديث وخاصة بعدما تصدرت لوحاته أعلى نسبة بيع في مزادات الفن العالمية وتوجت لوحته "الدراويش" بأنها أغلي لوحة،  اذ بيعت ب 2.43 مليون دولار.
بل ومارس المبدع شبلول ما يسمى بالتجريب الحديث في الكتابة مستخدماً الإطارات الخلفية والمشهد والمرسوم داخل اللوحة مما جعل فصول تلك الرواية الأخّاذة تتفاعل فيها الكلمة والصورة واللوحة، تشارك المتخصصين في كتابة الفن التشكيلي بإضافة كبيرة تمكن القارئ من ملامسة هذا الفن عن قرب بل وتعيد بلورة وعيه البصري من جديد. 

أحاسيس باهظة
بنات بحري في المدينة

فأصبح هذا العمل قبسا من روح مصر، والإسكندرية خاصة حيث يتشابك الروائي القدير أحمد فضل شبلول مع فنان آخر قدير هو محمود سعيد: في ملحمة فنية جديدة ومبتكرة: الأول يرسم بالكلمات والثاني يرسم بالفرشاة، فجاءت رواية "اللون العاشق" عناق العمالقة.
الرواية تبحر بنا في رحلة جمال وحب من نوع آخر، لتكمل بذلك تلك الثلاثية التي بدأها المبدع: الماء العاشق، والحجر العاشق، بإطلالة جديدة على عالم مترع بالألوان والخطوط والتفاصيل. يتناول فيها - في ظاهر الأمر - السيرة الذاتية لواحد من فناني الإسكندرية، كما سبق أن ذكرت والذي حظت لوحته "بنات بحري" بشهرة عالمية لأنها جاءت تفاصيلها من البئية السكندرية الشعبية التي عشقها وكانت تيمة من تيمات أعماله المتفردة: صيد السمك، وحلقة السمك، والشادوف، وأهل الريف، وجوه من الحياة والواقع حيث يرتسم عشق تلك المدينة الساحرة فى ملامح أبطاله فأصبح يمتلك بالتة ألوان خاصة به. 
وجاءت اللوحات بمثابة الركيزة الأولى لهذا البناء الدرامي، وخاصة بنات بحري التي ألهمت المبدع بدوره ليترجم تلك الأحاسيس الباهظة فى شكل روائي ملحمي لم يكتفِ أن يسرد على لسان البطل بشحمه ولحمه وهو محمود سعيد حبه للفنون والمسرح، فلم تعد الرواية سيرة ذاتية بل توثيق لحقبة زمنية، وعصرٍ ذهبي بزع فيه نجم الفن التشكيلى بجوار عمالقة التمثيل والغناء والأدب فأصبحنا نتابع بدايات توفيق الحكيم وروايته الشهيرة: "عصفور من الشرق" وبدايات السينما بسبب صداقة البطل بالمخرج محمد كريم، ونتابع أول فيلم سينمائي مصري "زينب" وأصداءه في العالم الغربي أيضاً.
نسمع أشعار بيرم التونسي وأغنيات سيد درويش. نري عمالقة الفن: الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، وفيلم الوردة البيضاء وتجهيزات ديكور الفيلم وخلفياته بلوحات محمود سعيد وغيرهم من الفنانين. 
بزوغ نجم السيدة أم كلثوم وتضافر كل من الشعراء على تصدير فناً رفيعاً شعراً ونغماً وأداءً، فها هو أمير الشعراء: أحمد بك شوقي وها هي مصر التي كانت في أوائل هذا القرن بفنانيها ومبدعيها يتألقون في "اللون العاشق".