ابتكار جهاز يمكنك من القفز في الفضاء بدون مظلة!

موسكو - من يوري زايتسيف
على مسئولية علماء روسيا: يمكنك ان تقفز في الهواء كما تريد

تم في مركز غيورغي بابكين للابحاث العلمية في روسيا، والتابع لمجمّع سيميون لافوتشكين العلمي، ابتكار جهاز لا مثيل له لانقاذ الناس لدى سقوطهم من علو مرتفع. وكما أثبتت التجارب فانه بالامكان استخدام هذا الجهاز لانقاذ الناس أثناء هبوطهم من على سطح المنزل او حتى من علو فضائي. فقد وصل التمثال الذي القي به من علو 200 كلم الى الارض سالما تماما باستخدام هذا الجهاز.
وتستخدم في الوقت الحاضر في عمليات الهبوط من المدار أجهزة تقنية من نوعين. الاول ويسمى بالكبسولات الباليستية التي تملك خصائص مشابهة لاجهزة الهبوط الموجودة في مركبات "فوستوك" الفضائية او لدى اجهزة الهبوط "سويوز"، اي العلاقة التناسبية بين قوة الرفع والمقاومة التي يبديها الجهاز الطائر.
وتستخدم الكبسولات الفضائية من اجل الفرملة في الفضاء، ومن ثم تستخدم في عملية الهبوط اللاحقة.
اما النوع الآخر من الاجهزة التقنية فهو الطائرات الفضائية، مثل "بوران" الروسية والمكوك الفضائي الاميركي، والتي تملك امكانيات واسعة للمناورة لدى الهبوط. غير ان ثمن ذلك ضرورة اجراء حماية حرارية معقدة ومكلفة واستخدام انظمة توجيه فائقة الدقة.
ان رغبة المصممين بتسهيل نظام الهبوط هي رغبة طبيعية. فلقد ولدت في الستينات فكرة تصنيع "درع قابل للنفخ". وأثبتت الحسابات انه بامكان هذا الدرع المساعدة في تجاوز عملية الهبوط من دون استخدام المظلة وان تشكل في الوقت نفسه لدى ملامسة السطح. وكان كل شيء مستندا على عدم وجود المواد القادرة على تحمل المؤثرات الحرارية العالية لدى عملية الهبوط وتوفير تجمع الجهاز في وضع مضغوط وجعله رخيص الثمن بالقدر الممكن وملائما للتصنيع تكنولوجيا.
ولم يتم تحقيق هذه المهمة سوى في مطلع التسعينات وذلك عندما أجريت في مجمع لافوتشكين العلمي ابحاث ضمن برنامج "مريخ – 96". وكانت احدى مهمات هذا البرنامج تصنيع "البينيتراتور" – وهو جهاز خاص يفترض به الانفصال عن المحطة المحلقة بين الكواكب لدى اقترابها من المريخ والهبوط في جوه وايصال أجهزة البحث الى سطح الكوكب. وأثبتت الحسابات انه لا بد من اجل القيام بعملية هبوط خفيفة تؤمن سلامة الاجهزة ان يكون لدينا درع كابح من الحجم الكبير الا ان المحطة الفضائية لم يكن لديها مكانا لوضعه.
وتوصل المصممون عندها بالذات الى فكرة جهاز الفرملة القابل للنفخ. وبعد عمليات تفتيش مكثفة وعدد كبير من الاختبارات والابحاث تم ايجاد المادة الضرورية للغشاء. الا ان الفشل الذي اصاب عملية استخدام الجهاز الفضائي "مريخ – 96" الذي لم يتمكن من أخذ مساره نحو المريخ بسبب عطل اصاب مجموعة الدفع لم يسمح باختبار هذه التقنية عمليا بينما أدى توقف الحكومة عن تمويل برامج الابحاث الكوكبية الى ايقاف العمل على مشروع جهاز الفرملة القابل للنفخ.
كان الاوروبيون يقومون في ذلك الوقت بابحاث في مجال اجهزة الهبوط الخاصة بهم المتعددة المرات، ومن ضمنها ابحاث تهدف الى استرجاع الاجهزة ونتائج الابحاث من على متن المحطة الفضائية الدولية. وأعرب هؤلاء عن رغبتهم بالتعاون والتمويل عندما عرفوا ان مجمع لافوتشكين العلمي قد تمكن من ابتكار تكنولوجيا جهاز الفرملة القابل للنفخ.
وتم في العام 1999 التوقيع على اتفاق بين مجمّع لافوتشكين والمركز الدولي للعلوم والتقنيات ووكالة الفضاء الاوروبية وشركة دايملر كرايزلر ايروسبايس (داسا) لتصنيع ما يمكنه ان يجسد تكنولوجيا جهاز الفرملة القابل للنفخ. وبعد مرور عدة أشهر قام المركز العلمي الروسي وشركة داسا بالتوقيع خلال معرض لو بورجيه على اتفاق حول التعاون الطويل الامد في هذا المجال.
وهكذا كتب للمشروع حياة جديدة وحصل الى جانب ذلك على تسمية غربية تختصر بـ أي ار دي تي (انفلاتابل ريينتري ديسينت تكنولوجي).
والسؤال الذي لابد ان يتبادر للذهن هو: اين يكمن وجه الحداثة في تكنولوجيا جهاز الفرملة القابل للنفخ ؟ فلنعط مثالا بسيطا للاجابة عن هذا السؤال
لنفترض ان لدينا منطاد او بالون مطاطي يمكن طيه ووضعه في كيس صغير. ان مثل هذا البالون عند النفخ فيه يزيد من حجمه ليأخذ شكلا معينا. وجهاز الفرملة القابل للنفخ هو في الجوهر ذلك البالون الذي يمتلئ بالغاز ليأخذ الشكل المعطى له وهو شكل ملائم للهبوط من وجهة النظر العلمية. ان السر كله هو في المادة التي يصنع منها البالون. وهذه المادة عبارة عن قطعة قماش متعددة الطبقات مرنة وقادرة على منع الهواء من الخروج. وهي محمية في الجهة المواجهة لعملية الهبوط بطبقة مضادة للحرارة تحمي البالون من الاحتراق بسبب تبخر المواد من السطح. اما سماكة الطبقة الحامية فترتبط بنوعية النظام المستخدم لدى عملية الهبوط. ولا تحتاج قطعة القماش هذه الى شروط خاصة لحفظها او استخدامها وهي قادرة على القيام بوظيفتها حتى في ظروف الفراغ.
لقد تم اطلاق جهازين يجسدان الـ اي ار دي اتي في شباط/فبراير عام 2000. وحققت العملية نجاحا جزئيا. فقد تم انقاذ جهاز فضائي صغير يزن 110 كلغ. بينما فقدت وسائل المراقبة الارضية الجهاز الاكبر المخصص لهبوط القطاع الاعلى من "فريغات" الذي يزن 1200 كلغ فور دخوله المجال الجوي الارضي ولم تسمح الظروف المناخية التي كانت تسود في منطقة الهبوط بنجاح عمليات التفتيش بشكل دقيق.
اما الجهاز الثالث فتم اطلاقه الى المدار في حزيران العام 2001 مع شراع اختباري من نوع كوسموس – 1 يعود الى الجمعية الكوكبية ( بلانيتاري سوسييتي ) الا انه تم فقدانه بسبب كارثة حلت بالصاروخ الحامل "فولنا".
لقد كانت هذه التجارب الاولى على التكنولوجيا الجديدة ومن الطبيعي جدا ان لا يجري كل شيء بنجاح تام. غير ان الشركاء الغربيين يتحدثون عن التجارب بايجابية ويعطون توقعات جيدة للمستقبل.
ان الحديث عن تكنولوجيا اجهزة الفرملة القابلة للنفخ بوصفها بديلا عن الانظمة الفضائية المتعددة المرات، مثل "بوران" والمكوك الاميركي، ليس امرا صحيحا بالطبع. فهذه الانظمة التي تملك منصات محركات خاصة بها قادرة على ايصال الحمولات المفيدة الى المدار واعادتها منه لتكرار استخدامها فيما بعد. ان تقنية جهاز الفرملة القابل للنفخ أرخص كلفة ولا تتطلب وسائل خاصة اذ ان تصميم الجهاز المؤلف من البالون والطبقة الحامية من الحرارة موضوع لكي يستخدم لمرة واحدة. والجهاز يتيح حتى الآن استعادة المعدات غير المخصصة للاستخدام المتكرر من الفضاء الى الارض. ولا بد في المستقبل من زيادة حجم الجهاز لتوفير عمليات هبوط أكثر راحة. وربما ستصبح ممكنة في المستقبل بفضل استكمال تحديث هذه التكنولوجيا استعادة الحمولات من المدار لاستخدامها المتكرر.
وفي آذار/مارس من العام الماضي قام فرع شركة البنية الفضائية التحتية "استريوم" (استريوم سبايس اينفراستراكتشر) الموجود في مدينة بريمين بالمانيا، وبالتعاون مع مركز بابكين للابحاث العلمية، بتأسيس مؤسسة مشتركة هي شركة "الانظمة الفضائية لاستعادة وانقاذ اجهزة جي ام بي اتش". والهدف الرئيسي للمؤسسة هو تسويق تكنولوجيا اجهزة الفرملة القابلة للنفخ (اي ار دي تي ). وسوف تكون نسبة 51 بالمائة من اسهم الشركة من حصة "استريوم" و49 بالمائة من حصة مركز بابكين.
وبرأي الخبراء ان تكنولوجيا اي ار دي تي تملك افاقا عظيمة لاستخدامها ليس فقط في استعادة الحمولات والاجهزة التي انهت مدتها في الفضاء وانما ايضا في استعادة المركبات الفضائية نفسها مما يتيح للمجال الجوي القريب من الارض التخلص من تكدسها فيه. وتبقى الفكرة الاساسية التي تم من اجلها ابتكار اجهزة الفرملة القابلة للنفخ وهي استخدامها في الاجهزة الفضائية المخصصة للهبوط على المريخ.
وتنوي الشركة الى جانب تسويق تكنولوجيا اي ار دي تي في مجال الفضاء استخدام هذا النظام على الارض ايضا فيما تسميه مشروع "المنقذ". فخبراء مركز بابكين ابتكروا على قاعدة هذا الجهاز نظاما للانقاذ قادرا على ابقاء الانسان سليما بعد قفزه من مكان عال. ويشبه جهاز "المنقذ" في شكله المعقد الحقيبة المدرسية. فلا بد قبل القفز من ارتدائه على الظهر ومن ثم الجلوس على حافة الشباك وظهرك الى الشارع وشد الحلقة بعد ذلك. خلال 10 ثواني يمتلئ الغشاء بالهواء المتدفق فيه من عبوة خاصة ويفتح على شكل مخروط يذكرنا بطابة ريشة عملاقة كتلك التي تستخدم في رياضة تنس الريشة (او البادمينتون). وبامكان قماش المخروط ان يحفظ المرء حتى داخل لهيب الحريق. اما عملية الهبوط من اية نقطة كانت فتتم بسرعة ثابتة تقدر بـ 10 امتار في الثانية أي السرعة نفسها التي يحققها الهبوط بواسطة المظلة. ولكن بالخلاف عن المظلة يبدأ هذا الجهاز بالعمل، وذلك بالامتلاء بالهواء، قبل المباشرة بالهبوط. عدا ذلك تتم حماية الشخص الموجود داخل المخروط من الصدمات بالمباني المجاورة والارض بواسطة جدران منفوخة. والاهم في الموضوع ان الشخص لا يحتاج الى تدريبات مسبقة لكي يتمكن من انقاذ نفسه.
لقد ابدى موظفو الطوارئ ورجال الاطفاء اهتماما بهذا الابتكار الحديث. ومن المفترض ان يبدأ انتاج "المنقذ" خلال العام الجاري.