الاتحاد التونسي للشغل يناور حكومة بودن بالمهادنة والتصعيد
تونس - يراوح الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر مركزية نقابية في البلاد بين مهادنة الرئيس قيس سعيد وحكومته وبين الإبقاء على ضجيج التهديدات في محاولة لانتزاع مكاسب تحت عنوان رفض استجابة السلطة لشروط صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض تمويلي يقارب مليوني دولار لسد العجز في الموازنة وتخفيف حدة الأزمة المالية.
وأعلن أنه لن يتحاور مع الأطراف التي تعتبر مسار 25 يوليو/تموز انقلابا خلال مبادرته الهادفة إلى تجاوز الأزمة الحادة التي تمر بها تونس.
وأفاد الأمين العام المساعد للاتحاد حفيظ حفيظ بأن المنظمة الشغيلة مع الحوار والتفاوض وتعديل ما يمكن تعديله حفاظا على استقرار البلاد ومصالح الشعب والعمال، مضيفا أن مشروع المبادرة الذي يعمل الاتحاد على صياغته مع هيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية سيعرض على الهيئة الإدارية الوطنية المزمع عقدها خلال الأسبوعين القادمين.
وقال في تصريح إعلامي خلال إشرافه بولاية (محافظة) صفاقس على اجتماع المجلس الجهوي للاتحاد، إن البلاد تعرف انقساما بين ثلاثة أطراف: الأول يعتبر أن مسار 25 يوليو/تموز انقلابا والثاني يرحب به ويسانده دون نقاش والثالث ومن ضمنهم اتحاد الشغل يدعمه ولكن يتحفظ على عدد من توجهاته.
وفي ما يتعلق بميزانية سنة 2023 أوضح أنها "لا تختلف في شيء عن ميزانية محمد المزالي عام 1984 التي تسببت في اندلاع انتفاضة الخبز باعتبارها تحمل مؤشرات خطيرة في علاقة بالعجز التجاري ونسبة النمو وارتفاع نسبة البطالة وارتفاع الأسعار وفقدان المواد الأساسية وتفشي ظاهرة الاحتكار والتخفيض في النسبة المئوية للدعم بـ26 في المئة وعدم مراجعة سلم التأجير وتحسين المقدرة الشرائية بالإضافة إلى الزيادة في الأداء على القيمة المضافة من 13 إلى 19 في المائة".
وشدد على أن "اتحاد الشغل لن يقف في حدود رفع الشعارات والمطالب وسوف تكون للهيئة الإدارية الوطنية قرارات حاسمة ومدروسة في حال لم تتراجع الحكومة عن التعهدات التي قدمتها لصندوق النقد الدولي وأبرزها الضغط على كتلة الأجور والتفويت (خصخصة) في المؤسسات العمومية".
وكان الاتحاد قد حذر الرئيس التونسي قيس سعيد من تداعيات تجاهله للمبادرة، ملوّحا ضمنيا بخطوات تصعيدية، خاصة وأن الرئيس لم يتفاعل لا بالإيجاب ولا بالسلب مع دعوته للحوار.
وأكد الأمين العام المساعد للاتحاد سامي الطاهري في تصريح سابق أن المنظمة العمالية لن تقف مكتوفة الأيدي وستلعب دورها لإنقاذ البلاد مما وصفها بـ"الفوضى والإفلاس والانفجار الاجتماعي".
وأكد أن الاتحاد سيلجأ إلى التصعيد في حال لم يتفاعل رئيس الدولة مع المبادرة، في تهديد باستخدام ورقة الشارع وشنّ سلسلة من الإضرابات في عدد من القطاعات.
وكان نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل قد جدّد مؤخرا دعوته رئاسة الجمهورية للجلوس إلى طاولة الحوار قبل فوات الأوان، مؤكدا أنه "لا خيار أمام تونس سوى الحوار وأن الاتحاد لن يتخلى عن دوره الوطني كلّفه ذلك ما كلفه"، معتبرا أن "التوقيت انتهى وأن الوضع تعفن".
وانتقد الرئيس التونسي ضمنيا خطاب التصعيد من قبل الطبوبي الذي هدد بالنزول إلى الشارع رفضا لقانون المالية لسنة 2023. وأكد عدم وجود أي توجه لخصخصة مؤسسات القطاع العام وتعهد بعدم رفع الدعم عن الفئات الفقيرة، موضحا أن الدولة لن تتخلى عن دورها في تحقيق العدالة الاجتماعية.
وكان عميد المحامين التونسيين حاتم المزيو قد كشف عن بعض تفاصيل مبادرة الحوار الوطني، مشددا على أنها لا تشمل الأحزاب السياسية بسبب غياب ثقة الشعب فيها ولتحمّلها مسؤولية الوصول إلى الوضع الحالي.
وقال المزيو إن المبادرة "لا تزال في طور المشاورات الأولى وأن هنالك ضرورة ملحة لتكون شاملة وعميقة وألاّ تقتصر فقط على الجانب السياسي"، مشددا على أن المبادرة تسعى "للانطلاق في إصلاح شامل اقتصادي واجتماعي وسياسي، على أن يتم تقديمها وعرضها على رئيس الجمهورية باعتباره صاحب شرعية انتخابية"، مطالبا الرئيس سعيد بالتفاعل إيجابيا معها.
وتفجرت مؤخرا الخلافات بين الرئيس التونسي وقيادة المنظمة العمالية التي باتت تمارس ضغوطا كبيرة على الرئيس المتمسك بشرعية النظام الحالي ويرى في أي مبادرة للإنقاذ تشكيكا في هذه الشرعية.
وكان أمين عام الاتحاد نورالدين الطبوبي قد دخل في خلافات حادة مع سعيد على خلفية المسار الذي تم اتخاذه بعد إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 والتي حظيت بدعم المنظمة الشغيلة قبل أن تتراجع في ظل الأزمة الاقتصادية ليزيد قانون المالية لسنة 2023 من حدة التوتر.
وشن الاتحاد في الفترة الماضية إضرابات في عدد من القطاعات في إطار جس نبض السلطة التي عبرت في البداية عن غضبها حيال هذه التحركات قبل أن تجتمع رئيسة الحكومة نجلاء بودن بالطبوبي في مسعى لتنقية الأجواء.
وأدى الرئيس سعيد مؤخرا زيارات إلى عدد من أحياء العاصمة والتقى بعض المواطنين واتهم أطرافا لم يسمها بالعمل على تأجيج الأوضاع، مؤكدا ضرورة التصدي لكل من يحاول ضرب السلم الاجتماعي بكل الوسائل.