اتفاقية قضائية بين مصر والامارات لتبادل المطلوبين للعدالة
القاهرة - صادق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأربعاء، على اتفاقية قضائية ثنائية مع دولة الإمارات تتيح تبادل المحكومين بين البلدين، وهي الخطوة التي فتحت الباب لتساؤلات واسعة حول مصير عدد من المعارضين المصريين المطلوبين للعدالة، وفي مقدمتهم عبدالرحمن القرضاوي، نجل الداعية الراحل يوسف القرضاوي، المحتجز حاليًا في أبوظبي.
وتنص الاتفاقية التي تحمل عنوان ثنقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية"، تنص على نقل السجناء المحكوم عليهم من إحدى الدولتين إلى الأخرى لقضاء ما تبقى من عقوبتهم في موطنهم الأصلي. وقد جاءت مصادقة السيسي بعد أن أقرّ البرلمان المصري الاتفاق في مارس/اذار الماضي، رغم النقاشات الحادة التي دارت بشأنها، لا سيما حول بند يشترط "موافقة السجين" قبل تنفيذ عملية النقل.
وتعد الاتفاقية الموقعة في يناير/كانون الثاني 2024، والتي باتت سارية المفعول بعد التصديق الرئاسي، من أبرز مخرجات التعاون القانوني بين مصر والإمارات في السنوات الأخيرة. وبحسب ما ورد في الجريدة الرسمية المصرية، فإن الاتفاقية تضم 19 مادة موزعة على أربعة أبواب، تشمل الجوانب الإجرائية والحقوقية والتنظيمية لنقل السجناء.
وتنص مواد الاتفاقية على جملة من الشروط والضوابط التي تضمن احترام سيادة الدولتين، وتوازن الحقوق بين المحكوم عليه وسلطات التنفيذ، بما يعكس توجهًا نحو تعزيز التعاون في مجال مكافحة الجريمة، مع الحفاظ على المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ويقول مراقبون إن هذا النوع من الاتفاقيات لا يقتصر على الجوانب الإنسانية التي تتيح للمحكوم عليهم قضاء العقوبة في بلادهم قرب عائلاتهم، بل يحمل أيضًا أبعادًا أمنية بالغة الحساسية، خاصة في ظل تصاعد القلق الإقليمي من انتشار شبكات الجريمة المنظمة، والتطرف، وتمويل الإرهاب.
وعلى الرغم من التصريحات الرسمية التي تؤكد أن الاتفاقية "لا تستهدف أشخاصًا بعينهم"، إلا أن اسم عبدالرحمن القرضاوي عاد إلى الواجهة فور الإعلان عن دخول الاتفاق حيز التنفيذ. القرضاوي، المطلوب قضائيًا في مصر في عدد من القضايا السياسية، محتجز في الإمارات منذ فترة ويُعتقد أن القاهرة سبق أن طلبت تسليمه.
الاتفاقية لا تستهدف أشخاصًا بعينهم
وبرغم محاولة بعض أعضاء البرلمان المصري، مثل يحيى كدواني، التقليل من ربط الاتفاقية بالقرضاوي، فإن جهات حقوقية وإعلامية رأت في توقيت التصديق وتفعيل البنود إشارة إلى أن مصر بصدد تفعيل أدوات قانونية جديدة لاسترداد المعارضين المحكوم عليهم أو المتهمين في قضايا أمن قومي.
وتعزز هذه التوقعات ما تنص عليه المادة الثالثة من الاتفاقية، والتي تتيح تقديم طلبات نقل السجين من قبل الدولة المدانة، أو الدولة المنفذة، أو حتى من السجين نفسه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة. فيما تسمح المادة الرابعة برفض النقل إذا تبيّن أنه "يمس بسيادة الدولة، أو أمنها، أو نظامها العام"، ما يعني وجود هامش واسع للتقدير السياسي.
وتأتي الاتفاقية ضمن مسار متصاعد من التنسيق الأمني بين القاهرة وأبوظبي، في مواجهة التحديات العابرة للحدود، خصوصًا ما يتعلق بتمويل الإرهاب، والتحركات المشبوهة لبعض العناصر المتطرفة في المنطقة. ويرى متابعون أن بنود الاتفاق تصبّ في اتجاه بناء تحالف قضائي – أمني متماسك بين البلدين، من شأنه أن يدعم الاستقرار الإقليمي ويمنع استغلال الثغرات القانونية في قضايا اللجوء أو الإفلات من العقاب.
وفي هذا السياق، علّق المستشار إبراهيم الهنيدي، رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب المصري، بالقول إن الاتفاقية "تُعد نموذجًا للتعاون الإيجابي في إطار احترام السيادة والقانون الدولي، وتُمثل أداة لإصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وليست فقط وسيلة للعقاب أو الترحيل".
والاتفاقية، وإن كانت موجهة رسميًا لتسهيل إعادة تأهيل السجناء وراعت في بنودها الجوانب الإنسانية، إلا أنها تُحمّل أيضًا رسائل سياسية واضحة في ظل صعود مسألة تسليم المطلوبين كملف إقليمي حساس. إذ تسعى القاهرة، ومعها أبوظبي، إلى قطع الطريق على استخدام بعض الدول لمفهوم اللجوء السياسي كغطاء للهروب من المحاسبة في قضايا جنائية أو أمنية.
وبينما يبقى مصير عبدالرحمن القرضاوي معلّقًا على القرار السيادي لكل من الإمارات ومصر، فإن دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ يوفر أساسًا قانونيًا يتيح فتح هذا الملف وغيره من ملفات التعاون القضائي العالقة، خاصة في ظل إرادة مشتركة بين البلدين لتعزيز الأمن الإقليمي ومكافحة الحركات المتطرفة.