اتهامات بالفساد تطال مالك قناة تركية معارضة في إطار حملة لتكميم الأفواه
أنقرة - في مؤشر جديد على تصعيد حملة التضييق ضد المعارضة السياسية في تركيا، أصدرت محكمة تركية مذكرة اعتقال بحق رجل الأعمال ومالك قناة تلفزيونية محسوبة على المعارضة، في خطوة أثارت انتقادات واسعة واعتبرت امتداداً لمحاولات السلطة الحاكمة تقويض الأصوات المعارضة، قبيل انتخابات يُتوقع أن تكون حاسمة في مستقبل البلاد السياسي.
وأفاد مكتب المدعي العام في أنقرة في بيان صدر في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، بأن مذكرة الاعتقال صدرت بحق جعفر ماهر أوغلو، مالك قناة "خلق تي في"، على خلفية تهم تتعلق بتزوير مناقصات عامة والتورط في منظمة إجرامية يشتبه في استخدامها الرشوة للتلاعب بعقود حكومية. وتأتي هذه الخطوة في سياق ما تقول الحكومة إنه "حملة ضد الفساد"، لكن المعارضة تصفها بأنها "عملية انتقائية لتصفية خصوم الرئيس رجب طيب أردوغان".
ونفى ماهر أوغلو، المقيم في لندن منذ أكثر من 35 عاماً، جميع التهم الموجهة إليه، وكتب في منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقاً):"تم اتهامي بناءً على تصريحات ملفقة من شخص لا أعرفه ولم أره في حياتي". وأضاف أن الاتهامات لا تعدو كونها محاولة لتشويه سمعته والنيل من قناة خلق تي في التي تتبنى خطًا إعلاميًا ناقدًا للحكومة.
وليست هذه المرة الأولى التي تُستخدم فيها قضايا الفساد كذريعة لاستهداف شخصيات معارضة. ففي مارس/آذار الماضي، تم اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، المنتمي لحزب الشعب الجمهوري، على ذمة المحاكمة في قضايا فساد تتعلق بإدارته للبلدية. إمام أوغلو، الذي يُعتبر أبرز منافسي الرئيس التركي ويحظى بشعبية واسعة خاصة في المدن الكبرى، ينفي التهم الموجهة إليه، ويصفها بأنها حملة سياسية تهدف إلى منعه من الترشح في الانتخابات المقبلة.
تم اتهامي بناءً على تصريحات ملفقة من شخص لا أعرفه ولم أره في حياتي
ومنذ توقيف إمام أوغلو، صعّدت السلطات التركية من وتيرة الاعتقالات، حيث طالت التحقيقات عشرات المسؤولين المحليين التابعين لحزب الشعب الجمهوري، بينهم موظفون في بلديات تابعة للحزب، لا سيما في إسطنبول وأنقرة وإزمير. ويرى مراقبون أن هذه الحملة تمثل استمرارية لنهج السلطات في تطويق المعارضة، عبر استخدام الأدوات القضائية وتهم الفساد، ما يعكس تراجعاً حاداً في معايير استقلالية القضاء وسيادة القانون في البلاد.
الفساد، الذي تقول الحكومة إنها تحاربه، بات في نظر المعارضة مجرد "شماعة" لإسكات كل صوت ناقد أو مستقل، في وقت تستعد فيه تركيا لانتخابات مصيرية قد تشكل محطة فاصلة في حكم الرئيس أردوغان المستمر منذ أكثر من عقدين. ويرى محللون أن النظام الحاكم يحاول تفريغ الساحة من منافسيه السياسيين، من خلال وصمهم قضائيًا، ما يمنعهم من الترشح أو يؤدي إلى تشويه صورتهم أمام الرأي العام.
وتثير هذه الإجراءات قلقًا متزايدًا في الأوساط الحقوقية والإعلامية داخل تركيا وخارجها. فقد دعت منظمات حقوقية دولية، بينها "هيومن رايتس ووتش" و"لجنة حماية الصحفيين"، الحكومة التركية إلى وقف ملاحقة المعارضين والإعلاميين، وضمان حرية التعبير والإعلام، خاصة في فترة ما قبل الانتخابات.
وتشهد تركيا منذ سنوات تراجعًا في مؤشرات الحريات العامة، وازديادًا في حالات قمع الصحافة المستقلة. وأدى التوسع في استخدام قوانين مكافحة الإرهاب والفساد إلى تقييد المعارضة السياسية والنقابات والناشطين المدنيين، وسط مخاوف من أن تتحول الانتخابات القادمة إلى منافسة غير متكافئة.
وفي المقابل، تنفي الحكومة التركية الاتهامات بالتضييق على المعارضة، وتؤكد التزامها بسيادة القانون ومحاربة الفساد "أينما وجد"، في إشارة إلى أن التهم ليست مسيسة. لكن المعارضة تصر على أن توقيت هذه القضايا، واستهدافها المتكرر لشخصيات مؤثرة في المشهد السياسي، لا يمكن فصله عن الأهداف الانتخابية.