احتجاجات الجزائريين تتواصل رغم تحذيرات الجيش من التعنت

المحتجون الجزائريون القادمون من المناطق المجاورة يتذمرون من الغلق شبه الكامل بحواجز أمنية لكل منافذ العاصمة، قبل بدأ مظاهرات الجمعة العاشرة.

الجزائر – بدأ عشرات المتظاهرين الوصول اليوم الجمعة إلى ساحة البريد المركزي بالعاصمة الجزائرية للمشاركة في الاحتجاجات التي تشكل اختبارا لقدرتهم على مواصلة التعبئة في الجمعة العاشرة على التوالي، بالتزامن مع عزل رموز من نظام بوتفليقة المستقيل وملاحقات قضائية على خلفية شبهات فساد.

وتتواصل الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التظاهر حتى رحيل النظام بأكمله.

وجاء متظاهرون منذ الصباح الباكر لتفادي إغلاق الطرق المؤدية للعاصمة، كما فعل سمير (27عاما) الذي يعمل تاجرا وقدم من برج بوعريريج على بعد 200 كلم. وقال "الجمعة الماضية لم أتمكن من الوصول إلى العاصمة بسبب ازدحام مروري كبير وغلق الطريق من طرف الدرك الوطني".

وقام عدد من المتظاهرين الوافدين إلى العاصمة، بالمبيت في سياراتهم أمس الخميس تحسبا لغلق المنافذ.

وحمل المحتجون في وسط العاصمة الجزائر لافتات تقول "النظام يجب أن يرحل" و "سئمنا منكم".

ويأتي هذا اليوم الاحتجاجي في ختام أسبوع شهد استقالات جديدة وملاحقات قضائية بحقّ رموز للنظام وتوقيف رجال أعمال أثرياء، ما قد يشجع المحتجين على الاستمرار في التظاهر.

لكن السلطة لا تستجيب حتى الآن للمطالب الأساسية وهي رحيل الرموز الأبرز لنظام عبدالعزيز بوتفليقة الذي استقال في الثاني من نيسان/أبريل 2019 بعد عشرين عاماً من الحكم، وتنظيم انتقال للسلطة خارج الإطار المؤسساتي الذي نص عليه دستوره.

ويبقى حتى الآن عبدالقادر بن صالح الذي رافق بوتفليقة على مدى عقدين من الحكم، رئيساً موقتاً، فيما يظلّ نورالدين بدوي، وهو أيضاً من المقربين من بوتفليقة، رئيساً للوزراء لحكومة "لا تمثل الجزائريين"، كما ردّد المحتجون.

ووفقا للمسار الدستوري الذي يتمسك به الجيش الذي أصبح محور السلطة بعد رحيل بوتفليقة، قرر بن صالح تنظيم انتخابات في الرابع من تموز/يوليو، وهو ما يرفضه الحراك الشعبي الذي "لايثق في نزاهة هذه الانتخابات".

وأودع خلال الأسبوع المنقضي الحبس المؤقت ثلاثة من الأخوة كونيناف العائلة التي تملك مجموعة للأشغال العامة والبناء، حيث استفادت من مشاريع حكومية كبيرة في الجزائر. وهو إجراء لا يمكن إلا أن يرضي المحتجين.

ويشتبه بتورط الأخوة كونيناف المقربين من عائلة بوتفليقة وخاصة من سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل ومستشاره، بـ"عدم احترام التزامات عقود موقعة مع الدولة واستعمال النفوذ مع موظفين حكوميين من أجل الحصول على امتيازات".

كما قرر القضاء أيضاً الحبس المؤقت للمدير التنفيذي لشركة "سيفيتال" أكبر مجموعة خاصة في الجزائر، وهو يسعد ربراب صاحب أكبر ثروة في البلاد، والذي كان على خلاف منذ سنوات مع السلطات الجزائرية، ما جعل الشكوك تحوم حول الأهداف الحقيقية من هذه الملاحقات القضائية.

واعتبرت بعض الصحف أن دعوات الرجل القوي في الدولة، رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح إلى "تسريع وتيرة التحقيقات" في قضايا الفساد "تدخلا في عمل القضاء".

واضطرت وزارة الدفاع إلى نشر توضيح حول "القراءات المغلوطة" لبعض الصحف حول "الأوامرالمزعومة (…) بخصوص فتح الملفات المرتبطة بالفساد وتسيير المرحلة الانتقالية".

ويرى بعض المحللين أن هذه التحقيقات تمثل نوعا من التفاهم الضمني بين المحتجين الذي يحصلون على محاكمة "رؤوس الفساد" وتنحية رموز السلطة السابقة، مقابل تخفيف المطالب المتعلقة برفض الانتخابات الرئاسية التي يصر الفريق قايد صالح على إجرائها في موعدها الدستوري.

وتضمنت الخطابات التي توجه بها قايد صالح للمحتجين تحذيرات من "الدفع نحو الفراغ الدستوري"، و"التشبث بمطالب تعجيزية والتعنت في رفض كل شيء" وما قد ينجم عن ذلك من "آثار وخيمة على الاقتصاد الوطني والسقوط في براثن الفوضى".

كما دعا المحتجين إلى التحلي بالحيطة والحذر من محاولات اختراق المسيرات السلمية.

وقد يكون ذلك محاولة لتقسيم المحتجين الذين يرى جزء منهم في يسعد ربراب المستثمر الذي تحدى عراقيل السلطة و"المافيا الاقتصادية" التي حصلت على كل الامتيازات بينما حُرم هو منها.

ولحقت موجة الإقالات مدير إقامة الدولة حيث يقيم الوزراء وقادة الجيش وبعض رموز النظام السابقين والحاليين. وهي عبارة عن فيلات مطلة على البحر لا يسمح لغير المقيمين دخولها.

كما أقيل أيضا المدير التنفيذي لشركة النفط العامة سوناطراك التي طالتها قضايا الفساد خلال العشر سنوات الماضية. وقررت النيابة أيضا إعادة فتح ملف وزير النفط الأسبق شكيب خليل المقرب من بوتفليقة بعد أن استفاد من إسقاط التهم عنه.

ومن الملفات القديمة أيضا بدأ البرلمان رفع الحصانة عن عضوي مجلس الأمة جمال ولد عباس والسعيد بركات وزيرا التضامن والفلاحة سابقا.

وعلى الرغم من نداءات قايد صالح بعدم اعتراض عمل المسؤولين، منع محتجون في ولاية سعيد (شمال غرب) وزير السياحة عبدالقادر بن مسعود من زيارة المدينة.

وعنونت صحيفة الوطن على صفحة عددها لنهاية الأسبوع "لا نصف ثورة"، مع دعوتها أيضاً إلى مواصلة الاحتجاج حتى رحيل النظام كاملاً.

أما صحيفة الخبر، فعنونت "جمعة التأكيد على خيار الشعب" في المطالبة برحيل كل النظام، وهي الشعارات نفسها التي رفعها المتظاهرون الأوائل في ساحة البريد المركزي، القلب النابض للاحتجاجات منذ بدايتها في 22 شباط/فبراير.