احتجاجات الجنوب التونسي تتصاعد بعد تنكر النهضة لوعودها

الأمن يلقي القبض على الناطق الرسمي باسم اعتصام الكامور طارق الحداد الذي انتقد راشد الغنوشي وطالبه منذ أشهر بتنفيذ بنود اتفاق الكامور الذي وعدت به ووقعته حركة النهضة حين كانت تسيطر على حكومة يوسف الشاهد.
اتحاد الشغل يرفض استخدام العنف ضد المحتجين ويدعو لإضراب عام
سكان تطاوين ينتفضون ضد النهضة وائتلاف الكرامة بعد التصويت لهم في الانتخابات
المحتجون يتهمون بعض الأطراف بالتشويش على اعتصام الكامور لتشويهه

تطاوين - تجددت الاشتباكات الاثنين بين قوات الأمن التونسية ومتظاهرين في ولاية تطاوين (جنوب) يطالبون في احتجاجات متواصلة منذ شهر بوظائف ويعبرون عن رفضهم للتهميش في المنطقة بعد أن تنكرت حركة النهضة الإسلامية لاتفاق الكامور الذي وقعته مع المحتجين ووعدت سكان المحافظة بالالتزام بنص الاتفاق.
وتصاعدت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتنمية والتشغيل أمس الأحد في منطقة الكامور التي تزخر بمخزون كبير من البترول والغاز، حيث عمد المحتجون الى غلق الطرق المؤدية لمحافظة تطاوين واشعال العجلات المطاطية، فيما استعملت قوات الأمن التونسي الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

كما أطلقت قوات الأمن بكثافة الغاز المسيل للدموع لتفريق المئات من المحتجين في شوارع المحافظة بعد أن طالبوا باطلاق سراح الناطق الرسمي باسم اعتصامهم طارق الحداد الذي تم توقيفه.

وفي الأساس يطالب المحتجون الحكومة التونسية بالتزام اتفاق تم اقراره في العام 2017 بتوظيف عدد من العاطلين عن العمل في شركات نفطية في منطقة الكامور التابعة للمحافظة.

وقضى الاتفاق بتوظيف 1500 شخص في "شركة البيئة والغراسات" (حكومية)، وألف آخرين بدءا من كانون الثاني/يناير 2018، و500 مطلع العام 2019.

كما قضى بتخصيص مبلغ 80 مليون دينار (حوالى 29 مليون يورو) لصندوق التنمية والاستثمار في تطاوين سنويا.

وكانت حركة النهضة الاسلامية الحاكمة آنذاك حين كانت أغلبية في حكومة يوسف الشاهد، قد وقعت اتفاق الكامور مع المحتجين ووعدت سكان المحافظة بالالتزام بنص الاتفاق إلا أنها أخلت بوعودها بعد ذلك.

ومع اقتراب الحملة الانتخابية التشريعية والرئاسية في 2019، عادت النهضة إلى تدوير الاتفاق وجدّدت وعودها السابقة، في سياق حشد أصوات انتخابية في منطقة يتباهى زعيم الحركة راشد الغنوشي بأنها خزان انتخابي مضمون لحزبه.

وتشير الاحصائيات الانتخابية الرسمية إلى أن أغلب سكان الجهة (تطاوين) صوتوا خلال الانتخابات الماضية لحركة النهضة وحليفها الاسلامي "ائتلاف الكرامة" بعد أن وعدتهم بتحسين ظروفهم الاجتماعية وبررت التفافها على وعودها السابقة بأنه ناجم عن خلافات سياسية صلب الائتلاف الحكومي وليس تقصيرا من جانبها.

وبعد فوزها بالانتخابات التشريعية في 2019 وحلولها في المرتبة الأولى، استقبل الغنوشي، الذي يترأس البرلمان حاليا، بمقر البرلمان في يناير/كانون الثاني الماضي وفدا عن تنسيقية الاعتصام حيث انتهى اللقاء دون نتائج باستثناء تجديد الوعود التي أطلقت في 2017.   
وقال الناطق الرسمي باسم التنسيقية طارق الحداد الذي القت قوات الأمن القبض عليه، في كلمة نشرها على صفحة التنسيقية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بعد لقاء الوفد مع الغنوشي أن "التنسيقية كانت تنتظر من رئيس البرلمان أن يقوم بالتنسيق مع السلطة التنفيذية لتنفيذ بنود اتفاق الكامور مع الحكومة، لكن قوبل بـ"الهرسلة (التنضييق) والاستقواء".
وأضاف الحداد "كان حريا برئيس البرلمان أن يقوم بالتنسيق مع الحكومة لتتولى تنفيذ ما وقعته مع معتصمي الكامور في تطاوين".
وأمام موجة الغضب المتصاعدة في الكامور وعجز الحركة الاسلامية عن تلبية وعودها كلما ارتفعت وتيرة الاحتقان في الجهة، حملت الحركة مسؤولية التخلف عن تنفيذ وعودها إلى الحكومة السابقة، التي تمثل طرفا أغلبيا فيها، وأعربت في بيان لها عن مساندتها للمعتصمين.

ل
وصول تعزيزات امنية كثيفة لتطاوين بدل التهدئة من الحكومة

وقال والي المنطقة عادل الورغي في تصريح لاذاعة حكومية الأحد إن الاحتجاجات بدأت اثر توقيف ناشط في الاعتصام "مطلوب لدى العدالة" (طارق الحداد)، مضيفا "منذ أكثر من شهر والطرقات مغلقة وخيم الاعتصامات وسط الطريق وهذا خارج عن القانون".

كما أكدت وزارة الداخلية في بيان الأحد أن مجموعة من الأشخاص عمدت "إلى محاولة الاعتداء على المقرات الأمنية بالجهة بواسطة الزجاجات الحارقة مولوتوف... مما أجبر الوحدات الأمنية على اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذه المقرات واستعمال الوسائل المتاحة قانونا في مثل هذه الوضعيات".

وأضافت "أمكن تبعا لذلك إلقاء القبض على عشرة أشخاص من محاولي الاعتداء على المقرات الأمنية".

لكن المحتجين أكدوا أن تجاوزات قوات الأمن هي التي أدت لتلك الفوضى معتبرين أن هناك من يريد تشويه الاعتصام ممن “لا يرغبون في نجاح تحركهم لذلك عندما "عجزوا عن تطبيق اتفاق الكامور لجؤوا لاستخدام التشويه لتبريرالتدخل الأمني”.

وتواصلت ليل الأحد-الاثنين عمليات الكرّ والفرّ بين المحتجين والشرطة ونشرت وزارة الدفاع التونسية وحدات عسكرية لحماية المؤسسات الحكومية في شوارع المدينة، على ما أفاد الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع محمد زكري.

والأحد، دعا فرع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في البلاد) بتطاوين، والذي توسط أمينه العام نور الدين الطبوبي حتى توصلت الحكومة لتوقيع اتفاق الكامور مع المحتجين، في بيان إلى اضراب عام في المحافظة الاثنين معبرا عن "رفضه لاستعمال العنف المفرط وغير المبرر" على المحتجين.

وأغلقت المؤسسات الحكومية أبوابها الاثنين بينما واصلت المحلات التجارية نشاطها بصفة عادية.

ونصب محتجون منذ أسابيع خيما في مناطق من تطاوين وأغلقوا الطريق أمام الشاحنات التابعة للشركات التي تستثمر في استخراج النفط والغاز في منطقة الكامور بالمحافظة المهمشة والتي شهدت مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في العام 2017 أسفرت عن مقتل متظاهر.

يتأتي تجدد هذه الاحتجاجات فيما لا تزال البلاد تواجه وباء كوفيد-19 وتداعياته على الاقتصاد الذي يواجه أزمات منذ ثورة 2011.