احتجاجات العراق ولبنان تحرك الرمال تحت أقدام إيران

تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين حول الاحتجاجات العابرة للطائفية تعكس توجسا إيرانيا قويا من أن تقلب تلك الاحتجاجات الطاولة على وكلائها وبالتالي على نفوذها في العراق ولبنان.
إيران تتوجس من انتقال عدوى احتجاجات لبنان والعراق إلى ساحتها
احتجاجات لبنان والعراق تقلب الطاولة على وكلاء إيران في المنطقة
إيران لن تبقى مكتوفة الأيدي فيما يتعرض وكلاؤها لضغوط شعبية
هل تكبح احتجاجات العراق ولبنان نفوذ إيران

بيروت/بغداد - أعادت الاحتجاجات في لبنان والعراق خلط أوراق إيران التي كانت تعول على أذرعها في المنطقة لتوسيع نفوذها وتمددها في الشرق الأوسط، وسط مخاوف أيضا من أن تمتد شظايا الانتفاضة الشعبية العابرة للطائفية إلى ساحتها.

وتشير تصريحات علي خامنئي أعلى مرجعية دينية وسياسية في إيران وكذلك ترويج كبار المسؤولين الإيرانيين لرواية "مؤامرة خارجية" تحاك للبنان والعراق، إلى توجس إيراني قوي من أن تقلب تلك الاحتجاجات الطاولة على وكلائها وبالتالي على نفوذها في البلدين.    

وفي الوقت الذي تترنح فيه سلطات العراق ولبنان وتتعثر تحت وطأة موجات الاحتجاج الشعبي العارمة، تسعى فصائل قوية موالية لإيران لإخماد اضطرابات سياسية تمثل تحديا للنفوذ الإيراني المترسخ في البلدين.

ومن غير المستبعد أن تحرك إيران ميليشيات وكلائها في كل من لبنان والعراق لوأد الحراك الشعبي في العراق ولبنان، في الوقت الذي فُسّر فيه اعتداء أنصار حزب الله الأخير على المعتصمين في وسط بيروت واعلان ميليشيات شيعية منضوية في الحشد الشعبي العراقي استعدادها للمزيد من الدماء 'فداء لأمن العراق'، على أنه ضوء أخضر من طهران لتقويض الحراك الشعبي في البلدين.

واستقطبت طهران أيضا مقتدى الصدر أبرز السياسيين العراقيين الشيعية والذي نجح في السابق في تحريك الشارع العراقي، من أجل استخدام نفوذه لتحصين وجودها في الساحة العراقية.

ففي لبنان استقال رئيس الوزراء سعد الحريري وهو ما يضع حزب الله المدعوم من إيران والشريك في الائتلاف الحكومي في مأزق، بينما دفعت الضغوط الشعبية في العراق حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي لحافة الانهيار.

إيران ترتب لثورة مضادة للاحتجاجات العابرة للطائفية عبر تحريك ميليشياتها في لبنان والعراق
إيران ترتب لثورة مضادة للاحتجاجات العابرة للطائفية عبر تحريك ميليشياتها في لبنان والعراق

وتحظى الحكومتان بدعم الغرب، لكنهما تعوِّلان أيضا على تأييد أحزاب سياسية مرتبطة بجماعات شيعية قوية مسلحة مدعومة من إيران مما أبقى حلفاء لطهران في مناصب رئيسية.

ويعكس هذا تنامي النفوذ الإيراني بقوة بين الطوائف الشيعية في أنحاء الشرق الأوسط منذ شكلت طهران جماعة حزب الله بلبنان عام 1982 ومنذ الإطاحة بصدام حسين في العراق عام 2003.

وللعراق ولبنان نظام سياسي يهدف لوأد أي نزاع طائفي من خلال ضمان مشاركة مختلف الأطياف في السلطة وفي البلدين أيضا جماعات شيعية بارزة ترتبط بقوة بإيران وتحمل السلاح رغم أنها ليست طرفا في أجهزة الأمن الرسمية.

وتلتقي الاحتجاجات في لبنان والعراق في نقطة أساسية تتمثل في ضيق صدر اللبنانيين والعراقيين بنظام المحاصصة الطائفية وبالمنظومة السياسية القائمة على هذا الأساس.

ويحمل المحتجون في البلدين منظومة الحكم المسؤولية عن استشراء الفساد وتردي مستوى الخدمات العامة وإهدار الثروات الوطنية التي يستخلصها العراق من النفط ولبنان من الدعم الأجنبي.

وفي كلا البلدين، حيث هيمنت من قبل أحزاب طائفية على المشهد السياسي، لم يأت معظم المحتجين من حركات منظمة ولم تربطهم بها أي صلة، فيما يطالب المحتجون في كلا البلدين بنوع من التغيير الكاسح الذي حملته رياح انتفاضات 2011 في العالم العربي وأسقطت أربعة زعماء، لكنها تجاوزت حينها لبنان والعراق.

أي دور كلّفت به إيران الصدر لاحتواء الاحتجاجات المهددة لنفوذها
أي دور كلّفت به إيران الصدر لاحتواء الاحتجاجات المهددة لنفوذها

وفي لبنان، ثار المتظاهرون في أواخر سبتمبر/أيلول على الأوضاع الاقتصادية في وقت يكابد فيه بلدهم أزمة مالية طاحنة. وتفجرت مظاهرات على مستوى البلاد بعد ذلك بأسبوعين احتجاجا على خطط حكومية لفرض رسوم جديدة على المكالمات عبر التطبيقات المتداولة على الهواتف المحمولة مثل تطبيق واتساب.

وفي العراق، بدأت المظاهرات في بغداد وسرعان ما انتشرت إلى الجنوب، معقل الشيعة. وخرجت الاحتجاجات على نطاق لم يحدث منذ الإطاحة بصدام حسين وسط مطالبات ملحة بالتغيير.

 وردت السلطات بحملة عنيفة خلَّفت أكثر من 250 قتيلا سقط معظمهم برصاص قناصة كانوا يطلقون النار على الحشود من أسطح البنايات وسط اتهامات للميليشيات الموالية لإيران بأنها من نشر القناصة وقتل العراقيين وأيضا اتهامات لطهران المتوجسة من الحراك العراقي، بتحريك ميليشياتها لإخماد الاحتجاجات.

وقال ريناد منصور محلل الشؤون العراقية في مؤسسة تشاتام هاوس في لندن "مجرد رؤية احتشاد بهذا النطاق يجعل الاحتجاجات أشد خطورة في نظر النخبة السياسية"، مضيفا أن الفصائل المدعومة من إيران في الأساس تعتبر الاحتجاجات الشعبية خطرا يتهدد ذلك النظام السياسي.

في لبنان، جاءت المظاهرات في وقت أزمة سياسية واقتصادية يراها كثيرون الأسوأ منذ الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد من عام 1975 إلى 1990. وإن حدث وأطالت استقالة الحريري أمد الشلل السياسي فإن ذلك سيقوض احتمالات تمويلات الدعم المقدمة من حكومات غربية وخليجية.

وفي البداية خاطب زعيم جماعة حزب الله، حسن نصر الله، المحتجين مبديا تعاطفه ومرددا لهجة تصالحية تحدث بها الحريري، لكن الدفة تغيرت واتهم قوى أجنبية بإثارة الفتن. وأقدمت ميليشيات موالية له ولحركة أمل الشيعية على مهاجمة مخيم احتجاج في بيروت وهدموه واعتدوا بالضرب على المعتصمين.

وأعلن الحريري استقالته بعد ذلك بقليل رغم ضغوط حزب الله، الذي يعتبره الكثيرون أقوى عنصر فاعل بلبنان، كي لا يذعن رئيس الوزراء لضغط الاحتجاجات.

حكومة عبدالمهدي أفلتت مبدئيا من السقوط بعد تدخل قاده الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس مقابل ضمانات تحصن الوجود الإيراني في العراق

وفي غياب أي بديل واضح للحريري، يجد حزب الله الواقع تحت عقوبات أميركية نفسه أمام معضلة، فرغم أن الجماعة لديها مع حلفائها أغلبية برلمانية، يتعذر عليهم تشكيل حكومة بذاتهم لأنهم سيواجهون حينها عزلة دولية حسبما قال نبيل بومنصف المعلق بصحيفة النهار اللبنانية، موضحا أن تلك ستكون أسرع وصفة للانهيار المالي، إذ سيغلق العالم كله الباب أمامهم.

واتفاق المشاركة في السلطة القائم منذ فترة طويلة في لبنان يجعل من المستحيل على أي جماعة أو طائفة أن تهيمن بمفردها على مؤسسات الدولة، فحزب الله، مع كل عزوته، اختار ثلاثة وزراء فقط في حكومة الحريري السابقة.

وقال نديم حوري المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي إن مفهوم الفائز الذي يحصد كل شيء غير قابل للتطبيق بلبنان، مشيرا إلى أن حزب الله ربما أخطأ في حساباته عندما لجأ لأسلوب الترهيب مع المحتجين، مضيفا أن هذا يتعارض تماما مع ثوابت السياسة اللبنانية وأن حزب الله سيلجأ حتما للحلول الوسط.

وفي لبنان، الذي يلزمه التمويل الخارجي للحفاظ على اقتصاده من الانهيار، استخدم خصوم طهران الدوليون سطوتهم المالية لتحدي نفوذها بقدر أكبر من المباشرة. وأخفق الحريري قبل استقالته في إقناع المانحين الأجانب بتقديم معونات بحجم 11 مليار دولار تعهدوا بها العام الماضي، وذلك لأسباب منها سطوة جماعة حزب الله.

ولطالما قدمت دول عربية خليجية تواجه نفوذ إيران في نقاط متفرقة من المنطقة تمويلا للبنان، لكن السعودية خفضت دعمها بشدة قبل ثلاث سنوات قائلة إن حزب الله "خطف" الدولة اللبنانية.

ونسقت دول عربية خليجية والولايات المتحدة الخطى في مواجهة أهداف مرتبطة بإيران وفرضت عقوبات على 25 من المؤسسات والبنوك والأفراد على صلة بالدعم الإيراني لشبكات مسلحة تشمل حزب الله.

وقال مصدر خليجي إن الدول العربية الخليجية مقيدة بعقوبات وحزب الله جزء لا يتجزأ من الحكومة اللبنانية، مضيفا أن أحدا لم يتخل عن لبنان لكن النظام يتداعى والأمر يتطلب رؤية تحسن على عدة أصعدة منها النظام المالي.

وقال مسؤولان أميركيان الأسبوع الماضي إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تجمد معونة أمنية قدرها 105 ملايين دولار للبنان.

وفي بغداد، أفلتت حكومة عبدالمهدي من السقوط حتى الوقت الراهن بعد تدخل إيراني على أرجح التقديرات فقد زار الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني المسؤول عن رعاية الحلفاء في الخارج، بغداد وعقد اجتماعا سريا وافقت فيه جماعة شيعية قوية على الإبقاء على رئيس الوزراء في منصبه.

وكان مسؤولون أمنيون عراقيون قد قالوا إن فصائل مرتبطة بإيران هي التي نشرت القناصة الذين أطلقوا النار على الحشود من أسطح المباني الشهر الماضي.

ورغم أن قوى الفصائل الشيعية لا تحظى إلا بقدر محدود من السلطة، فإن ثقل إيران السياسي يتشعب من وراء الكواليس.

وقال علي فائز مدير برنامج إيران بمجموعة الأزمات إن نفوذ طهران في العراق "أكبر منه في أي دولة أخرى... لكنها لا تملك السيطرة على ما يجري هناك".