احتجاجات طلابية في طهران تدعو لمقاطعة الانتخابات

رئيس دائرة الاستخبارات في الحرس الثوري يحذر النشطاء والمتظاهرين من المشاركة في "مخططات الأعداء ومحاولات تغلغلهم عبر الأجواء الافتراضية"، ويهدد باستخدام أساليبه الاستخباراتية للتصدي لها.
وزير التربية والتعليم الإيراني يقر بإعتقال طلاب خلال مظاهرات نوفمبر
روحاني يحذر من اقصاء الإصلاحيين من سباق الانتخابات
طهران لا تزال تتستر عن عدد ضحايا احتجاجات زيادة أسعار الوقود

طهران - خرج طلاب إيرانيون اليوم الأحد في مظاهرات تنادي بضرورة مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراءها في إيران يوم 21 فبراير الجاري وتنديدا بالسياسات الفاشلة في تسيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

واحتشد مئات الطلاب الأحد في جامعة أمير كبير في طهران احتجاجا على الأوضاع في البلاد، رافعين شعارات ضد الانتخابات وهتفوا "لا للعسكر ولا للسمسرة السياسية، وتحيا الجامعة" و"لا للتصويت، نعم لمقاطعة الانتخابات"، كما نددوا بالتعاطي السلطات مع حادثة الطائرة الأوكرانية التي أسقطها الحرس الثوري في يناير الماضي.

وقال موقع قناة 'إيران إنترناشيونال" إن الطلاب رددوا هتافات "الشعب غارق في الفقر وهؤلاء يفكرون في جمع الأصوات"، و"لا للتصويت، نعم لمقاطعة الانتخابات"، و"لا نريد نظاما عسكريا"، و"الطالب يموت ولا يقبل الذل"، فيما تحدثت مصادر أخرى عن مهاجمة ميليشيات الجناح الداخلي للحرس الثوري "الباسيج" ”المتظاهرين وانهالوا عليهم بالضرب في محاولة لتفريقهم.

وأظهرت فيديوهات وصور تداولها نشطاء إيرانيون على مواقع التواصل الاجتماعي مئات الطلاب وهم يهتفون بشعارات تدعو لمقاطعة الانتخابات التي من المفترض أن تجرى للأسبوع القادم لاختيار الشخصيات ستحل محل الأعضاء الحاليين لمجلس خبراء القيادة، الهيئة المكوّنة من رجال دين والتي تتولّى مهمة تعيين المرشد الأعلى والإشراف عليه.

وعلى غير العادة شهدت بداية الحملة الانتخابية فتورا وغياب التجمعات وملصقات المرشحين الـبالغ عددهم 7 آلاف، بعد أن أعلنت لجنة صنع القرار التابعة للإصلاحيين أنها لن تقدّم لائحة هذه السنة في طهران ومدن عدة احتجاجا على منع عدد كبير من المرشحين واستحالة إجراء انتخابات "منصفة".

واستبعد مجلس خبراء القيادة أكثر من نصف المرشحين الذين تقدموا للمشاركة في الاقتراع، بينهم عشرات المعتدلين والإصلاحيين، في خطوة تزيد التكهنات بسيطرة متوقعة للمتشددين مع تزايد الحديث عن تزوير للتصويت.

ويشرف على هذه الانتخابات هيئة مجلس صيانة الدستور النافذة التي يهيمن عليه المحافظون المتشددون. وهي تضم ستة رجال دين يعيّنهم المرشد الأعلى وستة محامين يختارهم القضاء.

ويرفض المحافظون المتشددون الذي يصفون أنفسهم بـ"الثوريين" الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع القوى الغربية في 2015 وانسحبت منه الولايات المتحدة في 2018. كما يعارضون إجراء أي مفاوضات مع الغرب.

وبعد الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني أعادت واشنطن تدريجيا فرض عقوبات على طهران وصلت إلى حدود إجراءات تهدف لـ"تصفير" نفطها لردع سياساتها التخريبية المهددة للاستقرار في المنطقة.

وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، اندلعت تظاهرات في مدن إيرانية عدة بعد ساعات على الإعلان عن زيادة كبيرة في أسعار الوقود. ووصلت حركة الاحتجاج إلى حوالى مئة مدينة بينها طهران ومشهد وأصفهان (وسط).

وبحسب منظمة العفو الدولية، قُتل أكثر من 300 شخص خلال ثلاثة أيام من القمع، الأمر الذي نفته طهران. وقالت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن ما لا يقلّ عن سبعة آلاف شخص أوقفوا على ما يبدو.

وأمس السبت، أقر وزير التربية والتعليم الإيراني باعتقال 14 طالبا فقط في احتجاجات نوفمبر الماضي، بعدما نفى في وقت سابق الأمر بشدة.

وقال حاجي ميرزائي ردًا على سؤال حول عدد الطلاب المعتقلين لوسائل إعلام إن عدد المعتقلين 13 أو 14 طالبًا.

واليوم الأحد، أعلنت منظمة "هنغاو" لحقوق الإنسان إنه تم  تحديد هوية أحد القتلى في طهران خلال احتجاجات نوفمبر الماضي التي واجهتها السلطات بالقمع وقطع شبكة الانترنت في كامل البلاد.

وكتبت منظمة "هنغاو" أن المتظاهر الذي قتل يدعى "فرزاد كمانغيرويبلغ من العمر 20 عامًا وهو من أهالي مدينة سنندج، وقد لقي مصرعه إثر إطلاق النار المباشر من قبل القوات المسلحة في مظاهرات نوفمبر الماضي لكن التاريخ والمكان الدقيق لوفاته غير واضح تمامًا حتى الآن".

وترفض السلطات الإيرانية حتى الآن تقديم إحصاءات دقيقة عن أعداد القتلى والمعتقلين في هذه الاحتجاجات.

وبلغ التوتر الشديد بين طهران وواشنطن ذروته مطلع العام 2020. ففي الثالث من كانون الثاني/يناير، قُتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد. وفي الثامن من الشهر نفسه، أطلقت إيران صواريخ على قاعدتين للتحالف الدولي تستضيفان جنوداً أميركيين في العراق.

في أجواء التوتر الشديد بين طهران وواشنطن، اعترفت القوات المسلحة الإيرانية في 11 كانون الثاني/يناير وبعد ثلاثة أيام من الإنكار، بأنها أسقطت "عن طريق الخطأ" طائرة ركاب أوكرانية بعيد إقلاعها من مطار طهران ما أسفر عن سقوط 176 قتيلاً معظمهم إيرانيون وكنديون والعديد منهم طلاب.

وأثار تغيير إيران موقفها الذي جاء متأخراً، موجة استياء في البلاد حيث تحوّلت تجمعات ليلية تكريماً للضحايا إلى تظاهرات غاضبة.

hg
الانتخابات التي يقررها المرشد لا تعني الإيرانيين في شئ

ولم تمنع تحذيرات المسؤولين الإيرانيين الطلاب للاحتجاج اليوم الأحد، حيث بدأ الحرس الثوري منذ أيام في تهديد النشطاء والمواطنين من الخروج في مظاهرات خشية تعطيل سير الانتخابات.

وأفادت وكالة "فارس" شبه الرسمية الثلاثاء الماضي، عن رئيس دائرة الاستخبارات في الحرس الثوري حجة الإسلام حسين طائب، قوله إن "الغربيين وعملاءهم في الداخل" سيتلقون "صفعة مؤلمة" من الأجهزة الأمنية الإيرانية إذا حاولوا إثارة الشغب داخل الجمهورية الإسلامية.

وأضاف حسین طائب أن أجهزة الأمن الإيرانية تعلم جيدا بـ"مخططات الأعداء في اجتذاب العملاء ومحاولات تغلغلهم عبر الأجواء الافتراضية"، وشدد على أن السلطات ستستخدم "أساليب مهنية وأدوات استخباراتية متطورة" لوقفها، في إشارة لتتبع النشطاء والمعارضين الذين يفضحون القمع الأمني خلال الاحتجاجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وحمل رئيس دائرة استخبارات الحرس الثوري "الأعداء" المسؤولية عن التخطيط لزعزعة الأمن وتشكيل "مجموعات الشغب" في البلاد من خلال ممارسة استراتيجية الضغوط القصوى.

ودأب النظام الإيراني على اتهام "الأطراف الخارجية" وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء أي مظاهرات يقوم بها الإيرانييون اللاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة في البلاد.

من جهته حذر الرئيس حسن روحاني الذي يخشى تحالفه خسارة الغالبية التي يملكها حاليا في الانتخابات، من التهديدات "للديمقراطية والسيادة الوطنية" في إيران بعد استبعاد المرشحين.

لكن اللجنة التي يترأسها النائب المنتهية ولايته محمد رضا عارف سمحت لأحزاب إصلاحية أخرى بتقديم قوائمها إذ سارع بعضها لتشكيل جبهة في طهران ولو أنها ضعيفة.

في المقابل، يبدو أن لدى المحافظين العديد من المرشحين الذين تم إقرارهم ما يصعّب مهمتهم في الاتفاق على خياراتهم.

وفي العادة  ينتمي المرشحون تقليديا إلى معسكرين سياسيين رئيسيين في إيران هما الإصلاحي والمحافظ. لكن هذه المرة بعد استبعاد 7296 مرشحا محتملا، ستنحصر المنافسة بين المحافظين والمحافظين المتشددين.

ويلتف المحافظون حول رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف الذي يصف نفسه بأنه "تكنوقراطي".

وكان قاليباف قد ترشّح ثلاث مرّات للرئاسة وكان قائد الشرطة وعضوا في الحرس الثوري الإيراني بينما شغل منصب رئيس بلدية طهران من العام 2005 حتى 2017.

لكن السجال بين المحافظين والمحافظين المتشددين منعهم حتى الآن من تقديم قائمة موحّدة.

ومن المتوقع عودة سيطرة المتشددين على البرلمان المعروف رسميا بمجلس الشورى الإسلامي، وهو يصيغ مسودات القوانين ويصادق على المعاهدات الدولية ويقر الميزانية الوطنية.

ويعيّن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي العديد من المسؤولين في مؤسسات الدولة الإيرانية، لكن الشعب الإيراني ينتخب بشكل مباشر أعضاء مجلسي الشورى وخبراء القيادة.