احتجاجات فرنسا تفقد زخمها لكن مارد الغضب لن يعود إلى القمقم

بعد تراجع شعبيته على مدى أشهر تمكّن الرئيس الفرنسي في الأسابيع الأخيرة من تعويض بعض ما خسره من تأييد شعبي بفضل إطلالات سعى من خلالها لإظهار تواضعه.

ماكرون يراهن على ملل المحتجين ومغادرة الشوارع
مؤشرات على تراجع حراك السترات الصفراء
ماكرون يركز على الانتخابات الأوروبية أكثر من تركيزه على الاحتجاجات في بلاده

مونتارجي (فرنسا) - تعتزم الفرنسية إيزا دوشين من السترات الصفراء في بلدة مونتارجي، الواقعة على بعد نحو 120 كلم من باريس، الاستمرار بالمشاركة في الاحتجاجات ضد الرئيس إيمانويل ماكرون في أسبوعها الثاني عشر، كما يؤكد آخر أن "مارد الغضب لن يعود إلى القمقم".

وعند مستديرة في جنوب المدينة تشهد منذ نوفمبر/تشرين الثاني احتجاجات تخلّلتها أعمال عنف، رفضت دوشين (57 عاما) العاملة في مصنع دعوة الحكومة لإجراء حوار على مدى شهرين شهد منذ منتصف يناير/كانون الثاني عشرات الاجتماعات.

وقالت الناشطة بمرارة إن "ماكرون يحضّر للانتخابات الأوروبية"، مضيفة أنه "لا يهتم أبدا لأمرنا".

وهو اتّهام يردّده كثير من معارضي الرئيس الفرنسي الذين يعتبرون الحوار مجرّد تكتيك لصرف الانتباه عن حركة السترات الصفراء التي هزّت البلاد وتسببت بأزمة هي الأكبر التي يواجهها ماكرون منذ توليّه الرئاسة قبل 20 شهرا.

والنقاش الوطني الذي أُعلن عنه في ديسمبر/كانون الأول 2018 أوجد من جهة منصة للناخبين الغاضبين للتعبير عن معاناتهم، فيما شكّل من جهة أخرى حقل تجارب لماكرون استعدادا لانتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في مايو/أيار.

وبعد تراجع شعبيته على مدى أشهر تمكّن الرئيس البالغ من العمر 40 عاما في الأسابيع الأخيرة من تعويض بعض ما خسره من تأييد شعبي بفضل إطلالات سعى من خلالها لإظهار تواضعه.

وفي المقلب الآخر أيضا انخفضت أعداد المشاركين في احتجاجات السترات الصفراء بشكل كبير مع تراجع ظاهرة احتلال الساحات والمستديرات وكذلك إعداد الحشود المشاركة في تظاهرات السبت.

وترجّح غالبية من المحلّلين أن تشكّل الأزمة نقطة تحوّل في ولاية ماكرون، نظرا لإبرازها حجم الغضب في أوساط العائلات ذات الدخل المتدني في الأرياف والبلدات الصغيرة.

الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون أطلق نقاشا وطنيا لاحتواء حراك السترات الصفراء
ماكرون نجح في استعادة بعض من شعبيته من خلال النقاش الوطني

وقال مارك بوشون وهو متقاعد يبلغ من العمر 64 عاما يقيم في مونتارجي إن "مارد الغضب لن يعود إلى القمقم"، مضيفا "هناك كثر يعانون حاليا. إنهم لا يريدون مزيدا من الحوار".

وتظاهر بوشون على مدى خمسة أسابيع متتالية في مونتارجي مع "المسنّين والأمّهات المعيلات والمتقاعدين الذين قرعوا كل الأبواب لكن شيئا لم ينفع"، لكنه يعتقد أن التظاهرات يجب أن تتوقّف الآن.

وقال بوشون "بات لدينا فرصة للنقاش، فلنغتنمها"، مضيفا "لكنني أقول للرئيس أن يتجاوب الآن مع معاناة العمال الفقراء. وألّا ينتظر حتى انتهاء الحوار".

ومونتارجي المشهورة بجسورها البالغ عددها 130 جسرا مقاما فوق قنواتها المائية ونهر لوان الذي يعبر المدينة، شهدت على غرار الكثير من المدن الفرنسية الصغيرة إقفال معامل ومصانع وارتفاعا في البطالة التي وصلت نسبتها إلى 13 بالمئة، أي أعلى بنحو أربع نقاط من المعدّل الوطني.

وقال فرانك سوبليسون وهو مسؤول محلي في المدينة، إن حركة السترات الصفراء لا تزال قوية هنا وتلقى دعم شريحة كبيرة من السكان".

والخميس الماضي عُقدت جلسة حوار أولى من أصل أربع مقررة في المدينة التي كانت سابقا مركزا لصناعة الجلود.

وتجمّع نحو 45 شخصا داخل قاعة عامة في منطقة سكانها من الطبقة العاملة حيث طرح الكثير من الشكاوى التي تنادي الحركة بمعالجتها ومن بينها قرار ماكرون خفض الضرائب عن ذوي المداخيل المرتفعة ومعالجة نقص الأطباء في المناطق الريفية ومشاكل النقل العام والصعوبات التي تواجه طالبي العمل بدوام كامل وهو ما يدفع كثرا إلى تولي عدة وظائف. وقد أعطي الجميع فرصة للكلام.

وتحدّثت ماري رين بولان التي تعمل في كافيتيريا مدرسية عن تراجع مستوى المعيشة للعمال ذوي الدخل المنخفض وهي المشكلة التي أطلقت شرارة الاحتجاجات في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 عندما قرّرت السلطات رفع أسعار المحروقات.

ولم يلب قرار ماكرون إلغاء الضرائب المفروضة على ساعات العمل الإضافية ورفع الحد الأدنى للأجور طموحاتها واستعادت ما يردّده كثر من المحتجين الذين يعتبرون أن النظام السياسي والاقتصادي يعمل ضد مصالحهم.

وقالت "لا أعتقد أن الأمور ستتغيّر كثيرا. الممسكون بالسلطة لا يريدون خسارتها"، مضيفة "نحن النساء علينا أن نتواجد هناك في المستديرات لأننا الأكثر ضعفا".

بدوره قال جيريمي كليمان (41 عاما) الذي يعمل في مجال البناء إنه توّجه إلى باريس على مدى ستة أسابيع متتالية للانضمام للمحتجين.

وتابع "نحن نعيش في بلد غني. كيف لنا أن نقبل ألا تغطي الرواتب مصاريف العيش؟"، مضيفا "الناس في المدن الكبيرة لا يعون ذلك، لكن إذا لم نقم بتغيير سنصل إلى الكارثة".