احتجاجات موسكو تربك حسابات الكرملين

السلطات الروسية تبدي حزما شديدا في مواجهة مسيرات سلمية دون أن تنجح في إخماد 'انتفاضة' أعادت للأذهان سيناريو انتفاضات عربية أسقطت أنظمة كانت تدير الحكم لعقود بقبضة من حديد.

الكرملين يدافع عن حزم الشرطة في قمع احتجاجات موسكو
أزمة سياسية تطرق أبواب روسيا بعد شهر من الاحتجاجات
الكرملين ينفي وجود أزمة سياسية نتيجة تصاعد الاحتجاجات
أوكرانيا تسهل إجراءات منح الجنسية للروس "المضطهدين"
روسيا تواجه مسيرات سلمية بالقمع والاعتقالات

موسكو/كييف - لا تلوح في الأفق مؤشرات على عودة الهدوء قريبا للشارع الروسي الذي يشهد منذ نحو شهر تقريبا احتجاجات آخذة في التصاعد رفضا لإقصاء مرشحين مستقلين للانتخابات المحلية.

وتعيد الاحتجاجات المتصاعدة في موسكو إلى الأذهان سيناريو انتفاضات شعبية في عدد من البلدان العربية انتهت معظمها بإسقاط أنظمة كانت تدير الحكم لعقود بقبضة من حديد.

ورغم اختلاف الظرف والتوقيت والأهداف، أعادت مسيرات موسكو خلط أوراق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يراهن على القوة لإخماد الحراك الشعبي، لكن الإرباك بدا واضحا في التعاطي مع الأزمة حيث أدان الكرملين بدبلوماسية القوة المفرطة وبررها في الوقت ذاته تحت عنوان الحيلولة دون أنشطة من شأنها الإخلال بالأمن العام.   

وأبدت السلطات الروسية حزما شديدا في مواجهة المسيرات السلمية وواجهت آلاف المحتجين بالعصا الغليظة والاعتقالات، في الوقت الذي بدأت فيه أوساط غربية وحتى محلية تتحدث عن أزمة سياسية كبيرة باتت تطرق أبواب روسيا.

لكن الكرملين نفى الثلاثاء وجود "أزمة سياسية" نتيجة المسيرات الاحتجاجية القائمة منذ شهر في البلاد، مدافعا في الوقت ذاته عن الحزم الذي أبدته قوات الشرطة في قمع تلك التظاهرات.

ومنذ أواسط يوليو/تموز يحتشد آلاف الأشخاص أسبوعيا في موسكو تلبية لدعوة المعارضة للاحتجاج على إقصاء مرشّحين مستقلين عن الانتخابات المحلية المقررة في الثامن من سبتمبر/ايلول.

وانتهت بعض التظاهرات التي لم تكن مرخّصة بتوقيف مئات الأشخاص. وحُكم على معظم شخصيات المعارضة وأبرزهم أليكسي نافالني بالسجن لمدد قصيرة، لكن تحقيقات فتحت معهم حول مسؤوليتهم عن "اضطرابات جماعية" ما قد يفتح المجال أمام فرض عقوبات سجن بحقهم تصل لعدة سنوات.

لا حدود للقمع في روسيا
لا حدود للقمع في روسيا

وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "لا نتفق مع هؤلاء الذين يصفون ما يحصل بأنه أزمة سياسية"، وذلك في أول تعليق على حركة الاحتجاج غير المسبوقة منذ عودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين عام 2012.

وأشار إلى أن "عدة احتجاجات حصلت في الكثير من دول العالم وفي عدد من العواصم الأوروبية" مضيفا أنه "لا يمكن أن نربط ذلك بأية أزمة".

ودعا بيسكوف إلى التمييز بين "أعمال الاحتجاج المرخّصة" وتلك التي يمكن تصنيفها بأنها "محاولات تنظيم الناس واقتيادهم إلى الإخلال بالأمن العام"، مضيفا "تعرفون أن الظاهرتين حصلتا مؤخرا في العاصمة الروسية. نعتبر استخدام الشرطة المفرط للقوة غير مقبول تماما، لكننا نعتبر أن حزم قوات النظام الهادف إلى وضع حدّ للإخلال بالأمن العام مبرر تماما".

وجمعت التظاهرة الأخيرة السبت 60 ألف شخص في موسكو في أكبر تجمّع للمعارضة من أجل المطالبة بانتخابات حرة. وأوقفت قوات الشرطة أكثر من 250 شخصا في نهاية التجمّع.

وأثارت صور شابة كانت تتعرض لضرب مبرح على بطنها من جانب شرطي من دون سبب ظاهر خلال هذه التظاهرة، الغضب إلى حدّ إعلان وزارة الداخلية الاثنين فتح تحقيق في القضية.

وأمام المحكمة التي كان يُفترض أن تحاكمها الثلاثاء لإخلالها بقواعد التظاهرات، صرّحت وكيلة الدفاع عنها بأنها أصيبت بارتجاج في المخ ورفضت كل التهم الموجّهة إليها.

وأكد بيسكوف أن الكرملين يولي اهتمامه لكل ما يمكن اعتباره "عصيانا واعتداء على قوات الأمن"، مضيفا "لكن المحكمة هي وحدها المخولة بإصدار أحكام".

وانطلقت الحركة الاحتجاجية في موسكو بعد رفض ترشيحات ستّين مستقلا للانتخابات المحلية المقررة في الثامن من سبتمبر/أيلول بذرائع واهية، في وقت يبدو المرشحون المؤيدون للسلطة في موقع صعب في ظل الاستياء من الأوضاع الاجتماعية.

ومن بين المحتجّين الموقوفين والذين حُكم عليهم بعقوبات تصل إلى السجن ثلاثين يوما، مرشحون معارضون لم يحصلوا على إذن التقدم للانتخابات في الثامن من سبتمبر/أيلول في العاصمة الروسية.

وقال بيسكوف الثلاثاء "كل مرشح رُفض ترشيحه لديه الحق في الطعن قضائيا. لا يمكننا ولا يجب علينا أن نسير خلف عواطفنا".

وفي خضم الأزمة التي تشهدها روسيا، وقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء مرسوما يسهل منح الروس "المضطهدين" في بلادهم الجنسية الأوكرانية ويلي هذا التدبير توزيع جوازات سفر روسية على سكان شرق أوكرانيا الذي يشهد حربا.

وفي هذا المرسوم، يأمر زيلينسكي بإعداد قانون "يبسط عملية الحصول على الجنسية الأوكرانية للمواطنين الروس الذين تعرضوا للاضطهاد بسبب آرائهم السياسية". ويفترض به أيضا أن "يحسن" الإجراءات على صعيد حق اللجوء.

وكان فولوديمير زيلينسكي وعد بعد انتخابه في أبريل/نيسان بمنح الروس الذين "يواجهون صعوبات" في بلادهم، الجنسية الأوكرانية.

وقال حينها "نعلم تمام المعرفة ما يقدمه جواز السفر الروسي"، مضيفا ساخرا "الحق في الاعتقال بسبب تظاهرة سلمية" و"الحق في عدم إجراء انتخابات حرة".

وقد استقر عدد كبير من الصحافيين أو الناشطين الذين ينتقدون الكرملين، في أوكرانيا منذ الإنعطافة المؤيدة للغرب في كييف في 2014. وغادر آخرون روسيا إلى بلدان البلطيق.

وفي أبريل/نيسان ومايو/ايار، وقع فلاديمير بوتين من جهته مرسومين يسهلان منح الجنسية الروسية لسكان المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا والأوكرانيين الذين يحملون تصاريح إقامة في روسيا. وانتقدت كييف والبلدان الغربية هذا الإجراء بشدة.

وأصبحت أوكرانيا وروسيا على عداء منذ تولى الحكم المؤيد للغرب السلطة في كييف، وتفاقم الوضع مع قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا ما أدى إلى نزاع خلف 13000 قتيل.

ومن شأن الخطوة الأوكرانية أن تزيد من حجم العداء بين البلدين فيما يتوقع ان تتخذ موسكو إجراءات قاسية بحق أوكرانيا التي تواجه صعوبات اقتصادية وتربط بالجار الروسي مصالح يستخدمها الكرملين عادة كورقة ضغط في خصوماته مع كييف.