
اختلاسات بالمليارات في عقد إطعام المساجين العراقيين
بغداد - أثار ملف الفساد المالي المتعلق بطعام المساجين جدلا واسعا في العراق لا يقل عن فضيحة "سرقة القرن" التي تورط فيها عدد من المسؤولين باختلاس 2.5 مليار دولار من الأمانات الضريبية ما يكشف أن الفساد بات الخطر الأول الذي يهدد الدولة العراقية رغم حديث رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن جهود للحد من الظاهرة.
وطالب النائب عن محافظة السليمانية في البرلمان العراقي سوران عمر الخميس بضرورة إلغاء العقد مع الشركة المعنية بالتكفل بملف طعام السجناء بعد الكشف عن وجود شبهات فساد.
وفي بيان نشرته وكالة شفق نيوز قال سوران أن "في السجون العراقية 80 ألف سجين وفي حال اختلاس مبلغ 1000 دينار من قيمة كل وجبة طعام من الوجبات الثلاث اليومية، فيكون مجموع الاختلاس 240 مليون دينار يومياً، أي سبعة مليارات و200 مليون دينار شهرياً".
ومثل هذا الرقم صدمة في العراق الذي يبحث عن موارد لمواجهة بعض المصاعب الاقتصادية لا تقل عن الصدمة التي خلفتها فضيحة سرقة القرن.
وقال سوران ان"السجناء يشكون من رداءة وجبات الطعام التي يحصلون عليها مؤكدا وجود " فساد كبير وأرباح غير معقولة في العقد المبرم بين وزارة العدل والشركة المجهزة للطعام".
وعبر عن أسفه الشديد من حجم الفساد الذي اضر بمؤسسات الدولة وضرب حتى قطاع السجون قائلا " للأسف الشديد الفساد الإداري والمالي لحق بأغلب مرافق الدولة نزولا الى سجون العراق لم ينجو منه حتى السجناء".
وحمل النائب المسؤولية لوزارة العدل حيث اتهمها بالتقصير في الملف قائلا ان "وزارة العدل مسؤولة عن التعاقد مع شركة (الميقات) للصناعات والتجهيزات الغذائية لمدة سبعة أعوام وهو أمر غير مقبول البتة".
وشكك في شفافية تعاملات الشركة قائلا "هذه الشركة تم تأسيسها سنة2021 برأس مال خمسة مليارات دينار، ومن المفترض إجراء تحقيقات مكثفة لان السجناء ممتعضون جدا من هذه الأطعمة وعلى الجهات المعنية فسخ هذا العقد بأسرع وقت ممكن".
ويأتي موقف النائب بعد ان استدعت محكمة عراقية الأربعاء وزير العدل خالد شواني ومسؤولا آخر في الوزارة على خلفية "تعطيل" تحقيق في القضية بعد "امتناعهما" عن توفير مستندات، كما أفاد بيان صادر عن هيئة النزاهة الاتحادية الحكومية.
وكانت هيئة النزاهة المختصة بالتحقيق في قضايا الفساد، قد فتحت مطلع ديسمبر/كانون الاول تحقيقا "عن المعلومات الخاصة بشبهات فساد في ملف إطعام السجناء"، و"رداءة الأطعمة المقدمة" وبشأن الكميات غير الكافية التي يجري تزويدها، رغم دفع المستحقات المالية، كما ورد في بيانات رسمية.
وأكد بيان هيئة النزاهة "صدور أمر استقدام بحقّ وزير العدل الحالي ومدير التصاريح الأمنيّة في الوزارة" من قبل محكمة مختصة في قضايا الفساد، وذلك "لاستغلالهما سلطة وظيفتيهما" ولامتناعهما عن "تزويد فريق هيئة النزاهة بالمستندات المطلوبة".

وكان رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون قد قال في مؤتمر صحافي الثلاثاء إن تلك المستندات المطلوبة "تدين متهمين"، متهما الوزير بـ"استخدام سلطته في تعطيل عمل هيئة النزاهة".
وإثر جولة ميدانية الثلاثاء في أحد السجون، أعلن وزير العدل عن "تشكيل لجنة برئاسة وكيل الوزارة الأقدم، لمتابعة ومراقبة عمليات التوزيع، ومنع أي شبهات فساد في الشراء والتوزيع"، وفق بيان.
وأكد الوزير أنه "يتابع بشكل يومي ملف الحوانيت والإطعام لحماية النزلاء من الابتزاز، وتنفيذا لتوجّهات الوزارة والحكومة في حماية حقوق الإنسان، ومن بينهم النزلاء"، فيما منع بيع مواد للنزلاء "تقع ضمن القائمة التي تجهّزها وزارة العدل".
وقال إن "تقارير الجهات الرقابية التي ترد الوزارة تشير إلى عدم تجهيز الشركات المجهزة للسجون" بالمواد "بشكل كامل على الرغم من دفع استحقاقاتها المالية للسنوات السابقة".
وعلى الرغم من أن الفساد متفشّ في كل مؤسسات الدولة في العراق، إلا أن المحاكمات التي تحصل في هذه القضايا قليلة، وإن حصلت فهي تستهدف مسؤولين صغارا.
وجعلت الحكومة العراقية الجديدة من مكافحة الفساد إحدى أولوياتها.
وشكّل الإعلان عن سرقة 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب في خريف 2022، واحدة من أكبر فضائح الفساد العديدة التي تهزّ البلاد والتي عرفت بـ"سرقة القرن".
وأعلنت الحكومة العراقية وهيئة النزاهة عن استرجاع بضعة ملايين من الأموال المنهوبة، وهو ما أثار انتقادات واتهامات للسلطات بعدم القيام بما يلزم لاسترداد الأموال من الفاسدين بينما بات الفساد تحديا حقيقيا امام السلطات.
واوضحت جينين هينيس - بلاسخارت، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، في رسالة لها في ديسمبر/كانون الاول الماضي إن "الفساد المستشري والممنهج يعدّ أحد أكبر التحديات التي تواجه العراق"، مشيرة إلى أن "تكلفته الاقتصادية وتأثيره السلبي على الاستقرار والازدهار هائلان".
وأضافت أن الفساد "يحرم المواطنين من حقوقهم، ويثبط الاستثمار الدولي، ويسلب من الدولة الموارد اللازمة لتزويد مواطنيها بمدارس ومستشفيات وطرق أفضل، وخدمات عامة أخرى لا حصر لها".