ادراج الجماعة الإسلامية كيانًا إرهابيًا.. درسان للمستقبل

قادة الجماعة الحاليون رفضوا إجراء أي تطوير منهجي وفكري بشأنها وهو ما يعني لديهم ببساطة أن الانفراد بالسلطة هو وحده سبيل التغيير وطريق تطبيق الشريعة بحسب رؤيتهم القاصرة لها لذا ففلسفة التغيير والإصلاح لديهم غير متوافقة مع الطيف الوطني المحلي.

بقلم: هشام النجار

ما نشرته الجريدة الرسمية أخيرا بشأن قرار محكمة جنايات القاهرة رقم 1367 لسنة 2018 بإدراج الجماعة الإسلامية كتنظيم إرهابي طبقًا لقانون الكيانات الإرهابية يسترعي التوقف أمامه؛ فالجماعة التي زعمت نبذ العنف وأطلقت مراجعات فكرية حاولت مجددًا إحياء نشاطها الإرهابي والعسكري القديم بحسب ما ورد بالقرار، وارتبط قادتها بعناصر أجنبية وكونت خلايا عنقودية مسلحة لتنفيذ أعمال عدائية. ينطوي هذا التطور على دروس مهمة تطلعًا لمستقبل أكثر وعيًا بهذه الحالة المعقدة ومن ثم أكثر أمنًا واستقرارًا، حيث يُعاد على ضوئه تفسير العديد من وقائع السنوات الأخيرة وطبيعة تحالفات وممارسات كيانات منحتها الدولة فرصة العمل المعلن المشروع، ومُكنت من أدوات العمل السياسي والحزبي فإذا بها تتنكر وتتمرد على تلك المكتسبات التي ثبت عدم استحقاقها لها لتعود إلى وضع شبيه بماضيها القديم.

ما يجب الوعي بشأنه أنه يستحيل الجمع بين المتناقضات مهما كثرت المزاعم سواء بشأن إجراء مراجعات أو إطلاق مبادرات لوقف العنف؛ فالعمل الحزبي نشاط سياسي وطني محلي غايته تحقيق المصلحة العامة بالتوافق والتشارك مع التيارات السياسية والفكرية الوطنية بالداخل، وهو يتناقض تمامًا مع نشاط الجماعة والتنظيم؛ فهذا الأخير أممي وإقليمي يجنح للتحالفات الخارجية على حساب الرابطة الوطنية، علاوة على أن العمل الحزبي مفتوح ومعلن فيمَ الجماعة سرية مغلقة. لم تغير هذه الجماعة وغيرها فكرتها حول القضايا الرئيسية وفي مقدمتها:

أولًا: قضية الخلافة ولذلك تناسوا ما كتبه قادتهم السابقون بشأن وقف العنف وانتهزوا مع حلفائهم من الإخوان وتيار السلفية الجهادية فرصة التحولات التي شهدتها المنطقة العربية، بغرض خطف إرادة الشعوب وحرفها عن مسارها ومطالبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المشروعة لتحقيق أهدافهم المستحيلة القديمة، وضاعف من تكريس الوهم الأممي غلبة عولمة التطرف والإرهاب الذي صار سمة المرحلة، وظهور نسخ عدة من المهووسين الساعين لتبوؤ مركز «خليفة المسلمين» في تركيا والعراق وأفغانستان.

نتج عن اختبار السنوات القليلة الماضية لتلك الجماعة محصلة رئيسية وهي تقاطع تصوراتها وأهدافها التقليدية مع مطامع وخطط دول وقوى إقليمية تعتمد على الأيديولوجيا الدينية والمذهبية والطائفية لتعزيز نفوذها الإقليمي عبر نشر الفوضى، وتحطيم سلطة الدول العربية، وتدمير مؤسساتها لخلق فراغات تسمح لها بنشر نفوذها داخل المنطقة الأهم بالعالم من الناحية الإستراتيجية، ولذا تجدها الآن مجرد ورقة وأداة في يد أردوغان وتميم والظواهري ساعية لتنفيذ خططهم وأهدافهم، وان كانت على حساب المصلحة الوطنية المصرية ومهددة للأمن القومي المصري. وحتى مع تطور الأحداث وانخراطهم واقعيًا كورقة في خدمة الوهم النظري القديم لم تصرفهم كوارثه على الأرض واتضاح معالم الخديعة حياله عن الاستمرار فيه؛ وكيلا تظهر خيبة تصوراتهم ورؤاهم وسطحيتها واصلوا تقديس وتمجيد زعامات مزعومة قسمت العالم الإسلامي وأضعفت النظام العربي ودمرت جيوشه ومؤسساته ونهبت ثرواته.

ثانيًا: قضية الحاكمية، حيث رفض قادة تلك الجماعة الحاليون بشكل معلن إجراء أي تطوير منهجي وفكري بشأنها، وهو ما يعني لديهم ببساطة أن الانفراد بالسلطة هو وحده سبيل التغيير وطريق تطبيق الشريعة بحسب رؤيتهم القاصرة لها، لذا ففلسفة التغيير والإصلاح لديهم غير متوافقة مع الطيف الوطني المحلي الطامح لترسيخ المؤسسية والتلاحم الوطني والتماسك المجتمعي والنضال معًا لتحقيق الأحلام والأهداف الوطنية المشتركة، في مقابل رؤية مغايرة تمامًا تعتنقها الجماعة تحصر التغيير في انفراد تنظيم يرفع عناوين إسلامية بالحكم ليصبح الحكم إسلاميًا بزعمهم. أدى هذا إلى التناقض بين ما تعهد به قادتهم السابقون بعد خروجهم من السجون والممارسة العملية عند أول اختبار عملي، فظهر الاستخفاف بالدماء وتكفير المخالفين والتحريض ضد رموز الدولة، وعادت نزعة الانتقام والكراهية في مواجهة مؤسسات الدولة وخاصة الأجهزة الأمنية.

تخالف هذه الجماعة تعاليم الإسلام الصحيحة في قضية الحاكمية ومن يرغب في الوقوف على التصور الإسلامي الصحيح الذي ورد بالعديد من الأحاديث والآثار النبوية فليطلع على سبيل المثال على تعليق النووي عليها في شرحه لصحيح مسلم بالجزء الثاني عشر، ومفادها أن الإسلام يرفض تمامًا الصدام مع الحكام ومع المؤسسات السياسية وينهي بشكل صريح عن التمرد والصراع المسلح حتى لو كان هناك خلل ما في منظومة الحكم، للحفاظ على استقرار البلاد وأمنها ولتحصينها من المطامع الخارجية. درسان أساسيان ينبغي أن يظلا ماثلين أمامنا من تلك التجربة؛ فلا ثقة بالمرة في أحزاب تتبع جماعات ولا فيمن لا يراجع أفكاره ويغير قناعاته بشكل تفصيلي ومنهجي شامل، ولا حضور تحت المظلة الوطنية لمعتنقي نظرية الخلافة الأممية فهؤلاء في خدمة الغزاة المدعين الطامعين ضد الدولة الوطنية، ولا لمعتنقي الحاكمية التي تقضي بأن يحكم التنظيم الدولة دون خبرات ولا كفاءات أو يحل الخراب والدمار وتسود الفوضى.

نشر في الأهرام المصرية