ارتباط الدين.. بالتحولات الزمنية الكونية

المشروع التنويري ليس بدعة ولا ترف فكري مقابل حقيقة يعتقدها البعض إن موضوع إكمال الدين يعني أن الديان ختم على كتابه بختم النهاية ولم يعد هناك مجالا أو فرصة للتغيير.

بقلم: عباس علي العلي

يُعد الدين كما ورد في أخلاقياته المرشدة أسلوب تعامل حياتي، ومظهر من مظاهر الشخصية الفردية في تعاطيها مع الحياة، كعنصر إيجابي ملتزم بأهداف وغايات محددة، وحتى يكون هناك أمل في الإصلاح والتغيير والتجديد لا بد من أتاحة الفرصة لها لتغير نظرتنا وأهدافنا ومناهجنا تبعا لحاجات الإنسان المتجددة والحتمية بالتطور وهو يسعى للكمال والتفوق والإبداع.

 فحين ندرك هذه الحقيقة ونبسطها كجزء من نظامنا العقلي والسلوكي، لا بد لنا أيضا منح العقل فرصة الكشف والنقد والتقرير لما هو متوافق مع الخير والإصلاح؛ فنجسده مشروع وممارسة، ومما نكتشفه على أنه لم يعد فيه ما يكفي ليكون حاضرا وفاعلا ومنتجا لعوامل الخير نركنه في زاوية متحفظين عليه، ونتجاوز إحداثياته حتى تتهيأ الفرصة مرة أخرى لعرضه وفهمه بموجب مستجدات وتطورات الجزء الذي أخذنا به أول مرة، هكذا يمكننا أن نتقرب من الدين ونقربه للواقع ونشركه مع كل المعرفة الإنسانية علوم ومدارك وأخلاقيات وقيم لنعيد نمذجة العالم من حولنا ومن جديد.

ليس المشروع التنويري بدعة إنسانية، ولا هو ترف فكري، مقابل حقيقة يعتقدها البعض إن موضوع إكمال الدين يعني أن الديان ختم على كتابه بختم النهاية، ولم يعد هناك مجالا أو فرصة للتغيير، الإكمال هنا أعلان من الله أو الديان الذي صاغ حركة الدين في المجتمع من أول الخليقة ولليوم أن مشروع الدين كان مشروعا زمنيا تأريخيا؛ مرتبط بالتحولات والتبدلات التي صاحب وجود الإنسان، وبالتالي هذا الإعلان بالتطور له وجهان.

 الأول، أن الإكمال أنتهى إلى نقاط أساسية تشكل خارطة طريق للبشر في حياتهم وعليهم أن يدركوا أن أي جهد أو محاولة إنسانية مهما كانت نبيلة، وعقلانية ستصل إلى نفس النقاط التي وصل لها الدين الكامل، هذا يعني أن الديان يقول للناس حاولوا بالقدر الذي يمكنكم العمل منه ستجدوني في النهاية في النقطة نفسها التي تسعون لها.

 الثاني، أن المبادئ تبقى مبادي، والغايات كما قلنا هي ذاتها، ولكن العمل الوسطي بين الغايات والمبادئ، هو المطلوب من الإنسان التحرك فيها والتجديد بتفاصيلها ووسائلها وأساليبها تبعا للظروف والمتغيرات.

رسالتنا للإنسان رسالة تذكير وإبراء ذمة وأعلان منهج تأصيلي لا نحتاج فيه إذن أحد ولا نقاوم فيها إلا الإنحراف والزيف والتبديل، وبذلك نمارس حقنا الذي منحه الله لنا من خلال مفاهيم التذكير والتذكر والتدبير والتدبر والعقل حين يكون مسؤولا (وبه يثاب الإنسان ويعاقب)، ونحن نعرف مقدما أن هناك ألاف الأقلام التي ستشرع بالكتابة التسفيهية والتشهير بما فينا أو لا يمكن أن يكون منا، ومنها من يتهمنا بالكفر والإلحاد ومنهم من ينسبنا لأعداء الله والدين، وأخرون سيرون فيما ندعوا له تمردا على الله وعلى دينه ولا بد من مكافحة هذا التمرد وغسله وأثاره بالدم، وأيضا نعي ونفهم كل هذا الضجيج الذي سيثار وأهدافه ودوافعه والجهات التي تقف خلفها من عمالقة الكهنوت وأصنامه.

 لكننا أمنا بحقنا كما أمنا بديننا، ولا بد من كلمة حق بوجه المستبدين والطغاة والمتخلفين، الذي لا يرون في الدين إلا سجادة وعمامة وحفنة ماء للوضوء، الدين غاية العقل في أن يجد مرشداً حياديا له يخلي بينه وبين سبيل الجمال والخير والمصلحة الشمولية للوجود، ومتى ما عجز الدين أن يوفر هذه المعطيات سيسقط ويموت كما ماتت غيره معارف وعلوم وثقافات فشلت في تقديم ما يوافق العقل والوجود ويسايرهما نحو المستقبل وحاجاته.

علينا أن نضع كل ما يصلنا أمام أعيننا الفاحصة عن خبايا وأسرار لم تعلن أو لم تبان كاملة، وفوق منصة النقد الممنهج العلمي والعملي، وبمختلف طرائق ومدارس النقد ومناهجه في الدراسة العميقة والتمحيص الدقيق، فما سلم منها نعطيه مجالا لأن ينفذ إلى عقولنا ونتعامل معه وبه ومن لم ينجح أو يجتاز أختبارات المنطق ومنهج النقد فلا نرميه ولا نتركه على حافة الإهمال.

إذن، لا بد من البحث عن نواقصه أو الإشكالات التي أثارتها القراءة، وعندها سنكتشف ما ينقصنا أو يعوزنا لتكتمل معه الصورة، أيضا أن عملية النقد، والتمحيص بحد ذاتها مشاركة عقلية مثرية للفكر ومتفاعلة بظروفها ومعطياتها مع أصل القضية، وبذلك يتحول الناقد إلى خالق معرفي أخر ويصبح المتاح المعرفي أوسع وقد يكون أشمل وهذا الحال بحد ذاته أنتصار للعقل البشري وأنجاز مشهود.

ملخص مقال "أهمية مشروع الدين وأرتباطه بالتحولات الزمنية الكونية"