ارتباك الاقتصاد الإيراني وسط مخاوف من عزلة عميقة

خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي سيعيد الاقتصاد الإيراني إلى عزلته من جديد في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية.

طهران ـ تعيش إيران حالة من الارتباك الاقتصادي وسط تخوفات من تراجع الاستثمارات الأجنبية ومغادرة الشركات الأوروبية خاصة في ظل انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وفرض عقوبات جديدة.

وبين المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية في أبوظبي أن انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي، بقرار من رئيسها دونالد ترامب، تسبب في انهيار الآمال الاقتصادية الإيرانية، إذ أن الانسحاب الأميركي، وبرغم أنه لم يتسبب في انهيار تام للاتفاق، فإنه تسبب في احداث حالة من البلبلة الشديدة، بل إنه خلق حالة من الخوف والتوجس لدى الشركات والمستثمرين، لاسيما مع إعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على إيران.

كما أمهلت الإدارة الأميركية الشركات الأجنبية العاملة في إيران فترة محددة لتصفيتها والخروج من هناك، قبل أن تطالها العقوبات ولاسيما أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي خرجت من الاتفاق النووي، وأن باقي الأطراف، بمن فيهم الدول الأوروبية والصين وروسيا، مازالوا مستمرين في الاتفاق، باعتباره يحقق أهدافه من وجهة نظرهم.

وأكد المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، وقيامها بفرض عقوبات على إيران مرة أخرى، سيعيد الاقتصاد الإيراني إلى عزلته من جديد، برغم محاولات باقي الدول المستمرة في الاتفاق. لاسيما أن الأمر الأكثر أهمية في هذا الإطار هو مدى اقبال الشركات والاستثمارات الأجنبية على التدفق إلى إيران، وبطبيعة الحال فإن هذا الإقبال سيكون ضعيفاً للغاية.

سياسة طهران تعصف بالاقتصاد
سياسة طهران تعصف بالاقتصاد

ويعود ذلك إلى عدة اعتبارات مهمة، ومنها أن هذه الشركات والاستثمارات ذاتها ستكون متخوفة من أن العقوبات قد تطالها من قريب أو من بعيد، بما يعرضها لخسائر كبيرة. كما أنه برغم محاولات الدول المتبقية في الاتفاق النووي إيجاد آليات جديدة للتعامل التجاري والاستثماري، بعيداً عن الآليات والقنوات المعتمدة على الولايات المتحدة، فإنها من دون شك لن تكون قادرة على إيجاد مخرج من تلك الآليات التي تعوض بشكل كامل تام، من المتبعة مع الولايات المتحدة.

 الإضافة إلى ذلك، فإن فرض الولايات المتحدة عقوبات على بعض الكيانات والشخصيات الإيرانية، قد يمنعهم من تنفيذ الصفقات والتعاملات التجارية والاستثمارية التي قد تكون كيانات وشركات تابعة للدول المستمرة في الاتفاق أطرافاً فيها، وهو ما يحرم هذه الأخيرة من المكاسب، بل قد يجبرها على تحمل خسائر غير متوقعة، على أنه بشكل أو بآخر، فإن خروج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق، قد تسبب في حالة من الانهيار شبه التام للاتفاق النووي.

وبرغم المحاولات من إيران بمساعدة باقي أعضاء الاتفاق، للإبقاء عليه حياً، فإن هذه الحالة ستتسبب في حرمان الاقتصاد الإيراني مما يقدر بنحو 200 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية التي كانت ستتدفق عليه في حال استمرار الاتفاق.

 ويمثل حرمان الاقتصاد الإيراني من هذه الاستثمارات الضخمة، التي كانت ستمثل طوق نجاة بالنسبة له، لاسيما أن معظمها كان سيوجه إلى القطاع النفطي، الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد الإيراني. فإيران التي تمتلك 158 مليار برميل من احتياطيات النفط، لا تنتج منه أكبر من 4.5 مليون برميل يومياً؛ وتمتلك 33.5 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي، لا تنتج منه أكبر من 202 مليار متر مكعب سنوياً، ما يشير إلى ضعف قدراتها الإنتاجية مقارنة بإمكاناتها، ويعود ذلك إلى عدم قدرتها على توفير الاستثمارات اللازمة لتطوير البنية التحتية للقطاع النفطي، بشقيه   النفطي أو الغازي، على مدار العقود الماضية، بسبب حالة العزلة التي كانت تعيشها.

عودة إلى الاضطراب

وأكد تقرير "المركز الإستشاري الإستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية، أنه، وفي ظل المعطيات الجديدة، سيكون الاقتصاد الإيراني مجبراً على العودة إلى معدلات النمو المتدنِّية والضعيفة التي ظلت مسيطرة على أدائه طوال العقود الماضية، حيث كان تدني معدلات النمو بمثابة الانعكاس المباشر للعزلة والعقوبات الثقيلة التي كانت مفروضة عليه. فبرغم أن اقتصاد إيران قد حقق نمواً بنحو 16.5بالمائة في عام 2016، متأثراً بحالة التفاؤل التي أطلقها تطبيق الاتفاق النووي في بداية نفس العام، فإن هذه الحالة التي انحسرت وتسبب في تراجع نموه إلى 3.5 بالمائة في عام 2017، فإن العام الجاري (2018)، سيشهد المزيد من التراجع في هذا النمو، وقد يصل إلى نصف مستواه في عام 2017 على أقل تقدير، ما يعني أن نموه لن يتجاوز 1.7بالمائة.

تراجع الايرادات
تراجع الايرادات

كما أن هذه الحالة سوف تشتد في عام 2019، الذي يتوقع أن يشهد فيه الاقتصاد الإيراني المزيد من الاضطراب، مع اتساع حجم العقوبات الأمريكية المفروضة عليه، وعدم قدرته على تعويض الانكماش المتوقع في حجم تجارته الخارجية وانحسار تدفقات الاستثمارات الأجنبية إليه، ناهيك عن عدم تمكنه من الحصول على إيراداته النفطية بشكل مستقر.

كما أن الموازنة العامة للدولة في إيران من المرجح أن تشهد المزيد من العجز خلال السنوات المقبلة، فبعد أن كان من المتوقع أن يؤدي رفع العقوبات عن إيران إلى تحول الموازنة من العجز إلى الفائض بداية من عام 2020، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن هذا الأمر يتوقع أن يحدث العكس، في ظل الظروف المستجدة، بل إن أزمة عجز الموازنة سوف تتفاقم، حيث ستتراجع الإيرادات النفطية التي تمثل ما يصل إلى 40 بالمائة  من الإيرادات العامة للدولة في إيران في موازنة عام 2018، الأمر الذي سيؤدي إلى مضاعفة معدلات العجز المالي إلى نحو 1.2 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بما كان متوقعاً قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.