ارتباك في القطاع المصرفي التركي يدفع الليرة نحو المجهول

الهيئة المشرفة على عمل البنوك في تركيا تتراجع عن الحظر الذي فرضته على تداول الليرة على ثلاثة بنوك أجنبية ومؤسسة "غولدمان ساكس" الدولية تدق أجراس الإنذار لليرة التركية التي تتوقع أن تخسر ما يزيد عن 14 في المئة إضافية من قيمتھا.

أنقرة - تراجعت أنقرة الاثنين عن الحظر الذي فرضته على بنوك أجنبية من تداول الليرة التركية التي سجلت انهيارا غير مسبوق الأسبوع الماضي، في خطوة تعكس حجم الارتباك الذي تعشيه حكومة حزب العدالة والتنمية وفشلها في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الخطيرة للبلاد التي ترى أوساط مالية دولية أن انعدام المصداقية السياسية فيها يساهم بشكل كبير في تعميقها.

وأعلنت الهيئة المشرفة على عمل البنوك في تركيا اليوم الاثنين في خطاب أنها أنهت حظرا فُرض على تداول الليرة على "بي.ان.بي باريبا" و"سيتي بنك" و"يو.بي.إس"، بعد مزاعم بأنهم اشتروا مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية ثم تخلفوا عن التزامات الليرة التركية لإضعافها.

وجاء في الخطاب الذي أكد متحدث باسم الهيئة فحواه أن البنوك التي استهدفها الحظر يوم الخميس بعد تسجيل الليرة مستوى قياسيا منخفضا جديدا مقابل الدولار "أوفت بالتزاماتها في إطار زمني معقول".

وقال الخطاب إن التحقيق الذي تجريه الهيئة في شأن البنوك الثلاث مستمر. لكنه لم يذكر تفاصيل.

ولتدارك الهبوط القياسي الليرة التركية التي هوت الخميس الماضي إلى 7.259، وهو أضعف مستوى لها على الاطلاق، ألقت الهيئة المسؤولية عن تنظيم المصارف التركية باللوم على بعض المعاملات المصرفية التي تؤثر على أسعار الصرف ووصفتها بأنها "استغلالية ومضللة".

وعلى اثر الانهيار القياسي لليرة دقت مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأميركية الدولية "غولدمان ساكس"، أجراس الإنذار قائلة ان العملة التركية "ألقيت في مياه مجھولة وخطيرة" بسبب ھروب رأس المال الأجنبي وعدم الثقة في السياسات الاقتصادية المطبقة.

وتوقعت "غولدمان ساكس" أن تخسر الليرة التركية ما يزيد عن 14 في المئة إضافية من قيمتھا بدءا من مايو الحالي ولغاية نھاية العام، لتصل إلى 25.8 ُ ليرة مقابل الدولار الأميركي.
وبحسب تقييم المؤسسة الأميركية، فإن الدولار سيصل إلى 5.7 ليرة في أغسطس و75.7 في نوفمبر.
ونسبت "غولدمان ساكس" التراجع الكبير في قيمة العملة التركية مقارنة بالدول الأخرى، إلى الحاجة لموارد خارجية مفرطة، وتوافر احتياطيات محدودة من العملات الأجنبية، وانعدام المصداقية السياسية، بما في ذلك توتر العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول كثيرة.
كما يرجع تدھور الليرة لسوء الإدارة العامة في تركيا وتدخل الرئيس رجب طيب أردوغان في سياسات البنك المركزي لبلاده، وخاصة القرارات الخاطئة التي تُخيف وتُبعد رأس المال الأجنبي، فضلا عن مشكلة الصادرات التي توقفت بدرجة كبيرة نتيجة انتشار وباء كورونا وانعدام عائدات السياحة التي لا يمكن التغلب عليھا في الظروف الحالية.

م
مراكز التسوق تستئنف نشاطها دون زبائن

والحظر الذي استهدف البنوك الثلاثة ضمن عدد من الإجراءات التي تبنتها حكومة حزب العدالة والتنمية قالت إنها لحماية العملة، في خطوة اعتبرت محاولة لامتصاص تداعيات الانهيار الخطير على الاقتصاد التركي المتأزم منذ أشهر.

وفي وقت سابق قالت وكالة أنباء الأناضول الرسمية إن الهيئة بدأت إجراءات بحق مؤسسات مقرها لندن وإنها حصلت على سلطات أكبر لملاحقة التلاعب في السوق.

وفي ذلك الوقت، قالت الهيئة إن البنوك الثلاثة عجزت عن أداء التزامات بالليرة في مواعيدها وإن الحظر شمل وحدات لها في دول أخرى.

وفرضت انقرة الحظر بعدما أخفقت محاولات التدخل في سوق الصرف وإجراءات جديدة لمكافحة التلاعب بالأسعار في الحد من انهيار الليرة.

لكن خبراء اقتصاديون أكدوا أن سقوط الليرة الكارثي مرتبط أيضا باستبعاد أحد صانعي السياسات في مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) احتمالات تمديد المركزي لخط مبادلة عملة مع أنقرة.

وكان رئيس بنك ريتشموند الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، توماس باركين، قد استبعد إمكانية قبول طلب اتفاقية مقايضة (SWAP) مع تركيا، قائلا إن الفيدرالي الأميركي يبرم اتفاقيات المقايضة مع الدول التي تجمعه بها "ثقة متبادلة".

وأضاف باركين أن الإمكانات التي يقدمها الفيدرالي الأميركي للبنوك المركزية الأجنبية تهدف إلى خلق حالة من الاستقرار بالأسواق، مشيرا إلى أن البنك لم يتأسس لتوفير الموارد وأن بإمكان تركيا استخدام إمكانية اتفاقيات إعادة الشراء ليوم واحد في الوقت الحالي.

ودقت مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأميركية الدولية "غولدمان ساكس"، أجراس الإنذار لليرة التركية، التي أشارت إلى أنها "ألقيت في مياه مجھولة وخطيرة" بسبب ھروب رأس المال الأجنبي وعدم الثقة في السياسات الاقتصادية المطبقة.

وعمقت أزمة انتشار فيروس كورونا جراح الاقتصاد التركي الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش بنسبة 5 بالمئة هذا العام، مما سيرفع معدل التضخم إلى 12 بالمئة والبطالة إلى 17.2 بالمئة. 

وخسرت الليرة التركية نحو 18 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الجاري في ظل ضغط من فيروس كورونا المستجد.

واليوم الاثنين، سمحت السلطات لمراكز التسوق في البلاد باستئناف أعمالها بعد إغلاقها سابقاً ضمن إطار تدابير مكافحة الوباء، لكن المحلات بدت خالية من الناس خوفا من تفشي موجة ثانية من الفيروس المستجد.

وترسم توقعات صندوق النقد صورة قاتمة أكثر لاقتصاد تركيا ربما تصل من خلالها البطالة إلى 30 بالمئة.