اردوغان يهرب إلى الأمام في مواجهة انهيار الليرة

الرئيس التركي يبدي تفاؤلا مبالغا فيه في تجاوز أزمة انهيار الليرة فيما توعدت أنقرة برد على مضاعفة واشنطن الرسوم الجمركية على واردات الصلب والالمنيوم من تركيا، مبقية على باب الحوار مفتوحا لإنهاء التوتر مع الولايات المتحدة على خلفية قضية القس الأميركي الذي تحتجزه.

تصريحات اردوغان الشعبوية تزيد الضغوط على الليرة
الأزمة بين واشنطن وأنقرة تغذي انهيار الليرة
خبراء يتوقعون أن تغرق تركيا في أزمة نقدية
تركيا لم تطلب بعد مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي

أنقرة - أبدى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تفاؤلا مفرطا في تجاوز أزمة انهيار الليرة التركية التي هوت إلى أدنى مستوياتها بعد أن أعلن الرئيس الأميركي مضاعفة الرسوم على واردات بلاده من الصلب والالمنيوم من تركيا، في هروب إلى الأمام لا يتوافق مع حجم المأزق الذي تواجه أنقرة.

وسجلت الليرة التركية الجمعة تراجعا حادا تغذيه الأزمة بين أنقرة وواشنطن وإن كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أكد أن بلاده ستخرج منتصرة من هذه "الحرب الاقتصادية"، داعيا الأتراك إلى تحويل ما يملكونه من عملات أجنبية لدعم الليرة.

ويأتي تصاعد التوتر بين تركيا والولايات المتحدة على خلفية احتجاز أنقرة قسا أميركيا منذ 2016 تتهمه بالارتباط بشبكة فتح الله غولن الذي تتهمه بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشل ودعم المتمردين الأكراد.

وتسارع تدهور الليرة التركية مسجلة هبوطا حادا بنسبة 16.4 بالمئة في يوم واحد مقابل الدولار وتم التداول بها بمستوى 6.4 ليرات للدولار الواحد في الساعة 16:00 بتوقيت غرينيتش بعدما بلغ الدولار 6.87 ليرات إثر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات تركيا من الصلب والالمنيوم.

اردوغان يواجه إحدى أصعب التحديات الاقتصادية منذ وصوله إلى السلطة في 2003

ودعا اردوغان الذي يواجه إحدى أصعب التحديات الاقتصادية منذ وصوله إلى السلطة في 2003، الأتراك إلى "الكفاح الوطني"، قائلا "إن كان لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونه، اذهبوا إلى المصارف لتحويلها إلى الليرة التركية"، في كلمة ألقاها في بايبورت (شمال شرق) ونقلتها شبكة "تي آر تي" التلفزيونية الرسمية.

وقال قبلها "لن نخسر في هذه الحرب الاقتصادية"، لكن هذه التصريحات لم تفعل سوى أن زادت من الضغوط على الليرة فيما تأثرت الأسواق المالية بالأزمة فانخفضت أسهم عدة بنوك أوروبية في حين فتحت بورصة وول ستريت على انخفاض وهو ما يؤشر إلى الخشية من عدوى عالمية.

ورأى المحلل لدى "إكس تي بي" ديفيد تشيثام في مذكرة أن تراجع الليرة التركية الجمعة "يظهر أن المستثمرين متخوفون بشكل متزايد من أزمة نقدية شاملة وشيكة".

ولدى إعلانه على تويتر رفع الرسوم على واردات الصلب والألمنيوم من تركيا، ذكر ترامب بأن "علاقاتنا مع تركية ليست جيدة في الوقت الحالي".

وكما ولو أن في الأمر دلالة ما، أعلنت الرئاسة التركية بعيد هذه التغريدة أن اردوغان تحادث هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين وأنهما تباحثا بشكل خاص في الوضع في سوريا والمبادلات التجارية.

وتعاني العملة الوطنية التي فقدت قرابة نصف قيمتها مقابل الدولار واليورو منذ مطلع العام، من الأزمة الدبلوماسية الخطيرة بين أنقرة وواشنطن وريبة الأسواق المتزايدة حيال فريق اردوغان الاقتصادي.

وكانت الليرة التركية تراجعت الخميس بأكثر من 5 بالمئة مقابل العملة الأميركية غداة مفاوضات غير مثمرة بين دبلوماسيين أميركيين وأتراك رفيعي المستوى سعيا لتسوية الخلافات بين البلدين اللذين فرضا الأسبوع الماضي عقوبات متبادلة على مسؤولين حكوميين.

وتتخوف الأسواق من المنحى الذي ستتخذه سياسة اردوغان الاقتصادية، في وقت يتحفظ فيه البنك المركزي التركي على رفع معدلات فائدته للحد من تضخم بلغ معدله السنوي حوالى 16 بالمئة في يوليو/تموز.

وفي مواجهة هذا الوضع، أشار اردوغان الجمعة بالاتهام إلى "لوبي معدلات الفائدة" من غير أن يحدد ملامح هذه الجهة الغامضة.

وكان قد أعلن في خطاب سابق ليل الخميس الجمعة "إذا كان لديهم دولارات فلدينا شعبنا ولدينا حقنا ولدينا الله"، ما عزز مخاوف الأسواق.

وتخطى القلق الجمعة حدود تركيا مع نشر صحيفة فاينانشل تايمز مقالة ذكرت فيها أن البنك المركزي الأوروبي يخشى من احتمال انتشار عدوى هذه الأزمة النقدية إلى بعض المصارف الأوروبية الحاضرة بقوة في تركيا.

تركيا تسعى للتهدئة وتلوح بالرد

وحذرت تركيا الجمعة من أن زيادة الرسوم الجمركية بمرتين على واردات الصلب والألمنيوم التركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستضر بالعلاقات، متوعدة بالرد ضد إجراء قالت إنه يتعارض مع أحكام منظمة التجارة العالمية.

إلا أن أنقرة أكدت أيضا على لسان المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي في بيان أنها تريد حل الخلافات عن طريق الدبلوماسية والحوار والنوايا الحسنة والتفاهم الثنائي.

وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان "يجب أن تعلم الولايات المتحدة بأن النتيجة الوحيدة التي ستجلبها مثل هذه العقوبات والضغوط هي إلحاق الضرر بعلاقاتنا كحليفين".

وأضافت "كما هي الحال مع كل الإجراءات التي اتخذت ضد تركيا، سيتم إعطاء الرد الضروري". وقالت إن هذه الخطوات "تجاهلت" أحكام منظمة التجارة العالمية.

وجاءت تعليقات أقصوي بعد أن أجج ترامب النزاع مع أنقرة بفرض رسوم استيراد أعلى على واردات الصلب والألومنيوم، معمقا الاضطرابات في الأسواق المالية التركية.

وقال، إنّ فرض الرئيس الأميركي ( دونالد) ترامب ضرائب إضافية على صادراتنا من الفولاذ والألومنيوم لا يمكن أن يتوافق مع رزانة دولة.

موجة انهيار الليرة تضع الاقتصاد التركي على حافة اسوأ أزمة اقتصادية
الليرة في أسوأ وضع

وأكد أيضا أن على الولايات المتحدة "أن تعلم أنها لن تحقق أي نتائج بخصوص التعاون، عبر مثل هذه العقوبات والضغوط وأنها ستلحق الضرر فقط بعلاقاتنا الحليفة التي اكتسبت بعد اجتياز اختبارات قاسية".

وأضاف متحدث الخارجية التركية "سيتم الرد بما يلزم على جميع الخطوات التي اتخذت حتى اليوم وفي المستقبل ضد تركيا (من قبل الولايات المتحدة)".

ولفت أقصوي إلى أن تركيا تسعى دائماً لحل المشاكل عبر الدبلوماسية، والحوار، والتفاهم المتبادل، وحسن النية.

وفي وقت سابق اليوم الجمعة، قال ترامب في تغريدة عبر حسابه على تويتر إن "الليرة التركية تتراجع بسرعة أمام الدولار الأميركي".

وأعلن أنه صادق على مضاعفة الرسوم المفروضة على الصلب والألومنيوم القادم من تركيا.

وذكر أن الرسوم "ستكون بعد الآن بمعدل 20 بالمئة في الألومنيوم و50 بالمئة في الصلب".

ويعكس التهديد التركي برد على الرسوم التي أعلنها ترامب وأيضا حديث أنقرة عن ضرورة حل الخلاف بالحوار، حالة من الإرباك في مواجهة الضغوط الأميركية في الوقت الذي هوت فيه قيمة الليرة إلى أدنى مستوى لها في سياق موجة انهيار لم تشهدها تركيا.

وتشير تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان التي دعا فيه الشعب التركي إلى الإقبال على شراء الليرة التركية في مواجهة ما اعتبرها حربا اقتصادية على بلاده، إلى حجم المأزق الذي أغرق فيه تركيا بإصراره على التصعيد مع واشنطن من جهة وبتدخله في السياسة النقدية.

ورغم أن اردوغان أبدى تفاؤلا مبالغا فيه في كسب المعركة داخليا وخارجيا، توقع خبراء أن تغرق تركيا قريبا في أسوأ أزمة نقدية وأنها قد تضطر إلى طلب مساعدة مالية من صندوق النقد.

لكن متحدثة باسم الصندوق قالت اليوم الجمعة إن تركيا لم تتصل بصندوق النقد لطلب مساعدة مالية.

وأضافت المتحدثة راندا النجار قائلة في بيان "لم نتلق أي إشارة من السلطات التركية إلى أنها تدرس طلب مساعدة مالية".

وقالت إن صندوق النقد لن يعقب على الهبوط الحاد في الليرة التركية، مؤكدة أن "صندوق النقد الدولي لا يعقب على التحركات اليومية للعملات".