ازمات لبنان الديموغرافية

النزوح السوري آخر اطلالات الاختلال الديمغرافي في لبنان.

لطالما شكل العاملان الجغرافي والديموغرافي في الواقع اللبناني، أزمات لا تعد ولا تحصى، ومن ابسط القضايا العثور على أزمات معقدة ومتشابكة حيث تختلط عناصر خارجية وداخلية لتشكل مؤثرات قوية على واقع النظام المأزوم والمتخم أصلا بأزمات ممتدة ومتواصلة منذ نشأته الى يومنا هذا.

وأخر اطلالات القضايا الديموغرافية ما اثير حول النزوح واللجوء السوري في لبنان، الذي بات وبتأكيد رسمي مؤخرا عبر رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، الذي طلب من المجتمع الدولي المساعدة على إعادة النازحين السوريين الى المناطق الآمنة، ولم تقف هذه المطالبات عند هذا الحد، فقد طرح الامر في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي عقد في لبنان الأسبوع الماضي، والذي لم يتوصل الى حلول عملية قابلة للتنفيد، ملمحا الى صعولة الامر في هذه الظروف.

في واقع الأمر ثمة مشكلة حقيقية يمر فيها لبنان حاليا، وهي الضغوط الناشئة عن النزوح السوري، الذي بات يشكل تحديا له صلة بالعديد من الأوجه الاقتصادية والاجتماعية وصولا الى الطبيعة الديموغرافية التي يعيشها لبنان. ومسألة النزوح السوري في لبنان لها أوجه كثيرة بعضها يصعب حلها وبالأخص القضية ذات الصلة بالأعداد وبطبيعة تواجدها في مختلف المناطق. فحتى الآن ليس هناك ارقاما دقيقة متفق عليها رسميا عبر الأمم المتحدة او السلطات اللبنانية المختصة بذلك، علاوة على دوام الدخول والخروج من لبنان واليه، حيث يصعب حصر الاعداد بدقة لكي يتم متابعتها وايجاد الحلول لها. فلا المؤسسات الدولية مهتمة بشكل فعلي في البحث عن وسائل مناسبة للاعادة ولا لجهة متابعة متطلبات الوجود التي باتت ذات اكلاف باهظة جدا على الواقع اللبناني المأزوم في الأساس.

وعلى الرغم من عدم وجود ارقام رسمية دقيقة، ثمة معلومات متقاطعة مع العديد من المصادر ذات الثفة، ان الاعداد تجاوزت بمجملها ثلث عدد الشعب اللبناني، وثمة من يقول انه وصل الى النصف، وهي معضلة كبيرة من الصعب على لبنان هضمها والقبول بها تحت اي ظرف من الظروف. فالواقع الديموغرافي يعاني من اختلال وتشوهات كثيرة لجهة التوزع البشري او الطائفي او المذهبي، علاوة على الأثر المتصل بالوجود الفلسطيني منذ العام 1948 علاوة على الهجرات المتتالية بعد العام 1969 وصولا لنتائج الازمة السورية ونزوح الكثير من الفلسطينيين من سوريا الى لبنان.

والامر الذي زاد الطين بلة، الجانب الاقتصادي من القضية، حيث يعاني لبنان أسوأ ظروف اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث والمعاصر، اذ بات الضغط على الخدمات التي تؤمنها المرافق والمؤسسات الرسمية اللبنانية بمستويات عالية وضخمة جدا في ظل شح المساعدات الدولية وعدم قدرة لبنان بطبيعة الحال تحمل هذا الاستنزاف المتزايد الذي يعاني أصلا من مصاعب كثيرة جدا وبخاصة بعد العام 2019.

في المحصلة، ان الواقع السكاني والديموغرافي الذي يعاني منه لبنان سابقا وحاليا، هو ذو صلة بالكيان وطبيعة تركيبته الحساسة، والتي كانت في الأساس احد مسببات الانقسام العامودي الحاد في الحياة السياسية اللبنانية، والتي كانت سببا مباشرا في النزاعات والحروب الاهلية المتولصة، وتأتي الظروف الاقتصادية الحالية لتعيد صياغة المشكلة من زاوية المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية للبنان، وهي مساعدات زهيدة جدا، في ظل ضغط اجتماعي اقتصادي هائل.

ما اثير في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأسبوع الماضي، يشي بصورة قاتمة للواقع الحالي، حيث لا مقترحات إجرائية قابلة للتنفيذ، ولا حتى تصورات للمستقبل القريب او البعيد، وبذلك ثمة مشكلة قائمة ستزداد تداعياتها وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، وثمة من يضيف عليها أيضا تداعيات امنية، وهي المشكلة الأكثر حساسية وتأثيرا في الواقع اللبناني الذي بالتأكيد لا ينقصه المزيد من المآسي.