ازمة الجنسية والتجنيس في لبنان

معضلات الجنسية والتجنيس ليست امرا جديدا في الحياة السياسية اللبنانية. ضع مفردات سوريين وفلسطينيين وعراقيين للكلام وسترى ردود الفعل.
معضلة التجنيس لها سوابق كثيرة غالبا ما أدت الى استفحال النزاع بين الفرقاء اللبنانيين
أزمة ليست عابرة وانما تعبر عن ازمة حكم وحكومة ونظام تتفاعل اليوم في ظروف مصيرية

لطالما شكلت الجنسية والتجنيس في لبنان ازمة بحد ذاتها، وسرعان ما كانت تتحول الى ازمة حكم وحكومة، وغالبا ما كانت تتطور الأمور لترتبط بطبيعة النظام والتحولات الطارئة على طبيعته الديموغرافية وتداعياتها الاجتماعية والطائفية ليطالب ابضا بإعادة النظر في تركيبة السلطة والنظام السياسي بناء على متغيرات ديموغرافية ربطا ووصلا بمشاريع تجنيس.

ولبنان الكبير الذي انشئ ككيان سياسي في العام 1920 قام على غزل سياسيي طائفي، ربطا بضم الاقضية الأربعة ذات الغالبية المسلمة الى جبل لبنان ذات الغالبية المسيحية، وظلت هذه التركيبة الملتبسة مصدر قلق سياسي طائفي مع الزمن، حيث فعل التزايد السكاني والهجرة اللبنانية والتهجير القسري، إضافة الى اللجوء الفلسطيني في الأعوام 1984 و1967 و1969 وما بعدها خلال الحرب الاهلية، ومن بعدها سلسلة النزوح السوري ما بعد العام 2010 وحتى اليوم، جميعها شكلت بؤر توتر اجتماعي سياسي مقلق، تحول مع الوقت ليصل حاليا الى ازمة اجتماعية اقتصادية سياسية تنذر بتعقيدات لا سابق لها في الحياة السياسية اللبنانية بفعل ربطها بالعديد من القضايا ذات الصلة حاليا بتركيبة النظام وغيرها.

وفي مستجدات القضية حاليا ثمة ازمة في العلاقة بين طرفي السلطة التنفيذية في لبنان، رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية حول مشروع قانون تجنيس قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية الحالي. وفي هذا السياق درجت العادة قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ان يتم إقرار مراسيم تجنيس معدة سلفا للبنانيين مهاجرين وهؤلاء يسمون ضمن لوائح إعادة الجنسية بعد فقدانها لسبب ما سابقا، وهي بالأساس قانونية لكن لها تداعيات اجتماعية سياسية لجهة اعداد المسيحيين فيها مقارنة بالمسلمين، ورغم ذلك تبدو المعضلة الأكبر في تجنيس افراد وجماعات لا صلة بلبنانيتهم لجهة الدم او غيرها من الأسس القانونية التي يمكن ان تعتمد؛ وهي في واقع الامر لها تداعيات يعتبرها البعض خطرة على التركية الاجتماعية السياسية والطائفية للمجتمع اللبناني، الذي يعاني في الأساس من خلل بنيوي واضح.

وتشكل هذه القضية اليوم، معضلة كبيرة لاسيما ما يرشح من عمليات تجنيس لفلسطينيين وسوريين وعراقيين وغيرهم ممن دخلوا الى لبنان بظروف مختلفة، في وقت يعاني لبنان اليوم من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، ما أدت في بعض الحالات الى صدامات بين متنافسين كثر على فرص العمل والإقامة المفقودة أساسا ما يهدد بفلتان امني خطر كما يبدو حاليا. وتشتد هذه الازمة اليوم بفعل التجاذب الحاصل بين طرفي السلطة التنفيذية اليوم واثر ذلك على تشكيل الحكومة المتعثر حاليا ثم ربطها بانتخاب رئيس للجمهورية التي يبدأ استحقاقها في الأول من سبتمبر/أيلول القادم.

معضلات الجنسية والتجنيس ليست امرا جديدا في الحياة السياسية اللبنانية، انما لها سوابق كثيرة غالبا ما أدت الى استفحال النزاع بين الفرقاء اللبنانيين التي بدت في غالب الأحيان سببا رئيسا لارتفاع منسوب النزاعات اللبنانية الحرجة كما ظهرت في الحرب الاهلية في العام 1975 وما تلاها، وثمة من يربط اتفاق الطائف في العام 1989 وتعديلاته الدستورية، ومرسوم التجنيس الشهير في العام 1993 الذي تم فيه تجنيس مئات الآلاف وسط اعتراضات عالية السقف آنذاك.

ازمة اليوم لا شك ليست عابرة وانما تعبر عن ازمة حكم وحكومة ونظام تتفاعل اليوم في ظروف مصيرية يمر فيها لبنان. فهل سيكون الخلاف سببا في تسعير التباين والدخول في المجهول، لجهة عدم تشكيل الحكومة او الوصول الى الفراغ الرئاسي الذي باتت ملامحه تلوح في الأفق. في الحقيقة لا ينقص لبنان مشاكل وقضايا خلافية إضافية، لبنان بحاجة اليوم الى مزيد من ظروف العناية الفائقة لتقطيع أسوأ الأوقات التي يمر بها في تاريخه الحديث والمعاصر.