ازمة المحجبات في المطارات الاميركية

اميركيتان مسلمتان تصران على الحجاب رغم كل ما قد يجلبه من مشكلات

واشنطن - اعتذرت شركة طيران أميركية كبرى عن إجراء تمييزي كانت قد قامت به بحق مسافرة مسلمة. فقد وجهت شركة "دلتا أيرلاينز"، وهي واحدة من أكبر شركات الطيران الأميركية، اعتذاراً لفتاة مسلمة أميركية في السابعة عشرة من عمرها عن حادثة أجبرت فيها الفتاة المسلمة على خلع غطاء رأسها أمام العامة بسبب ضغوط رجال أمن المطار.
وقد استحوذت الحادثة على اهتمام الإعلام الأميركي خلال الأسابيع الماضية، وتم تغطيتها من قبل غالبية وسائل الإعلام الأميركية بما في ذلك شبكة "سي إن إن" الإخبارية وصحيفة "واشنطن بوست".
وقد جاء اعتذار الشركة في صورة خطاب رسمي بعثت به إلى الفتاة المسلمة عن طريق مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية "كير"، إضافة إلى اتصال هاتفي اعتذر فيه فريدريك ريد رئيس شركة "دلتا أيرلاينز" للفتاة المسلمة شخصياً.
وقال ريد في خطابه الرسمي إلى الفتاة "نحن نادمون ونعتذر عن الإحراج والمضايقة التي واجهتيها، وتأكدي أننا نتعامل مع هذا الأمر بكل جدية". كما أشار إلى أن ما طال الفتاة المسلمة من تمييز هو "أمر غير قانوني وخاطئ ولا يجب التسامح معه"، على حد تعبيره.
ويأتي الاعتذار بعد أن طالب مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير"، والذي أثار قضية الفتاة المسلمة في الثامن من يناير الحالي، مسؤولي مطار بالتيمور- واشنطن الدولي بالاعتذار، وذلك بعد أن اتصلت الفتاة بالمجلس واشتكت مما تعرضت له على أيدي رجال الأمن في المطار أثناء سفرها مؤخراً على إحدى رحلات شركة دلتا.
إذ ذكرت الفتاة أنه بعد مرورها من نقطة تفتيش الأمن بالمطار، والتي يمر بها جميع المسافرين خاطبها أحد الحراس بلغة فظة قائلاً "يجب عليكِ أن تخلعي هذا" مشيرا إلى حجابها، فأجابته قائلة "لماذا ينبغي عليّ خلع غطاء رأسي؟"، وبعد ذلك فوجئت بقيام بعض رجال أمن المطار العسكريين - في زيهم العسكري وأسلحتهم - بإحاطتها، مما أصابها بخوف شديد، مما دفعها إلى نزع حجابها بسرعة.
وقد وصف المجلس في بيانات بعث بها إلى الصحافة الأميركية ما تعرضت له الفتاة المسلمة من تخويف دفعها إلى نزع حجابها أمام العامة بأنه أشبه "بتفتيش جسدي لامرأة" أمام الجمهور، وذلك لإيضاح جسامة الضرر الذي لحق بالفتاة المسلمة لإجبارها على خلع الحجاب، مشيراً إلى أن التعاليم الإسلامية تفرض على النساء المسلمات ارتداء الحجاب أمام العامة، ومؤكداً على اعتزاز الفتاة المسلمة بحجابها.
كما أشار المجلس في بيانه إلى تلقيه أكثر من 170 تقريراً عن حوادث أخرى تعرض فيها مسافرون مسلمون وعرب للتمييز أثناء سفرهم في المطارات الأميركية.
وتعليقا على اعتذار شركة دلتا، أعرب السيد نهاد عوض مدير "كير" عن أمله في أن يعبر اعتذار دلتا أيرلاينز للفتاة المسلمة عن تحوّل نسبي في موقف الرأي العام الأميركي تجاه ما يتعرض له المسلمون والعرب في أميركا من تمييز بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وأضاف عوض في تصريحاته" قائلاً "تلقى المجلس منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر أكثر من 1600 شكوى تتضمن انتهاكات خطيرة تعرضت لها حقوق وحريات مسلمي أميركا، ونحن نتعامل مع هذا الكم من القضايا بمواردنا المحدودة وفي ظل جو عام غير مشجع"، على حد تعبيره. قضية أخرى تتفاعل وتندلع في الوقت ذاته قضية مشابهة تكشف عن شيوع التمييز ضد المحجبات في المطارات الأميركية. إذ تسعي مسلمة أميركية من أصل باكستاني لمقاضاة سلطات أمن مطار أوهير بولاية ألينوي، لتعريضهم إياها لتفتيش مهين وغير مبرر لأسباب ترجع لخلفيتها العرقية والدينية أثناء سفرها عبر المطار في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في طريق عودتها من مؤتمر بمدينة شيكاغو إلى محل إقامتها في مدينة كولومبس بولاية أوهايو.
وتذكر الفتاة المسلمة سمر كوكب، والتي تبلغ من العمر 22 عاماً، أنها سافرت إلى شيكاغو لحضور مؤتمر نظمته مؤسسة "متطوعين في خدمة أميركا" المعروفة اختصاراً بـ"فيستا"، والتي تهتم بعلاج مشاكل الفقر وتدني مستويات المعيشة بالمدن الأميركية الفقيرة، وبعد انتهاء المؤتمر توجهت بصحبة مجموعة من المشاركين فيه إلى مطار أوهير عائدة إلى محل إقامتها.
وأوضحت الشابة المسلمة أنها مرّت مع جميع المسافرين على نقاط تفتيش الحقائب، ثم توجهت بعد ذلك إلى نقاط تفتيش المسافرين، ثم عبرت من خلال نقطة تفتيش المسافرين الإلكترونية دون أن ينطلق إنذار نقطة التفتيش، ومع ذلك توجه إليها أحد رجال الأمن وأصر على إخضاعها لمزيد من التفتيش دون أي دليل على حملها لمواد معدنية، وأصر رجل الأمن على تمرير جهاز كشف المعادن المحمول على جسدها وعلى حذائها، كما قام بلمس النصف الأعلى من جسدها.
وفي ذلك الحين كان العديد من المسافرين قد تجمعوا بسبب بطء عملية تفتيش المسلمة أو لمشاهدة الحدث، واستمر موظف الأمن في تمرير جهاز كشف المعادن المحمول ببطء شديد على جسد الفتاة المسلمة، ثم مرره أكثر من مرة على رأسها، ورغم عدم إطلاق جهاز المعادن المحمول لأي إنذار، طلب موظف الأمن من الفتاة المسلمة خلع حجابها، وهو ما رفضته الفتاة موضحة أنها لا تستطيع خلع حجاب رأسها أمام العامة لأسباب دينية، وأنها مستعدة لفعل ذلك في مكان خاص وفي حضور موظفات أمن فقط.
وأوضحت الفتاة المسلمة أن رفضها إزالة الحجاب لا يعبر عن رغبتها في عدم التعاون مع رجال الأمن، ولكنه أمر ضروري وفقاً لدينها، ومع ذلك طالب رجل الأمن الفتاة المسلمة مجدداً بخلع حجابها.
وبعد محادثات بين رجال الأمن، اصطحب أحد رجال الأمن الفتاة المسلمة إلى أحد مكاتب التفتيش لإخضاعها لخلع حجابها، مصرّاً على تواجده في الغرفة أثناء خلعها لحجابها، وهو ما رفضته الفتاة المسلمة باستمرار موضحة أسبابها الدينية ومؤكدة رفضها خلع حجابها أمام رجال الأمن، ومطالبة بوجود موظفات أمن فقط معها في الغرفة أثناء التفتيش، وبعد إصرارها وافق موظف الأمن على أن تصطحب شرطيتان الفتاة المسلمة لغرفة خاصة لإجراء علمية التفتيش.
وتوضح الفتاة المسلمة أن الشرطيتين اللتين اصطحبتاها لغرفة التفتيش لم تكتفيا بتفتيش حجابها وإنما أخضعتاها لتفتيش جسدي كامل، وهو الأمر الذي أصابها بالذهول ودفعها للانخراط في حالة رعب وبكاء مستمرين بعد الانتهاء من عملية التفتيش.
وتقول سمر كوكب إن "التجربة بأكملها كانت مهينة، لقد شعرت أن أفراد الأمن استهدفوني وكأنني لا أنتمي لبلدي (الولايات المتحدة) ولا يُوثق بي ولا يُرحّب بي فيه"، وقالت بكل أسف "لم يحدث لي مثل هذه من قبل".
وقد قدمت الفتاة المسلمة شكواها للاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU)، والذي يعد أحد أكبر جماعات الحقوق المدنية بالولايات المتحدة. وقد قد رأي محامو الاتحاد أن الفتاة أخضعت لتفتيش مبالغ فيه وغير مبرر، وأرجعوا سبب ذلك في قضية رفعوها أمام أحد محاكم شيكاغو بولاية ألينوي ضد سلطات الحراسة وشركات الأمن بمطار أوهير، نيابة عن الفتاة المسلمة، إلى دينها وخلفيتها العرقية اللذين كانا واضحين بسبب ارتدائها للحجاب.
كما رأي المحامون أن ما تعرضت له الفتاة المسلمة يعبر عن نموذج متزايد من سلوكيات التمييز الديني والعرقي ضد المسافرين المسلمين والعرب بالمطارات الأميركية بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
ويساند مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية "كير" مساعي الفتاة المسلمة سمر كوكب لمقاضاة شركة الأمن، كما يعمل على إثارة القضية في الإعلام الأميركي بغرض دعم حملة الفتاة المسلمة بالضغط الإعلامي والجماهيري الذي تحتاجه.