استجابة واسعة للإضراب العام تعيد الزخم لاحتجاجات العراق

قائد بعثة حلف شمال الأطلسي في العراق يصف أعمال العنف التي شهدتها الاحتجاجات المناهضة للحكومة بـ"مأساة مطلقة".
حلف الناتو يواصل حث الحكومة العراقية على ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين
المحال التجارية والمدارس والمؤسسات الحكومية أغلقت أبوابها

بغداد - استجاب الآلاف من العراقيين اليوم الأحد للإضراب العام عن العمل الذي دعا إليه المحتجون دعما لمطالب المظاهرات التي يشهدها العراق للمطالبة باستقالة الحكومة وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة في البلاد.

وقال الشهود عيان إن الآلاف من طلاب المدارس والجامعات وموظفي العتبات المقدسة والدوائر الحكومية خرجوا إلى الشوارع في مناطق متفرقة من بغداد وعدد من المحافظات لتأييد مطالب المتظاهرين الذين رحبوا بعودة الزخم إلى الحراك الشعبي المتواصل حتى "إسقاط النظام".

ووسط بغداد وصل المئات من المحتجين إلى جسر "الأحرار" على نهر دجلة بعد اشتباكات مع قوات الأمن التي تراجعت من المنطقة المحيطة بالجسر فيما لوح المتظاهرون بالعصيان المدني إلى حين رحيل الحكومة وكل المسؤولين الفاسدين.

وذكر شهود عيان أن العشرات من المتظاهرين أصيبوا الأحد بحالات اختناق إثر استنشاقهم الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الأمن تجاههم خلال مواجهات رشق فيها المحتجون أفراد الأمن بالحجارة.

واعتبر قائد بعثة حلف شمال الأطلسي في العراق الجنرال داني فورتين الأحد، في ختام مهمته التي استمرت عاماً كاملاً، أن أعمال العنف التي شهدتها الاحتجاجات المناهضة للحكومة "مأساة مطلقة".

وقتل أكثر من 330 شخصاً، غالبيتهم من المتظاهرين، منذ انطلاق موجة الاحتجاجات المطلبية في الأول من أكتوبر تشرين الأول.

وقال الجنرال الكندي الذي يرأس بعثة تضم مستشارين ومدربين إن حلف "الاطلسي يواصل حض الحكومة العراقية على ضبط النفس، خلال أحداث الأسابيع الستة الماضية والتي كانت مأساة مطلقة".

وتقدم البعثة التي تأسست قبل عام المشورة والتدريب للقوات العراقية، في ثلاثة معاهد عسكرية، غير أن فورتين لفت إلى أنها لم تكن مفوضة بتدريب القوات على مكافحة التظاهرات والشغب.

وتعرضت قوات الأمن العراقية الى انتقادات حادة خلال الأسابيع الاخيرة، بسبب استخدامها للرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع بهدف صد المحتجين.

واتهمتها منظمات حكومية أيضا بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بشكل غير صحيح من مسافات قريبة، ما أدى إلى وقوع قتلى واصابات “مروعة” من خلال اختراق القنابل للجماجم.

وتضم قوات الأمن العراقية، قوات عسكرية تقليدية والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي، يضم فصائل غالبيتها شيعية مقربة من إيران، وألحقت مؤخرا بالقوات الحكومية الرسمية.

ولا تزال بغداد منذ بداية المظاهرات تشهد أعمال كر وفر بين المحتجين وقوات مكافحة الشغب.

وتؤدي الجسور الثلاثة (الجمهورية والسنك والأحرار) إلى المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، التي تضم مباني الحكومة والبعثات الدبلوماسية الأجنبية. وقد أغلقت الجسور منذ بداية الاحتجاجات بكتل أسمنتية تفصل بين المتظاهرين وقوات الأمن.

وشهدت عدة محافظات خاصة الجنوبية منها انتشار أمني كثيف منذ الصباح وأغلقت الطرق والجسور ونشرت قوات إضافية لمنع تدفق المشاركين في الإضراب من الوصول إلى ساحات التظاهر.

وأعلنت محافظات بابل وواسط وميسان وذي قار اعتبار اليوم الأحد عطلة رسمية على خلفية الإعلان عن الإضراب العام، حيث أغقلت المحال التجارية والمدارس والمؤسسات الحكومية أبوابها باستثناء قطاع الصحة وذلك تضامنا مع المحتجين في ساحات الاعتصام.

وكان المحتجون العراقيون قد أطلقوا دعوة إلى جميع الموظفين وأصحاب الشركات والمؤسسات إلى إضراب عام عن الدوام الأحد دعما للمظاهرات التي تجتاح المدن العراقية للأسبوع الرابع على التوالي.

وأعاد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تفعيل هاشتاغ #ماكو_وطن_ماكو_دوام (لا يوجد وطن لا يوجد دوام) استجابة لدعوات الإضراب.

ورحب المحتجون في ساحات التظاهر بانطلاق الإضراب العام لما له من أهمية كبيرة في دعم مطالب المتظاهرين في إسقاط الحكومة وحل البرلمان وتعديل الدستور.

وأكد متظاهرون أن مجرد إعلان الإضراب العام هو انتصار لمطالب المتظاهرين حتى وإن كان إضرابا طوعيا أو حتى لو كان إيقاف العمل أو التجمع أمام الأبنية الحكومية دون الوصول إلى ساحات التظاهر أو الخروج إلى الشوارع.

وشهدت الساعات الـ24 الماضية حالة من الهدوء في ساحات التظاهر في ساحة التحرير والخلاني في بغداد وأمام أبنية مجالس المحافظات في البصرة وميسان والناصرية وواسط والديوانية والسماوة والنجف وكربلاء وبابل.

ونشرت الحكومة العراقية تعزيزات أمنية في الشوارع لحماية التطورات الجديدة في الشوارع وضبط الأمن.
وقال رافد الجمالي أحد متظاهري محافظة النجف (جنوب) إن "جميع المحال التجارية وسط مدينة النجف أغلقت أبوابها اليوم وخط أصحابها عليها نحن متضامنون مع المحتجين".
وأوضح الجمالي أن "ساحة الاعتصام وسط مدينة النجف شهدت فجر الأحد توافد الآلاف من المحتجين من بينهم موظفو دولة".

وانضم طلبة المدارس والجامعات في النجف للإضراب وتوجهوا إلى ساحات التظاهر.
كما شهدت محافظة البصرة (جنوب)، قطع العديد من الطرق الرئيسة في المحافظة تضامنا مع دعوة الإضراب العام عن الدوام، وفقا لعلي عبداللطيف أحد المحتجين.
وقال عبد اللطيف إن "غالبية الطرق الرئيسة وسط البصرة أغلقت من قبل المحتجين، وهناك موظفون انضموا إلى الاحتجاجات معلنين الإضراب العام عن الدوام".
ويشهد العراق منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجات غير مسبوقة تطالب برحيل حكومة عادل عبد المهدي، التي تتولى السلطة منذ أكثر من عام.
ومنذ ذلك الوقت، سقط في أرجاء العراق 335 قتيلاً و15 ألف جريح، حسب أرقام لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، ومفوضية حقوق الإنسان (رسمية تتبع البرلمان)، ومصادر طبية وحقوقية.
والغالبية العظمى من الضحايا من المحتجين الذين سقطوا في مواجهات مع قوات الأمن ومسلحي فصائل شيعية مقربة من إيران.
وطالب المحتجون في البداية بتحسين الخدمات وتأمين فرص عمل ومحاربة الفساد، قبل أن تشمل مطالبهم رحيل الحكومة والنخبة السياسية المتهمة بالفساد.
ويرفض عبد المهدي الاستقالة، ويشترط أن تتوافق القوى السياسية أولا على بديل له، محذرا من أن عدم وجود بديل "سلس وسريع"، سيترك مصير العراق للمجهول.