استحقاقات لبنان في ظروف استثنائية

واقع مرير يعيشه لبنان يتطلب البحث عن حلول، بل معجزات.
إعادة تكوين السلطة ليست بالأمر اليسير في ظل ظروف اقتصادية ومالية واجتماعية متدهورة
الواقع المرير الذي يعيشه لبنان يتطلب البحث عن حلول بل معجزات

تمكن مجلس النواب اللبناني من انجاز استحقاق انتخاب رئيسه وهيئة مكتبه ولجانه، فيما تتهيأ رئاسة الجمهورية للبدء في الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة ومن ثم تشكيلها، فهل ستتم العملية بسلاسة ام ثمة عقبات ستؤخر التشكيل؟ وما هو مصير استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول المقبل؟ كل ذلك مطلوب إنجازه في ظل ظروف استثنائية ضاغطة لا يحسد عليها شعب لبنان وما تبقى من مؤسساته.

في عملية التكليف يبدو ان لا مشكلة حقيقية في ذلك، لاسيما وان الحكومة المنتظرة اذا كتب لها التشكيل لن يطول عملها قبل ان تعتبر مستقيلة مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبحسب تقاطع معطيات ووقائع كثيرة، تشير الى حظوظ كبيرة للرئيس نجيب ميقاتي في التكليف، كما أن هناك مؤشرات لاحتمالين يمكن ان تسير بهما الأمور لاحقا، ذلك بحسب الكثير من المؤثرات الداخلية والخارجية. إما ان لا يتمكن الرئيس ميقاتي من التشكيل بفعل المناكفات ومطالب الأطراف، وحينها تبقى حكومته قائمة بصفة تصريف الاعمال مع بعض الخصوصية في توسيع صلاحية عملها في هذا الاطار بحسب مقتضيات المواضيع والظروف. أو أن يتمكن من إعادة تشكيل الحكومة نفسها مع تعديل في بعض الحقائب والتي لن تتجاوز الأربعة بخاصة المقاعد التي لم يتمكن أصحابها من النجاح في الانتخابات النيابية الأخيرة، على ان تكون هذه الحكومة مهيأة عمليا لقيادة المرحلة القادمة في حال لم يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد. وفي كلا الحالتين من الاستحقاق الحكومي ثمة صعوبات مصاحبة كثيرة، ولن تكون العملية سهلة التحقق.

على ان الاستحقاق الأكثر حساسية هو انتخاب رئيس الجمهورية، وهو امر دونه صعوبات وتجاذبات داخلية وخارجية كثيرة، كانت تظهر وبشكل مستمر مع كل استحقاق وفي أي ظرف طارئ او قاهر او عادي. لذا يعتبر انتخاب الرئيس اللبناني في مطلق الأحوال، وكأنه حدث استثنائي له ظروفه الخاصة وتداعياته التي يصعب حصرها حتى في الظروف شبه العادية. لذا ثمة كثير من المعطيات التي تؤشر الى صعوبة تنفيذ هذا الاستحقاق في موعده المحدد نظرا لعدم توافر الظروف الداخلية والخارجية لجهة الأشخاص والبرامج والمحاور وغيرها من المؤثرات الفاعلة في ذلك الاستحقاق، لاسيما وان ثمة كثيرين ممن يربطون ذلك برزمة مشاريع يأتي في طليعتها إمكانية التوصل الى خريطة طريق واتفاقات محددة بخصوص النفط والغاز في المياه الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، لاسيما وان ثمة ضغوط لبنانية نحو الطلب بعودة الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين لاحياء المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية والبحرية.

ثمة استحقاقان داهمان ينبغي على لبنان انجازهما في ظروف استثنائية قاسية جدا. فاعادة تكوين السلطة ليست بالأمر اليسير في ظل ظروف اقتصادية ومالية واجتماعية متدهورة، وفي ظل غياب المخارج الممكنة من المؤسسات الدولية. فلبنان بات بين الدول العشرين الأكثر فقرا والمهيأ للمجاعة حيث الفقر والعوز تخطى التسعين بالمئة من شعبه، وحيث البطالة تجاوزت السبعين بالمئة عمليا، وحيث تدهورت المداخيل الى حدود غير مسبوقة، حيث لا يتجاوز الحد الأدنى الرسمي للاجور الثلاثين دولارا، ما يعني ان الفرد مضطر لأن يعيش على دولار واحد يوميا.

هذا الواقع المرير الذي يعيشه لبنان، يتطلب البحث عن حلول، بل معجزات. ثمة ضرورة لأن يتفق المسؤولون اللبنانيون على إيجاد البيئة المطلوبة لاستخراج النفط والغاز باعتباره المخرج الوحيد لاعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني وواقعه المالي، وهي فرصة ربما أخيرة قبل القضاء على معالم لبنان ووجوده ككيان. فهل ستمر هذه الظروف بحد ادنى من التداعيات؟ ام ان الامور ذاهبة الى مزيد من التعقيد والتصعيد قبل التوصل الى تسويات إقليمية ودولية عادة لا تكون لمصلحة الدول الصغيرة والضعيفة؟