استدارة عربية للساحة السورية توقظ أردوغان من أوهامه

أردوغان قرأ الموقف العربي المعارض لنظام الرئيس السوري بشار الأسد خطأ واعتقد أنه يمكن الاستثمار في ذلك الموقف بما يتيح له التمدد أكثر في الأراضي السورية بلا رادع.

لاءات عربية لكبح أطماع أردوغان التوسعية في سوريا
الإمارات دعت مرارا لتحصين الفضاء العربي من التدخلات التركية والأجنبية
الغياب العربي عن الساحة السورية سهّل التمدد التركي والتغلغل الإيراني
الرفض العربي للعدوان التركي على سوريا فاجأ أردوغان
قطر تبارك العدوان التركي على سوريا

أنقرة - فاجأ الإجماع العربي المندد بالهجوم الواسع الذي بدأته أنقرة مساء الأربعاء على شمال سوريا، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فالرجل الذي طالما استدعى عداءات مجانية مع الدول العربية بتدخلاته السافرة في شؤونها وباصطفافه في المحور القطري الإيراني ودعمه لجماعات الإسلام السياسي التي باتت مرفوضة شعبيا على نطاق أوسع مما يعتقد هو (أردوغان)، لم يكن يتوقع موقفا عربيا مماثلا من العدوان على المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الأكراد، مراهنا على الأرجح على رفض العرب لممارسات النظام السوري.

ويبدو أن أردوغان قرأ الموقف العربي المعارض لنظام الرئيس السوري بشار الأسد خطأ واعتقد أنه يمكن الاستثمار في ذلك الموقف بما يتيح له التمدد أكثر في الأراضي السورية بلا رادع.

وباستثناء قطر التي رحبت بالعملية العسكرية التركية، كان هناك إجماع عربي ودولي على إدانة العدوان التركي على سوريا.

ولم يعد خافيا على أحد أن التدخل التركي في الحرب السورية تحت مسميات الأمن القومي لتركيا ومكافحة الإرهاب، كان بالأساس مدفوعا بأطماع توسعية وبوهم استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية وانتزاع زعامة واهية في العالم الإسلامي.

لكن موقف جامعة الدول العربية المندد بشدّة بالعدوان التركي السافر على وحدة وسيادة سوريا شكل انعطافة في الموقف العربي واستدارة للساحة السورية في مواجه الاندفاع التركي، فيما تبقى آلية مواجهة هذا العدوان الأمر الأكثر إلحاحا والذي يستوجب موقفا موحدا وعودة عربية للساحة السورية حتى لا تبقى فريسة للتمدد التركي والتغلغل الإيراني.

أردوغان يبحث عن نصر وهمي في سوريا للتغطية على أزماته
أردوغان يبحث عن نصر وهمي في سوريا للتغطية على أزماته

وكانت دولة الإمارات قد اتخذت خطوة جريئة في معناها السياسي والأمني وفي توقيتها ومضامينها بأن أعادت فتح سفارتها في دمشق بعد سنوات من القطيعة لإدراك مدروس ووفق موقف رصين بأن الغياب العربي عن تلك الساحة سهّل التغلغل الإيراني وساعد على التمدد التركي.

وتحقيق الأمن والاستقرار وتحصين الفضاء العربي من التدخلات الأجنبية بما في ذلك التدخل التركي في سوريا شكل منذ وقت طويل أولوية معلنة لدولة الإمارات التي طالما دعت إلى نبذ الانقسامات وتوحيد الصف في مواجهة التحديات بالمنطقة وفي فضاء دولي متقلب ومشحون.

ونددت الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر بشدّة بالعدوان التركي وبالتهديدات التركية لوحدة وسيادة سوريا وهو موقف لم يكن بالمنطق السياسي وبمنطق الأمن القومي العربي دعما لنظام الأسد بل للدولة السورية وللشعب السوري.

واعتبرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية في بيان أن العدوان التركي على سوريا يمثل تطورا خطيرا واعتداء صارخا غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة، بما يتنافى مع قواعد القانون الدولي ويمثل تدخلا  صارخا في الشأن العربي.

وأعلنت الإمارات رفضها القاطع لكل "ما يمس سيادة الأمن القومي العربي ويهدد الأمن والسلم الدوليين"، محذرة من "تبعات العدوان التركي على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية ومسار العملية السياسية فيها".

كما أدانت السعودية العدوان التركي على مناطق شمال شرق سوريا، في تعد سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية.

وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية مساء الأربعاء، إنّ المملكة تدين "العدوان الذي يشنه الجيش التركي على مناطق شمال شرق سوريا في تعد سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية".

وتحقيق الأمن والاستقرار وتحصين الفضاء العربي من التدخلات الأجنبية بما في ذلك التدخل التركي في سوريا شكل منذ وقت طويل أولوية معلنة لدولة الإمارات التي طالما دعت إلى نبذ الانقسامات وتوحيد الصف في مواجهة التحديات بالمنطقة وفي فضاء دولي متقلب ومشحون

وبينما اعتبر المصدر أنّ الهجوم يمثّل "تهديدا للأمن والسلم الإقليمي"، حذّر من أنه "بصرف النظر عن الذرائع التي تسوقها تركيا"، فإن العملية قد تقوّض "الجهود الدولية في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي في تلك المواقع".

وأعربت البحرين عن رفضها للهجوم العسكري التركي، معتبرة أن الخطوة تعد انتهاكا مرفوضا لقواعد القانون الدولي واعتداء على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.

وطالبت الأردن تركيا بوقف فوري لهجومها على سوريا وحل جميع القضايا عبر الحوار في إطار القانون الدولي، فيما عبرت الجزائر عن قلقها من الهجوم التركي، معلنة رفضها من حيث المبدأ للعدوان على أي دولة عربية.

ولفت مصدر من جامعة الدول العربية التي من المقرر أن تعقد يوم السبت اجتماعا طارئا بطلب من مصر، إلى أن "التوغل التركي في الأراضي السورية يهدد بإشعال المزيد من الصراعات في شرق سوريا وشمالها وقد يسمح باستعادة داعش لبعض قوته".

وأدانت مصر بأشد العبارات العدوان التركي على الأراضي السورية. وقالت إن العملية التركية "تمثل اعتداء صارخا غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة".

كما أدان الرئيس العراقي برهم صالح العدوان التركي على أكراد سوريا، معتبرا أنه يشكل تصعيدا خطيرا.

وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في تغريدة على حسابه بتويتر مساء الأربعاء إن "الإدانات العربية الواسعة للعدوان التركي على سوريا ليست بالمستغربة، فالحد الأدنى للعمل العربي المشترك رفض العدوان على الفضاء العربي وبالمقابل فالموقف الدولي الرافض للعدوان التركي ينبع من أسس القانون الدولي وإدراك مشترك بأن هذه الخطوة ستعقد المشهد المعقد أصلا".

ولا يخرج هذا الموقف عن سياق جهود تحصين الفضاء العربي من التدخل التركي في سوريا وإنذارا من استمرار الغياب العربي عن الساحة السورية.

وسبق لقرقاش أن نبّه قبل يوم من العدوان التركي من استمرار الانقسام العربي ومن غياب نظام عربي إقليمي كفيل بمواجهة التحديات الراهنة وقادر على كبح التمدد التركي في الفضاء العربي وتقويض أطماع أردوغان التوسعية.

وقال الوزير الإماراتي في تغريدة نشرها في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول إن "التطورات الخطيرة والمحيطة بسوريا ما هي إلا تداعيات للانقسام العربي الحالي، دول عربية انهارت مؤسساتها وانتهكت سيادتها وغدت مهددة في وحدة ترابها الوطني. لا سبيل إلا العمل على عودة النظام العربي الإقليمي فما يحدث أمامنا بذور أزمات مستدامة يرويها الانقسام الحالي".

وبغض النظر عن نوايا أكراد سوريا الانفصالية، فإنهم في النهاية يشكلون جزء من النسيج الاجتماعي والعرقي السوري حيث يمثلون أكبر أقلية عرقية ويشكلون نحو 10 بالمئة من سكان البلاد وأي عدوان عليهم هو عدوان على الشعب السوري وعلى سيادة ووحدة سوريا.

والتقط الرئيس التركي سريعا قرار نظيره الأميركي بسحب قواته من الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا على أنه ضوء أخضر لشنّ هجوم على مناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا، لكن واشنطن أعلنت على لسان كبار مسؤوليها أنها لم تمنح أنقرة ضوء أخضر لمثل هذا العدوان.

ويسعى أردوغان لترميم صورته المتداعية داخل حزبه الذي بدأ يتفكك على وقع انشقاقات مردها أساسا اعتراضات متنامية على سياسات الرئيس.

كما يحاول من خلال العملية العسكرية ضد أكراد سوريا لفت أنظار الأتراك عن الأزمات الداخلية، لكن الموقف العربي وأيضا الدولي قوّض جهوده ووضعه في حرج اشد وسط معارضة داخلية للعدوان الذي يصفه متابعون للشأن التركي بأنه تهور سيكلف أردوغان غاليا.