استراتيجية إيرانية لتحصين منظومة الحكم في العراق من السقوط

السلطة في العراق تلتف حول خطة إصلاح تؤيدها طهران تضمن بقاءها في سدة الحكم، في ظل تواصل الاحتجاجات المطالبة برحيل النظام السياسي برمته.
الحكومة العراقية تدرس إصلاحات جديدة على مقاس إيران
إيران تبحث في كيفية احتواء احتجاجات العراقيين المنددة بتمادي نفوذها في بلدهم
عبدالمهدي يلجأ إلى إيران لضمان بقائه رئيسا للوزراء

بغداد - اصطفت الطبقة السياسية في العراق وراء إستراتيجية تباركها إيران في محاولة للنجاة من انتفاضة شعبية مناوئة للحكومة، وذلك من خلال احتواء احتجاجات الشوارع مع تقديم إصلاحات سياسية وإجراء انتخابات في العام المقبل.

لكن هذا الحل المقترح يتضمن بقاء النخبة الحاكمة التي ترعاها إيران منذ سنوات، في السلطة وهو أمر من المستبعد أن يهدئ المحتجين الذين يطالبون برحيل النظام السياسي برمته.

وشاركت إيران عن قرب في وضع الإستراتيجية الجديدة عبر عدد من الاجتماعات بين الفصائل السياسية والشخصيات الحكومية بحضور قاسم سليماني الجنرال الذي يقود فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي يشرف على وكلاء طهران في الشرق الأوسط.

وقال مصدران على دراية بما يدور في المحادثات إن "سليماني أقر خطة الإصلاح التي ستبقي رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في الحكم لحين إجراء انتخابات جديدة العام المقبل".

وستتيح الخطة لإيران وقتا لإعادة التفكير في كيفية الحفاظ على نفوذها في العراق، فيما تتواصل الاحتجاجات منذ أكثر من شهر منددة بالتدخل الإيراني في شؤون العراق.

وتمثل الاحتجاجات أكبر تحد للنظام السياسي العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة منذ قيامه بعد الغزو الأميركي الذي أطاح بالرئيس الراحل صدام حسين عام 2003.

ولقي ما لا يقل عن 300 محتج حتفهم وسقط معظمهم بالذخيرة الحية، التي أطلقتها قوات الأمن على الحشود، لكن الرد الأمني العنيف لم يفلح كثيرا في إقناع المحتجين بإخلاء الشوارع.

وقال مسؤول أمني كبير إن "هناك تكتيكات جديدة تم إقرارها في محاولة لحصر المظاهرات في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد والتي يعتصم المتظاهرون فيها منذ أسابيع.

وأضاف المسؤول الأمني "القوات الأمنية تلقت أوامر جديدة السبت الماضي، بضرورة الإبقاء على المتظاهرين داخل ساحة التحرير".

وتابع "القوات الأمنية تعمل بهدوء لإحكام الطوق على الساحة ومن كل الاتجاهات"، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن تلي ذلك حملة اعتقالات في محاولة للحد من القوة الدافعة للاحتجاجات.

وفي نفس الوقت ستدفع السلطات بخطة إصلاح لتهدئة الحشود بإجراء انتخابات جديدة تشرف عليها مفوضية من المزمع أن تكون أكثر استقلالا، وكذلك برلمان يعاد النظر في تركيبته ليكون أصغر وأكثر تمثيلا للسكان الذين يتسمون بالتنوع في العراق.

وتقول مصادر حضرت الاجتماعات مع الحكومة في الآونة الأخيرة، إن "الإستراتيجية تحظى الآن بتأييد الأحزاب المدعومة من إيران والمؤيدة للحكومة، كما تحظى بتأييد منافسها الرئيسي وهو تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي دأب على انتقاد إيران وطالب عبدالمهدي بالاستقالة". ويؤيد الخطة أيضا زعماء سياسيون من السنة والأكراد.

وقال مصدر قريب من الصدر "غضب المتظاهرين على جميع السياسيين ومن ضمنهم الرموز الدينية، أجبر كل الأطراف السياسية للاستماع إلى النصيحة الإيرانية والعمل سوية للإبقاء على حكومة عبدالمهدي".

ومضى قائلا "حتى الصدر مع هذا التوجه"، مضيفا "مقتدى الصدر قلق من أن التظاهرات التي لا يسيطر عليها هو، قد تهدد مكانته بين أتباعه".

الأمن العراقي يعنف المتظاهرين في الشوراع
الأمن العراقي يسعى لتطويق ساحة التحرير لاعتقال الفاعلين في تحريك الاحتجاجات

وطبقا لاقتراح قدمه الرئيس برهم صالح، تشمل الإصلاحات الجديدة تخفيض الحد الأدنى لسن المرشحين وزيادة عدد مناطق التصويت وتخفيض عدد مقاعد البرلمان من 329 إلى 222 مقعدا.

وسيحل تكنوقراط وقضاة محل المعينين بقرارات سياسية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

وقال مصدران قريبان من المحادثات إن "البرلمان سيصوت على التعديلات قبل أن يحدد في نهاية المطاف تاريخا لإجراء الانتخابات المبكرة عام 2020 تاركا المجال لتأخيرات محتملة".

وقال عزت الشابندر وهو مستقل يتوسط بين كبار الشخصيات السياسية بمن في ذلك عبدالمهدي ويجتمع بانتظام مع المحتجين، إنه "تم الاتفاق من حيث المبدأ على تعديل جزئي في الحكومة يبقي عبدالمهدي رئيسا لها".

وتابع "كلهم اصطفوا خلف رئيس الوزراء الآن"، مضيفا "هو أحسن فرصة ليتجنبوا الفوضى".

ويبقى أن يتضح ما إذا كانت وعود الإصلاح ستسحب أي قدر من زخم الاحتجاجات.

ومن الواضح أن الإصلاحات أقل من مطالب المحتجين التي تدور حول وضع نهاية لكل النظام السياسي الذي قام في العراق بعد صدام، لكن الأحزاب يمكن أن تطرح الخطة كدليل على أنها جادة في السير في الاتجاه الصحيح.

ودعا المرجع الشيعي الأعلى في البلاد آية الله العظمى علي السيستاني، الذي لا يتحدث في أمور السياسة إلا في أوقات الأزمات وله تأثير كبير على الرأي العام في العراق ذي الأغلبية الشيعية، إلى إصلاح جاد في إطار زمني مناسب، حاثا المحتجين على ألا يخلوا الشوارع قبل أن تُتخذ خطوات ملموسة لتلبية مطالبهم.

وصارت مطالب المحتجين أكثر تحديدا بدعوة البعض إلى نظام يقوده رئيس تنفيذي منتخب ويدين بالقليل من الفضل للفصائل السياسية، التي اختارت جميع رؤساء الوزراء في فترة ما بعد صدام خلف الأبواب المغلق. ويقول معظم المحتجين إنهم يريدون رحيل الحكام.

وقال عمار (20 عاما) وهو من مدينة الصدر في خيمة للمساعدة الطبية كان يتلقى فيها علاجا من آثار الغاز المسيل للدموع، "إنهم يخنقوننا لما نتنفس، لما نقلهم ارحلوا"، مضيفا "سنموت هنا لمستقبلنا. سنموت ليتغير أي شي".

عراقيون يتوافدون على ساحات التظاهر للمطالبة بإقالة الحكومة والبرلمان
عراقيون يتوافدون على ساحات التظاهر للمطالبة بإقالة الحكومة والبرلمان

وتوافد آلاف من العراقيين الثلاثاء إلى ساحة التحرير وساحات التظاهر في عدد من المحافظات بمشاركة شعبية واسعة، وهم يهتفون شعارات للمطالبة بإسقاط الحكومة وحل البرلمان
وتعديل الدستور.

وردد المشاركون شعارات تطالب بإطلاق سراح الناشطين والمدونين، الذي تم اختطافهم من قبل جهات مجهولة.

ومن المتوقع أن يستأنف طلاب العراق الأربعاء عمليات الإضراب عن الدوام في المدارس بجميع مراحلها الدراسية الأولية والثانوية والجامعات لينضموا إلى ساحات التظاهر.

وخلت ساحات التظاهر خلال ساعات اليوم من أية مظاهر للعنف والصدامات مع القوات الأمنية ، فيما شوهد نصب خيام وسرادق جديدة لاستقبال المعتصمين في ساحات التظاهر .

وعقدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينس بلاسخارت الثلاثاء اجتماعا مع رؤساء الاتحادات والنقابات الجماهيرية في العراق، لبحث مطالب المتظاهرين والمطالبة بالكف عن استخدام العنف ضد المتظاهرين وحماية الممتلكات العامة والخاصة.

وساد الهدوء ساحات التظاهر في بغداد وعدد من المحافظات
العراقية بعد التطمينات التي حصل عليها المتظاهرون بدعم المرجعية الدينية العليا لمطالبهم والكف عن استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، والكف عن الاعتقالات والاختطاف.

وأقام المتظاهرون في ساحة التحرير الليلة الماضية احتفالية أطلقوا خلالها عشرات البالونات البيضاء، وسط هتافات ورفع أعلام العراق للتعبير عن سلمية المظاهرات والتمسك بمطالب المتظاهرين في إقالة الحكومة وحل البرلمان وتعديل الدستور العراقي.

وعززت السلطات الأمنية قواتها بقوات من التدخل السريع لضبط الأمن في محافظة الناصرية بعد يوم دام أوقع أربعة قتلى وأكثر من 130مصابا.

وتنتشر قوات عسكرية في جميع الشوارع الرئيسية وقرب الأبنية الحكومية والمدارس وهم يحملون الأسلحة ، فضلا عن انتشار عجلات عسكرية وإغلاق جميع الطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء.