استراتيجية جزائرية جديدة لتقليص التبعية في النقل البحري
الجزائر - تتحرك الجزائر بخطى متسارعة نحو تعزيز قدراتها في مجال النقل البحري، في إطار خطة استراتيجية تهدف إلى تقليص الاعتماد على شركات الشحن الأجنبية، وذلك في وقت تتزايد فيه مؤشرات العزلة الدبلوماسية التي تعاني منها البلاد على خلفية توتر علاقاتها مع عدد من الشركاء التقليديين، من بينهم فرنسا ودول مجاورة في المنطقة.
وهذا التوجه الجديد، الذي تسوّقه الحكومة على أنه خطوة نحو تحقيق السيادة الاقتصادية، يثير في المقابل تساؤلات حول أبعاده السياسية وارتباطه بالحالة المتزايدة من التباعد بين الجزائر وعدد من العواصم الغربية والإقليمية.
وأعلن علي أوراك، المدير العام لشركة "مدار" للنقل والخدمات اللوجستية البحرية – وهي شركة حديثة النشأة تمثل الذراع الحكومية الجديدة في هذا القطاع – عن خطط طموحة لتوسيع نشاط الشركة ليشمل النقل البحري للمسافرين والبضائع، خصوصًا على الخطوط التي تربط الجزائر بإسبانيا، وتحديدًا بين وهران وألميريا، ومستغانم وأليكانتي.
وأوضح أن شركته اقتنت مؤخرًا سفينتين جديدتين يجري حالياً إخضاعهما للفحص والمعاينة الفنية في الصين، تمهيدًا لتدشينهما رسميًا بحلول أكتوبر/تشرين الاول المقبل. وأضاف أن الشركة تعتزم إطلاق مناقصة لاقتناء سفينتين إضافيتين، في خطوة تهدف إلى ضمان جودة الخدمة واستمراريتها.
وفي إطار تعزيز الجاهزية الفنية، أعدّت الشركة دراسة شاملة لتحليل حركة الملاحة البحرية إلى ومن الموانئ الجزائرية، تشمل طبيعة السفن وأنواع الحمولات والوجهات التجارية الأساسية. وبناءً على نتائج هذه الدراسة، سيُحدَّد نوع الأسطول الذي يلبي احتياجات البلاد التجارية والملاحية على نحو أفضل.
وركّز أوراك في تصريحاته على الفوائد الاقتصادية المتوقعة من هذه الخطوة، مشيرًا إلى أن سفينة واحدة يمكن أن توفّر ما يصل إلى 14 مليون دولار سنويًا في قطاع الاستيراد، بعد احتساب التكاليف التشغيلية والصيانة والطاقم. وأضاف أن المشروع سيساهم أيضًا في خفض الاعتماد على العملة الصعبة من خلال تقليص الحاجة إلى دفع رسوم شحن لشركات أجنبية.
وترافَق هذا التوجه مع برنامج طموح لتكوين وتأهيل الطواقم البحرية الجزائرية، بهدف بناء كفاءات وطنية قادرة على إدارة عمليات النقل والخدمات البحرية بكفاءة واستقلالية.
ورغم أن الحكومة تسوّق هذا المشروع كجزء من سياسة أشمل لتعزيز الاكتفاء الذاتي في القطاعات الاستراتيجية، إلا أن توقيته يطرح تساؤلات عن دوافعه الحقيقية، خاصة في ظل تراجع مستوى التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجزائر وعدد من القوى الدولية والإقليمية. ويعتقد أن الجزائر تجد نفسها اليوم مضطرة لإعادة ترتيب أوراقها الاقتصادية بشكل أحادي، بعد أن ضاقت مساحات التحالفات السياسية التي طالما اعتمدت عليها لعقود.
وتبدو الجزائر، وفق تحليلات متطابقة، في حالة من الانكماش الدبلوماسي النسبي، نتيجة تزايد حدة خلافاتها مع شركائها الغربيين، وفي مقدمتهم فرنسا بسبب ملفات خلافية عديدة أبرزها الأعراف الفرنسي بمغربية الصحراء وبمبادرة الحكم الذاتي المغربية. كما تشهد العلاقات الجزائرية مع بعض دول الجوار توترات مكتومة ألقت بظلالها على مستويات التعاون الاقتصادي، ما جعل الحكومة تبحث عن أدوات بديلة لتعزيز سيادتها على سلاسل التوريد الحيوية.
ويرى خبراء النقل أن تعزيز الأسطول البحري الوطني قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح من حيث تطوير البنية التحتية والاستثمار في قطاع استراتيجي ظل مهمّشًا لعقود. لكن نجاح هذا المشروع يبقى مرهونًا بتوفر مناخ سياسي واقتصادي مستقر، بالإضافة إلى الانفتاح على شراكات دولية مبنية على المصالح المشتركة لا على ردود الفعل الظرفية.
وفي المحصلة، تحاول الجزائر من خلال مشروعها البحري الجديد أن ترسل رسالة مزدوجة: داخليًا، عبر إظهار الجدية في تحقيق الاستقلالية الاقتصادية، وخارجيًا، بإثبات قدرتها على التحرك بمفردها في بيئة إقليمية ودولية باتت معقدة ومليئة بالتحديات.