استطلاعات الرأي حول مسلمي فرنسا متهمة بتغذية الاسلاموفوبيا

المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية يعتبر أن الأسئلة التي تطرح في الاستطلاعات “متحيزة” و”موجهة” و”يمكن أن تنحرف بإجابات الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع عن آرائهم الخاصة وعن آراء جميع المسلمين الفرنسيين.”

باريس - بات النقاش العام في فرنسا حول الإسلام يتسم بحساسية شديدة خصوصا بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ ينتقد استطلاعات الرأي بهذا الشأن معتبرا أنها “بعيدة عن أن تعكس الوضع الراهن بشكل موضوعي”، بل إنها "تخلق وتغذي جدلاً عقيماً ومنفصلاً عن الواقع".
واستنكر المجلس تعرض المسلمين في فرنسا للوصم المستمر من خلال استطلاعات الرأي المشكوك فيها من حيث المضمون والشكل. وسط جدل متزايد في فرنسا حول القيم الإسلامية وخصوصيتها ومدى موائمتها لعلمانية الدولة، منذ أن أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون في عام 2020 عن مشروع قانون "الانفصال الإسلامي" الذي يهدف إلى "مواجهة الإسلام السياسي".
وأضاف أن الأسئلة التي تطرح في هذه الاستطلاعات “متحيزة” و”موجهة” و”يمكن أن تنحرف بإجابات الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع عن آرائهم الخاصة، بل وعن آراء جميع المسلمين الفرنسيين.”

ويشير المجلس إلى أحدث استطلاع للرأي أجراه معهد “إيفوب” حول (كيف ينظر المسلمون الفرنسيون إلى الصراع بين إسرائيل وحماس؟) قائلا أنه ليس استثناء” مؤكدا أن “المسلمين الفرنسيين مثل أغلبية مواطنينا، يعتبرون أن هذه ليست حرب بين إسرائيل وحماس ولكنها في الأساس مذبحة ضد المدنيين الأبرياء. ولذلك فإن الأسئلة والأجوبة في هذه الدراسة متحيزة تماما”.

وسبق أن أثار قانون "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية" (قانون الانفصالية) المثير للجدل الذي تبناه البرلمان الفرنسي منتصف عام 2021، استياء المسلمين في البلاد الذين اعتبروا أنه يهدف إلى تهميشهم والحد من وعيهم.

ويقول المنتقدون أن وسائل الإعلام لعبت دوراً في إدامة الصور النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين. ويمكن أن تؤدي استطلاعات الرأي "غير الدقيقة والموجهة" إلى تحريف التصور العام والمساهمة في إذكاء المشاعر المعادية للإسلام. فيما خلقت الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة بين المجتمعات الإسلامية شعوراً بالمزيد من التهميش.

وتساءل المجلس “هل من المعقول أن يتم إجراء دراسة مماثلة بين مواطنينا من الديانة اليهودية فقط حول وجهة نظرهم إزاء هذا الصراع؟ ورأيهم حول انتهاكات الجيش الإسرائيلي ضد النساء والأطفال في غزة، وانتهاكات المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية”. واستغرب من عدم إخضاع المواطنين المسيحيين لمثل هذه الاستطلاعات، مع أن مئات المسيحيين قُتلوا في التفجيرات، خاصة تلك التي استهدفت الكنائس والمستشفيات في غزة، والذين كان أغلبهم من النساء والأطفال.

واستحضر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية استطلاعا آخر أجراه معهد “إيفوب” نيابة عن موقع “elmaniya.tv” حول علاقة المسلمين الفرنسيين بالعلمانية، نُشر في الثامن من ديسمبر 2023، والذي خلص إلى أن “78 بالمئة من المسلمين الفرنسيين، فإن العلمانية يتم تطبيقها بطريقة تمييزية، لتنشره قناة Cnews بعنوانً: “78 بالمئة من المسلمين يعتبرون العلمانية الفرنسية معادية للإسلام”.

وعلق بيان المجلس على أنه “تم إجراءه (الاستطلاع) على خلفية الجدل الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة حول ارتداء العباءة”، معتبرا أن “هذه النسبة لا تعكس رأي الذين شملهم الاستطلاع، بل وأقل من ذلك رأي المسلمين الفرنسيين حول مبدأ العلمانية”.

وذكر استطلاع الرأي الذي أعده معهد “إيفوب” خلال الفترة ما بين 20 و21 من يونيو/حزيران الماضي، أن 77 في المائة من الفرنسيين يعارضون ارتداء “الملابس التقليدية العريضة”، على غرار “العباءة” بالنسبة للنساء، أو “الجلباب” بالنسبة للرجال، داخل المعاهد ومؤسسات التعليم بالبلاد، مقابل موافقة 23 في المائة فقط.

وأرقام الاستطلاع أوردت أن الفئة العمرية من الفرنسيين ما فوق 65 سنة هم الأكثر معارضة لهذا المقتضى بواقع 93 في المائة، فيما عارض فقط ما نسبته 42 في المائة من الشباب الفرنسي المتراوح عمرهم ما بين 18 و24 سنة ارتداء هذه الملابس داخل الجامعات والمدارس الفرنسية.

وفيما يخص التوجهات السياسية للفئة المستطلعة أظهرت البيانات دعما كبيرا للمتعاطفين مع حزب الجمهوريين وحزب التجمع الوطني الفرنسي لمنع ارتداء هذا النوع من الملابس داخل المؤسسات التعليمية الفرنسية، بواقع 92 في المائة و87 في المائة على التوالي. ومن بين 77 في المائة أظهرت الأرقام تقاربا في معارضة هذه الممارسة حسب جنس الفرنسيين المستطلعة آراؤهم، بواقع 79 في المائة من الرجال الذين عبروا عن رفضهم لها مقابل 76 في المائة بالنسبة للعنصر النسوي.

ومن جهة أخرى، اعتبر ما نسبته 78 في المائة من الفئات المعارضة أن قائمة الملابس المحظورة داخل مؤسسات التعليم يجب أن تحدد “بشكل تلقائي” من طرف وزارة التربية الفرنسية، في حين دعمت النسبة المتبقية أي 22 في المائة، أن تترك السلطة التقديرية في هذا الجانب لمدراء المؤسسات التعليمية لتحديد قائمة الملابس المحظورة أو المقبولة.

اعتبر المجلس الإسلامي أن الاستطلاع يعتريه التناقضات وقال أنه ”فيما يتعلق بموضوعين مرتبطين بالعلمانية وهي الفصل بين الأديان والمؤسسات في الجمهورية وضمان حرية المعتقد،  فإن رؤية المسلمين مطابقة لرؤية جميع الفرنسيين”. معتبرا أنه “بالإضافة إلى الأسئلة المتحيزة، هناك التلاعب بالإجابات والمعلومات المضللة”.

وأضاف أن “مسلمي فرنسا مرتبطين بشدة بقيم الجمهورية: الحرية والمساواة والأخوة، وكذلك مبدأ العلمانية” مبرزا أن العلمانية التي يؤمن بها “مسلمو فرنسا” هي “العلمانية التي لا تنكر المعتقدات الدينية، العلمانية التي تضمن حرية الاعتقاد وعدم الاعتقاد، والعلمانية التي تسمح لجميع المواطنين باعتناق الأديان التي يختارونها مع احترام النظام العام”.

وخلص إلى أن مسلمي فرنسا يريدون أن يُنظر إلى ممارستهم الدينية على أنها عنصر من عناصر حريتهم الفردية وأنهم يرفضون أن تكون ممارساتهم الدينية مصدرًا دائمًا للنقاش العام ويخضعون لاستطلاعات الرأي المستمرة مع الكثير من التلاعب والوصم.