استفاقة تركية متأخرة لأضرار التحريض العنصري ضد العرب

العنصرية المُتفاقمة ضد العرب كبدت البلاد خسائر كبيرة، كما أن بعض رؤوس الأموال العربية بدأت التفكير في البدء بإجراءات رسمية لسحب استثماراتها من تركيا.

أنقرة – تحاول الحكومة التركية تدارك الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحملة العنصرية التي تفاقمت ضد العرب في الأشهر الأخيرة، حيث غصت ومواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو تظهر اعتداءات وإساءات وجهها مواطنون لسياح ومقيمين عرب آخرهم السائح الكويتي، الذي أثيرت حوله ضجة كبيرة ودعوات لمقاطعة السياحة في تركيا.
ويجري الحديث في الأوساط التركية عن حملة أمنية تجريها السلطات التركية ضد المحرضين والممولين للحملات العنصرية التي لم تعد قضية فردية بل باتت ظاهرة مقلقة أثرت على السياحة وكبدت تركيا خسائر وسط أزمتها الاقتصادية.
ونشرت الصحفية التركية سارة أردوغان تدوينة على موقعها في صفحة إكس، ذكرت فيها أسماء المحرضين الذي تم اعتقالهم.

 

وأفادت قناة "تي.آر.تي" عبر حسابها الرسمي على موقع "إكس" أن السلطات بصدد القيام بإجراءات رادعة ضد مرتكبي الاعتداءات ضد الأجانب.

ومنذ أيام يتم تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يوثق لحظة اعتداء أتراك على سائح كويتي خلال وجوده مع عائلته في ميدان طرابزون على البحر الأسود، التي كانت على مدى سنوات الأكثر جذباً لسياح دول الخليج والأكثر بيعاً للعقارات والمنازل، قبل أن ينتشر فيها التحريض العنصري والدعوات إلى ضرب السياح العرب وطردهم من البلاد.
وشكلت الحادثة إضافة إلى حوادث أخرى ضربة قوية للسياحة التركية، وللسلطات التي بذلت جهودا كبيرة لتنشيط السياحة خصوصا الخليجية.
وقال صاحب شركة عقارية إن "حالات العنصرية التي سمعنا عنها وتتصدر وسائل التواصل الاجتماعي بالطبع أثرت على الاقتصاد وعلى قطاع شراء العقارات الذي ينشط فيه الأجانب بشكل كبير، فالكثير من المستثمرين الذين كانوا يرغبون بالاستثمار العقاري لم يعودوا يرغبوا بذلك، لقد تضرر قطاع العقار بشكل كبير".

ومع تنامي حالة العنصرية في تركيا تكشف وسائل الإعلام المحلية وفق إحصاءات غير رسمية بأن العنصرية المُتفاقمة ضد العرب كبدت البلاد خسائر بنحو مليار دولار خلال الشهرين الأخيرين، كما أن بعض رؤوس الأموال العربية بدأت التفكير في البدء بإجراءات رسمية لسحب استثماراتها من تركيا.
وتصاعدت الشكاوى في تركيا مؤخراً من الاعتداءات العنصرية التي تستهدف الأجانب والسياح العرب بالتزامن مع إجراءات بدأتها الحكومة التركية لمواجهة الهجرة الغير شرعية وملاحقة المخالفين لشروط الإقامة.
وشهد الصيف الحالي انتشارا كبيرا لمقاطع مصورة يتداولها رواد منصات التواصل الاجتماعي، تظهر حدوث اعتداءات لفظية وجسدية بحق بعض السياح العرب في تركيا، مما دفع عددا كبيرا من الناشطين لاعتبار أنها “ظاهرة ممنهجة تعكس عنصرية”، وإطلاق حملات إلكترونية لمقاطعة السياحة في تركيا.

وفي محاولة منها للتخفيف من تأثيرات هذه الحوادث، سارعت المواقع التركية الناطقة بالعربية لنشر أخبار متواترة حول الإجراءات التركية التي تمت لرد الاعتبار للسائح الكويتي الذي تعرض لاعتداء في منطقة طرابزون، وانتشر مقطع الفيديو الذي يوثق الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي في الخليج العربي وأصبح ترند.

وذكرت هذه المواقع أن السلطات ألقت القبض على المعتدي التركي، بعد الواقعة التي شهدتها مدينة طرابزون شمالي شرق البلاد.

وأصدرت ولاية طرابزون بيانا توضح فيه تفاصيل الحادثة، وقالت أنه "مساء السبت وقع شجار بين سائحين وتدخلت الشرطة لفضه، واعتقد مواطن تركي أنهما يقاومان الشرطة فضرب أحدهما الذي يحمل الجنسية الكويتية وطرحه أرضا"، لكن يبدو أن هذه الرواية لم تقنع الكويتيين.

وزار وفد تركي أمني السائح للاطمئنان عليه، وفق ما نشره حساب قناة "تي.أر.تي" التركية على منصة "إكس"، الذي نشر أيضا صورا لتقديم الوفد باقة زهور للسائح الكويتي.
وعلقت السفيرة التركية السابقة في الكويت عائشة هلال صايان كويتاك، على الواقعة بقولها "لن نسمح لهذا الحادث المؤسف أن يلحق الضرر بإخوتنا".
ورغم تحرك السلطات التركية لاحتواء الحادثة، إلا أنها خطوة متأخرة لمعالجة ظاهرة استشرت أولا ضد اللاجئين السوريين ومع الصمت حيالها امتدت لتشمل السياح العرب والمقيمين وأفلتت دعوات التحريض والكراهية من عقالها على مواقع التواصل التركية كما في الشارع، لترخي بتداعياتها على قطاع السياحة.

ولم يتجاوز عدد السياح الذين استقبلتهم تركيا حتى نهاية الشهر السابع، عن 23 مليوناً، رغم التطلع والخطط هذا العام لاستقطاب 60 مليوناً، ما يعني تراجع السياحة التي تنظر إلى عائداتها  كمنقذ إلى جانب التصدير، لتحسين سعر صرف الليرة وزيادة نسبة النمو والناتج الإجمالي.

وفي تصريحات صحفية أدلى بها السفير التركي في السعودية، فاتح أولوصوي، في يونيو الماضي، أكد أن أرقام السائحين السعوديين شهدت نمواً، حيث وصلت إلى ما يقارب 500 ألف سائح خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر من العام المنصرم.

وبحسب المسؤول في وكالة غرب البحر الأبيض للتنمية، عثمان أرول ساري دره، فإن “السياح العرب ينفقون مبالغ تصل إلى 4 آلاف دولار لكل سائح خلال زيارتهم إلى تركيا”، بينما “ينفق السياح الروس حوالي 800 دولار فقط” خلال رحلاتهم السياحية.

ورغم الثقل المادي الذي يشكله السائح العربي في تركيا، لاسيما القادمين من دول الخليج، إلا أن انتشار مقاطع الفيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي غير النظرة تجاه تركيا بشكل كبير.

ويقول متابعون أن حالات العنصرية كانت فردية وحالات خاصة إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو/أيار الماضي، لكن بعدها انتشرت مقولات أن أصوات العرب بالانتخابات كانت الفارق وسبب نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لفترة رئاسية جديدة.
كما تعزف بعض الأحزاب السياسية على وتر القومية وإيقاظ الكراهية للعرب، مستخدمين تردي الواقع المعيشي وتهاوي سعر صرف الليرة وارتفاع نسبة التضخم كمحرضات، وزيادة أعداد العرب المقيمين وتشكيل "سورية صغيرة".

ويرى مراقبون أن الأمر لا يتوقف على السياحة، بل يمتد أيضا إلى الدراما التركية التي لقيت منذ سنوات نجاحا عربيا وكانت من أهم الأسباب لتنشيط السياحة في تركيا، وتتسابق القنوات العربية لبثها، لكن بعد انتشار الاعتداءات لن تلاقي الإقبال والشعبية التي حظيت بها سابقا.

وتفيد التقارير بأن السياحة في تركيا ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية، ويؤكد عاملون في القطاع السياحي أن الأماكن التي عُرفت من خلال الأعمال الدرامية تجذب السياح الخليجيين أكثر من غيرها.

وتفيد إحصاءات سابقة بأن الأعمال التركية تحقق أعلى نسبة مشاهدة بين المتابعين العرب، وهو ما زاد من إنتاج الدراما التركية التي بلغت في عام 2019، أكثر من 150 عملاً درامياً، ما وضع تركيا في المركز الثاني عالمياً، بعد الولايات المتحدة، في ترتيب الدول الأكثر تصديراً للمسلسلات.