
استقالة جماعية تنذر بتفكك إخوان ليبيا ومشروع أردوغان
مصراتة (ليبيا) - تعيش جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا والتي تهيمن على حكومة الوفاق الوطني ومجلسه الرئاسي، انقسامات وانشقاقات ومناورات تنذر بتفككها، على خلفية خلافات بين فروعها وقادة الجماعة المدعومة من تركيا وقطر.
وفي أحدث مسلسل التوترات داخل الجماعة، أعلن أعضاء فرع مدينة مصراتة (أحد أهم وأبرز معقل لإسلاميي ليبيا) استقالتهم جماعيا من التنظيم، متهمين قيادة التنظيم في طرابلس بنقض ما تم الاتفاق عليه من التزامات في المؤتمر العاشر الذي انعقد في العام 2015 ومن ضمنها المراجعات والتصويب.
وقد تكون الاستقالة الجماعية لأعضاء التنظيم في مصراتة مجرد مناورة لإعادة التموقع والتسلل إلى النسيج الاجتماعي في أكثر المدن الليبية ثقلا سياسيا واقتصاديا وعسكريا خاصة في ظل حالة الاحتقان والسخط الشعبي على الإسلاميين الذين يُحملهم معظم الليبيين المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في البلد الغارق في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 في انتفاضة دعمها الناتو وشاركت فيها تنظيمات إسلامية متشددة وجدت في الفراغات الأمنية فرصة لها للتغول.
واستقالة أعضاء التنظيم في مصراتة ليست سابقة، فقد سبق أن تم حل التنظيم في الزاوية وسبق لرئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري قبل عام أن أعلن استقالته من جماعة الاخوان، لكن حل التنظيم في مصراتة فعل وازن ومؤثر حتى لو كان من باب المناورة وإيهام الليبيين بوجود رغبة في الخروج من جلباب الغرياني.
وثمة مؤشرات تشير بكل وضوح على تنافس محموم بين القيادات المحلية والقيادات المركزية للتنظيم لإعادة التموقع سواء داخل الجماعة المهيمنة في غرب ليبيا أو في الساحة الليبية عموما.
واللافت أن إعلان حل التنظيم في توقيته ومضامينه يأتي بينما يستمر الحراك الدبلوماسي بين شق من الفرقاء الليبيين في المغرب حيث تجري حوارات لترتيبات سياسية تنهي الأزمة أو على الأقل تضع الأزمة السياسية والصراع على سكة رأب الصدع والتأسيس لمرحلة جديدة تضع حدا لحالة الاستنزاف.
وقال الأعضاء المستقيلون في بيان صدر مساء الأربعاء أن قرارهم يعني حلّ التنظيم في مصراتة وذلك على خلفية "تسويف قيادة الجماعة وتعطيلها لتنفيذ المراجعات والتصويب الذي توصل إليه أعضاء الجماعة في مؤتمرهم العاشر المنعقد عام 2015".
وأشاروا إلى أن قرارهم جاء بعد مناقشات ومشاورات وأن "السياق الزمني الذي نشأت فيه الجماعة والتطور الزمني في البيئة والواقع، يحتم إعادة قراءة المشهد والمراجعة والتصويب".
وأضافوا أن "صواب الأمس قد لا يناسب متطلبات اليوم، فكان مؤتمر الجماعة العاشر سنة 2015 الذي تم فيه إقرار تلك المراجعات بأغلبية مطلقة عنوانا لمرحلة جديدة كنا نتمناها ونحرص على ميلادها، غير أن تسويف قيادة الجماعة وتعطيلها تلك القرارات دعانا لاتخاذ موقف تجاه المماطلة".
ويُشكل حل التنظيم في مصراتة ضربة لمشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تدخل عسكريا في غرب ليبيا دعما لحكومة الوفاق ولإنقاذ الإخوان من السقوط بعد أن اقترب الجيش الوطني الليبي من العاصمة طرابلس بعد أشهر من عملية عسكرية أطلقها في أبريل/نيسان 2019 لتحرير العاصمة من الميليشيات المتطرفة.
وتهيمن جماعة الإخوان على حكومة الوفاق وتؤكد القيادة العامة للجيش الوطني الليبي أن سلطة الوفاق مجرد واجهة سياسية للتنظيم المصنف إرهابيا، في الوقت الذي تعزز فيه نفوذها في غرب ليبيا من خلال ميليشيات مسلحة تمارس الترهيب والبلطجة بحق معارضيها وسكان المنطقة.
ومن المتوقع أن تتدخل تركيا التي تراهن على الفراغات الأمنية في الساحة الليبية وعلى الفوضى لتمرير مشروع التمكين الذي انهار في عدد من الدول مثل مصر والسودان، لتسوية الخلافات داخل التنظيم.
ويقيم المرشد الروحي لجماعة الإخوان الليبية مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني في تركيا حيث وفر له النظام ملاذا آمنا ومنصات إعلامية للدعاية للتنظيم وتسويق المشروع التركي في المنطقة.

وسبق للرئيس التركي أن تدخل شخصيا بالتنسيق مع القيادة القطرية وبشكل عاجل لإعادة ترتيب بيت الإخوان في ليبيا ومنع التصدعات والمنافسات الداخلية بعد أن أعلن رئيس حكومة الوفاق فايز السراج عزمه التنحي من منصبة بناء على نتائج الحوار الليبي الذي يرعاه المغرب والذي حقق تقدما ملموسا بتوافق واتفاق على آلية إسناد المناصب السيادية وهو الحوار الذي يجمع وفدين عن مجلس نواب طبرق (شرق ليبيا) والمجلس الأعلى للدولة (غرب)، في أول اختراق من نوعه للأزمة وفي أول خطوة ملموسة تمهد الطريق لتسوية الأزمة سياسيا.
ويعني حل تنظيم الإخوان في مصراتة أحد أكبر معاقل الجماعات الإسلامية المتشددة والتي تشكل رأس الحربة في العمليات العسكرية التي تقودها ميليشيات الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي، إرباك المخطط التركي في المنطقة وبعثرة أوراق أردوغان.
و يسلط الخلاف المعلن بين فرع الإخوان في مصراتة وقيادة الجماعة في طرابلس ورأسها في اسطنبول (الصادق الغرياني)، الضوء على الانقسامات الداخلية التي يحرص التنظيم على عدم خروجها إلى العلن حتى لا تمتد إلى فروعه الأخرى.
وكان لافتا في بيان الاستقالة وحل تنظيم فرع مصراتة أن الأمر لا يتعلق بتعطيل قيادة الجماعة المراجعات الفكرية المتفقة عليه في المؤتمر العاشر للجماعة في 2015 فقط بل بالنزعة التسلطية لرأس التنظيم الذي يأتمر بأوامر الحاضنة التركية وبممارسات قمعية ضاقت بها الصدور في طرابلس.
وفي أحدث تلك الممارسات الاعتقال خارج إطار القانون لرئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو المعروف بمواقفه المنتقدة لجماعات الإسلام السياسي، في حادثة لا تشكل استثناء في طرابلس التي أصبحت تُسيّر تحت حراب ميليشيات الإخوان.
وفي الوقت الذي يعاني فيه سكان طرابلس من مشاكل معيشية مع شح في السيولة، تغولت الميليشيات المتطرفة التي تتقاضى رواتب خيالية من خزينة الدولة ومن إيرادات النفط، ما دفع بالآلاف منهم في الأشهر الماضية إلى الخروج للشارع منددين بحكومة الوفاق ومطالبين برحيلها بكل مكوناتها بما في ذلك حزب العدالة والبناء الذراع السياسية للإخوان.
الخلاف بين فرع الإخوان في مصراتة وقيادة الجماعة في طرابلس ورأسها في اسطنبول (الصادق الغرياني)، يسلط الضوء على الانقسامات الداخلية التي يحرص التنظيم على عدم خروجها إلى العلن حتى لا تمتد إلى فروعه الأخرى
واتهم المحتجون السلطة القائمة في طرابلس بالفساد ونهب المال العام، في وقت كانت تغدق فيه حكومة الوفاق على آلاف المرتزقة السوريين المتشددين الذين جلبهم أردوغان إلى غرب ليبيا لدعم حكومة السراج وميليشيات الإخوان.
وفي ذروة الأزمة المالية في تلك الفترة كشفت مصادر محلية عن ضخ حكومة الوفاق نحو 4 مليارات دولار "كوديعة" في البنك المركزي التركي لدعم الليرة التركية التي شهدت موجة انهيارات متتالية.
وبالعودة إلى قضية اعتقال محمد بعيو، عبرت الأمم المتحدة اليوم الخميس عن قلقها من تنامي هذه الممارسات ووصفت احتجازه بأنه "عملية خارج إطار القانون"، داعية إلى الإفراج الفوري عنه دون شروط.
ومحمد بعيو، صحافي وكان أحد الإعلاميين البارزين إبان حكم نظام معمر القذافي، معروف بعدائه للتيارات الإسلامية، كما انتقد مؤخرا في مناسبات مختلفة تنامي نفوذ المجموعات المسلحة غرب ليبيا.
وقالت البعثة الأممية إنّ بعيو اعتقل في العاصمة الليبية طرابلس الثلاثاء وكان برفقته ولداه ورئيسة البرامج المعينة حديثا في قناة ليبيا الوطنية هند عمار، لكن أفرِج عنهم في وقت لاحق وفق البعثة الأممية.
وجرى تداول صور في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر بعيو موقوفا في مقرّ جماعة تدعى "كتيبة ثوار طرابلس" الموالية لحكومة الوفاق الوطني.
وقالت بعثة الأمم المتحدة إنّ "الجولة الأخيرة من الاعتقالات التعسفية، تسلط الضوء على المخاطر الشخصية التي يتعرض لها الصحافيون خلال دفاعهم عن الحق في حرية التعبير في ليبيا"، مضيفة أنّ "الحرية الإعلامية أمر بالغ الأهمية لعملية الانتقال الديمقراطي".
وأدانت السفارة الأميركية في ليبيا "الاعتقال غير القانوني" لبعيو، لافتة إلى الدعم الأميركي "لسيادة القانون في ليبيا وحماية الصحافيين وكل الليبيين وحقهم في حرية التعبير".