استقالة ظريف.. بين المسرح والواقع

استقالة ظريف الصورية ليست حول السياسات الإيرانية ولا هي موقف أخلاقي ضد التمدد الميليشياوي هي لحظة تذمر بروتوكولية وتثبيت وجود من الوزير للقيادة الإيرانية لأنه لم يحظ بنفس الأهمية، كما سليماني وولايتي ولم يتذكره الخامنئي ويحجز له كرسيا في حضور بشار الأسد.

بقلم: جويس كرم

للوهلة الأولى قد يظن المتابع أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف دخل التاريخ بخطوة جريئة ليس لها سابق في إيران منذ الثورة الخمينية، من خلال تقديم استقالته والخروج من سلطة، لم يكن صانع السياسة الخارجية فيها يوما الوزير، لا قبل ولا بعد زيارة بشار الأسد إلى إيران.

"استقالة" ظريف عبر موقع إنستغرام، بعد 48 ساعة على تقديمها، هي كما موقعه "صورية"، ومناورة من الطرف المعروف بالمعتدل في إيران لتحسين صورته وليس الخروج من السلطة. ولا عجب أن الرئيس الإيراني حسن روحاني لم يقبل الاستقالة الإنستغرامية، وأن ظريف عاد للعمل اليوم مبتسما وأنيقا في استقبال رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان الذي وصل طهران اليوم.

استقالة ظريف هي لإعادة بعض التوازن الشكلي بين الجناحين المتشدد والمعتدل حول خامنئي

فماذا يريد ظريف ولماذا اختار التصادم العلني مع أركان النظام؟

يحق لظريف أن يغضب وأن يشعر بالإحراج من استبعاده وعدم إبلاغ وزارته بزيارة الأسد إلى طهران وهي الأولى (العلنية) للرئيس السوري منذ بدء الحرب. ويحق لظريف أيضا أن يعترض على وجود قائد فيلق القدس قاسم سليماني في المقعد الذي جلس فيه ظريف أمام المرشد الأعلى علي خامنئي في زيارات سابقة لفلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان إلى طهران.

طبعا، هذا الغضب والاستياء هو بروتوكولي وليس موقفا أخلاقيا أو إصلاحيا، كون ظريف، "أستاذ حقوق الإنسان"، لم يغضب أمام اختناق أطفال سوريا بغاز السارين وأمام تهجير ملايين السوريين خارج بلادهم. هو أيضا لم يغضب وهو يشاهد منذ عام2013 "فرق الموت" والميليشيات الممولة والمدربة من إيران تعبث بالداخل العراقي، وتمضي بنهج التشتيت والمذهبية لترهيب المدنيين و"تطهير" أحياء في بغداد وغيرها، من المختلفين.

استقالة ظريف الصورية ليست حول السياسات الإيرانية في سوريا، ولا هي موقف أخلاقي ضد التمدد الميليشياوي لطهران. هي لحظة تذمر بروتوكولية وتثبيت وجود من الوزير للقيادة الإيرانية لأنه لم يحظ بنفس الأهمية، كما سليماني وعلي أكبر ولايتي، ولم يتذكره الخامنئي ويحجز له كرسيا في حضور بشار الأسد.

روحاني لم يقبل الاستقالة، وعلى الأرجح أن المرشد الأعلى الإيراني وسليماني سيصلحان ما تصدع مع تيارهم المعتدل في الفترة الأخيرة بالإشادة بظريف والتأكيد على أهمية دوره لحفظ ماء الوجه وتفادي أزمة داخلية في هذا الوقت.

فالقيادة الإيرانية، ورغم تهميشه، ليست بصدد التخلي عن ظريف، المفاوض البارع والذي أعطى إيران أهم إنجاز دبلوماسي لها منذ الثورة، أي الاتفاق النووي مع الدول الخمس زائد واحد. فظريف هو صلة الوصل مع الغرب، وهو مع روحاني الخيط المتبقي للعب ورقة المعتدلين في إيران في مخاطبة الغرب، والنظام يحتاجه أكثر من حاجة ظريف للنظام.

فالحديث عن إمكانية استغلال المتشددين خروج ظريف لانسحاب إيران كليا من الاتفاق النووي غير منطقي لأن قرار الانسحاب لا يتوقف على ظريف ويمكن إقالته في حال تم حسم هكذا خطوة. الواقع أن إيران منذ 2013 تبرع في المناورة بين التفاوض مع الغرب والتشدد في الشرق، وهذا النهج مرجح بالاستمرار رغم تهويل المتشددين بالصواريخ الباليستية وزيادة نسب التخصيب.

رهان إيران في المدى القصير هو على تخطي حقبة دونالد ترامب وانتظار انتخابات 2020 الرئاسية في أميركا، مع تلويح أكثر من مرشح ديمقراطي، ومنهم إليزابيت وارن وبيرني ساندرز وآيمي كلوباتشر، بالعودة للاتفاق النووي. والرهان في المدى الأبعد مع نفاذ الاتفاق في 2030 هو في إيجاد ترتيب مماثل مع الغرب يبقي المكاسب المادية، ولا يهدد التوسع الشرق الأوسطي ولا يتدخل بهيكلية النظام.

من هذا الباب فإن استقالة ظريف عبر إنستغرام هي للفت الانتباه وإعادة بعض التوازن الشكلي بين الجناحين المتشدد والمعتدل حول خامنئي، ولحجز كرسي "لأستاذ حقوق الإنسان" في اللقاء المقبل بين المرشد وضيوفه.

نشر في صفحة الحرة