استقالة وشيكة لرئيس الوزراء الجزائري تمهيدا للانتخابات

رحيل نورالدين بدوي مطلب أساسي للمحتجين الذين يرفضون إجراء انتخابات جديدة لحين حدوث تغيير جذري في هيكل السلطة.

الجزائر - طالب متظاهرون جزائريون اليوم الثلاثاء، برحيل رئيس الحكومة نورالدين بدوي، مستنكرين خطاباته التي يتحدّث فيها عن الشأن السياسي خاصة التي أعلن فيها استدعاء الهيئة الانتخابية في 15أيلول/سبتمبر الجاري.

وخرج آلاف الجزائريين اليوم للشّوارع الرّئيسية بالعاصمة، في مسيرة سلمية مواصلة للحراك الطلابي في أسبوعه الـ29، مردّدين "الجنرالات إلى/ المزبلة/ والجزائر ستنال الاستقلال" و"جزائر حرة ديمقراطية".

وردّد المتظاهرون شعار "راهو جاي العصيان المدني"، أي "العصيان المدني قادم"، معتبرين "ذهاب السّلطة لانتخابات رئاسية بهذه السّرعة محاولة للانقلاب على حراك الشّارع الذي لم تلبى مطالبه بعد".

وتداولت الأوساط الإعلامية والسياسية في الجزائر، ترجيح الإعلان عن خبر تقديم نورالدين بدوي استقالته خلال الأيام القليلة المقبلة.

وقالت وكالة رويترز للأنباء عن مصدرين بارزين في الحكومة الجزائرية اليوم الثلاثاء، إن "رئيس الوزراء الجزائري نور الدين بدوي سيستقيل قريبا لتسهيل إجراء انتخابات هذا العام".

من جهته رجح الخبير الدستوري فوزي أوصديق استقالة حكومة بدوي قبل يوم 15 من الشهر الجاري، قائلا "تقتضي الأصول القانونية ومتطلبات الّشارع، أن تكون الاستقالة قبل أي إجراء في العملية الانتخابية، بحكم أنها أحد التوصيات الصادرة عن الشّارع".

وأضاف أوصديق في تصريحات صحفية إن "السلطة بحاجة لإثبات حسن نيتها، وامتصاص اندفاع الحراك الذي عاد بقوة مع ما يعرف بالدّخول الاجتماعي في الجزائر، إلى جانب أن الهيئة الانتخابية التي سيتم استدعاؤها ستضم شخصيات من الحراك وبالتّالي يستحيل أن يتم قبول الخطوة قبل استقالة بدوي".

ورحيل بدوي مطلب أساسي للمحتجين الذين أجبروا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على الاستقالة في أبريل/نيسان ويرفضون إجراء انتخابات جديدة لحين حدوث تغيير جذري في هيكل السلطة.

لكن الجيش الذي يسيطر على دواليب الحكم حاليا، يرى في الانتخابات السبيل الوحيد لإنهاء أزمة الاحتجاجات التي بدأت قبل شهور.

وأكدت قيادة الجيش الجزائري اليوم الثلاثاء أن "عهد صناعة الرؤساء في البلاد قد ولى، وأن الشعب سيختار من يقوده في انتخابات شفافة".
واتهم مقال افتتاحية "مجلة الجيش" الناطقة باسم المؤسسة العسكرية الجزائرية، في عددها الصادر لشهر سبتمبر/ أيلول الجاري "بعض الأذناب (دون تحديد) بمحاولة تعكير صفو مسار الحوار، بالترويج لمراحل انتقالية للوقوع في فخ الفراغ الدستوري، ومحاولة تغليط الرأي العلم داخليا وخارجيا بأفكار مشوهة ومسمومة مستغلة في ذلك آمال وطموحات الشعب المشروعة".
وأضاف المقال "يبدو أن هؤلاء يجهلون أن عهد الاملاءات وصناعة الرؤساء قد ولى إلى غير رجعة".
ولم تذكر مؤسسة الجيش من تقصد بهذه الأطراف، لكن من المعلوم أن تيارا سياسيا معارضا في الجزائر يرفض دعوة المؤسسة العسكرية إلى إجراء انتخابات الرئاسة قبل نهاية 2019.
ويطالب أصحاب هذا الموقف بمرحلة انتقالية يصاغ فيها دستور جديد، وينتخب مجلس تأسيسي لبناء ما يسمونها جمهورية جديدة.
ويتكون هذا التيار في أغلبه من أحزاب ومنظمات علمانية ويسارية، وينسب بعضهم أيضا إلى ما يسمى بـ"الدولة العميقة" في البلاد.
وعادة ما يتهم هذا التيار بأن له نفوذ في دواليب الحكم في العهد السابق، وكان وراء اختيار عدة رؤساء سابقين، فيما يقول مؤيدوه أن قيادة الجيش الحالية تريد فرض رئيس جديد في انتخابات شكلية.
والاثنين، صادق مجلس الوزراء برئاسة الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، على مشروعي قانوني الانتخاب وإنشاء هيئة عليا للانتخابات.
وقالت الرئاسة إن المشروعين وضعا بناء على اقتراحات فريق الوساطة الذي قام خلال الأسابيع الأخيرة بجولات حوار مع جزء من الطبقة السياسية وسط رفض آخرين.

ويقول مراقبون للشأن الجزائري إن الجيش يدفع بكل الحلول الممكنة لوقف الاحتجاج الشعبي ولكن أيضا التوقي من انشقاقات محتملة في المؤسسة العسكرية، حيث تمثل استقالة بدوي تمهيدا لإقناع الشارع بقبول إجراء الانتخابات في الموعد الذي اقترحه الجيش.
والأسبوع الماضي، دعت قيادة الجيش الجزائري إلى إجراء انتخابات الرئاسة قبل نهاية العام الجاري، معتبرة أن لوضع لا يحتمل التأجيل.

ورفضت قيادة الجيش، في أكثر من مناسبة، مقترح المرحلة الانتقالية، وأعلنت دعمها لفريق الحوار والوساطة، على أمل إجراء انتخابات رئاسية قريباً دون شروط مسبقة.

وقال قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح الأسبوع الماضي إن مفوضية الانتخابات ينبغي أن تدعو إلى الانتخابات بحلول 15 سبتمبر/أيلول الجاري في خطوة تعني بدء عد تنازلي لمدة 90 يوما حتى يوم التصويت.

يذكر أن بدوي هو ثاني "الباءات الثلاث" التي طالب باستقالتها المحتجون منذ تنحي بوتفليقة، حيث استقال رئيس المجلس الطيب بلعيز في أبريل الماضي لبقى رئيس الدولة عبدالقادر بن صالح يراوح مكانه إلى اليوم.

وكان من المقرر إجراء الانتخابات في يوليو/تموز لكنها تأجلت بسبب الأوضاع الراهنة مما جعل البلد المُصّدر للغاز والنفط في مواجهة أزمة دستورية.

وخلال الصيف، قدمت السلطات تنازلات باعتقال رموز بارزة لها صلة ببوتفليقة لاتهامهم بالفساد وكثفت الضغط في الوقت نفسه على المحتجين بالإجراءات الأمنية الصارمة.

واستمرت الاحتجاجات يومي الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع لكن على نطاق أصغر مقارنة بما كانت عليه في الشهور الأولى من العام عندما كان مئات الآلاف يشاركون على نحو منتظم في مسيرات بوسط الجزائر العاصمة.