استنكار وتنديد بمنع بث برامج تلفزيونية تناولت فاجعة الرضع في تونس

نقابة الصحافيين التونسيين والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري تنددان بقرار قضائي منع بث برنامجين تلفزيونيين تناولا فاجعة وفاة 15رضيعا في مستشفى حكومي في حادثة هزت الرأي العام التونسي نهاية الأسبوع الماضي.
إقالة مديرين بوزارة الصحة على خلفية وفاة الرضع
رئيس هيئة مكافحة الفساد يعتبر قرار المنع سابقة خطيرة

تونس - ندد رئيس الهيئة التونسية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، اليوم الجمعة، بالقرار القضائي الذي منع بث برامج تلفزيونية تم إعدادها حول وفاة 15 رضيعا في مستشفى حكومي منذ أيام.

وعبر الطبيب عن "انزعاجه وخشيته بصفته حقوقيا" من هذا المنع وقال في تصريح لإذاعة محلية إن "منع بث برامج تلفزيونية استقصائية تناولت فاجعة الرضع دون المرور بالقواعد القانونية، يعد سابقة خطيرة في تونس منذ 2011.

وكان قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس أصدر، مساء أمس الخميس، قرارين يقضيان بمنع بث برنامج "الحقائق الأربع" على قناة الحوار التونسي الخاصة في فقرته المتعلقة بحادثة وفاة مجموعة من الأطفال الرضع في مستشفى حكومي بتونس العاصمة، وبمنع إعادة البث التلفزيوني لبرنامج خصص لنفس الحادثة على قناة "قرطاج+" الخاصة أيضا.

وجاء في قرار المنع أن ما سيتم بثه "من شأنه أن يمس من سلامة سير البحث ويتعارض مع مبادئ سرية التحقيق الجنائي ويعد تدخلا في سير العدالة".

وأوضح رئيس الهيئة التونسية لمكافحة الفساد، خلال ندوة حول حرية الرأي والتعبير في تونس، أنه "لا يمكن، قانونيا، منع بث برنامج تلفزيوني دون الإطلاع على محتواه ولم يتم بثه بعد"، مشيرا إلى أنه لم يتم إصدار هذا القرار من القضاء الاستعجالي الذي يجب أن يحترم فيه مبدأ المواجهة.

وأكد الطبيب أن "الإعلام هو أبرز حلفاء الهيئة في مكافحة الفساد وأن التهديدات التي تطال الإعلام يجب أن تقبر في مهدها".

وأكدت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) اليوم الجمعة أن "قرار المنع يشكل سابقة خطيرة تهدد بنسف ما تحقق من مكاسب في مجال حرية التعبير والإعلام تم التأكيد عليها صلب دستور الجمهورية التونسية الجديد".

وينص الفصل 31 من الدستور التونسي الجديد والذي تمّ اعتماده رسمياً في 26 يناير/ كانون الثاني 2014، على أن "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة عليها".

وأوضحت الهايكا في بيان أن "الجزم بمس البرنامج التلفزيوني لسلامة سير البحث القضائي يقتضي الاطلاع على محتوى البرامج المعنية بعد بثها وليس قبل".
وأشارت الهيئة إلى "إنه من واجب المؤسسات الإعلامية التطرق إلى مختلف المواضيع لإنارة الرأي العام ضمانا لحق المواطنين في الحصول على معلومة دقيقة وقطعا مع ممارسات التعتيم الإعلامي الذي يفضي ضرورة إلى انعدام الشفافية وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة".

من جهتها رفضت نقابة الصحفايين التونسيين قرار الإيقاف معبرة عن "صدمتها" باعتباره "سابقة خطيرة من شأنها أن تنسف ما تحقق بعد ثورة يناير 2011 من مكاسب في مجال حرية التعبير والصحافة، ويؤشر لعودة الاستبداد وتكميم الأفواه وتطويع القضاء وتوظيفه من قبل السلطة التنفيذية".

واعتبرت النقابة أن "منع إعادة بث برنامج 50/50 على قناة "قرطاج+" مجرد واجهة لقرار سياسي بمنع التداول في قضية رأي عام تسعى السلطة إلى التعتيم عليها والتحكم في تفاصيلها ومنع الإعلام من الاضطلاع بدوره الاستقصائي والرقابي، ويعزّز الشكوك حول الأسباب الحقيقية لكارثة وفاة الرضع في ظروف مسترابة".

ودعت النقابة كافة الصحفايين والمؤسسات الإعلامية إلى عدم الخضوع إلى محاولات تدجين الإعلام وإرجاعه إلى مربع الاستبداد والقيام بدورهم الطبيعي في تنوير الرأي العام، مطالبة "جميع مكونات السلطة القضائية بالتمسّك بتطبيق القانون بكل حياد واستقلالية وعدم الخضوع مجددا إلى أي املاءات من شأنها مزيد ضرب ثقة الجمهور وتوقه إلى قضاء عادل ومستقل ينتصر للحقوق والحريات وفي مقدمتها حرية التعبير والصحافة".

وارتفعت حصيلة وفيات رضع بمستشفى وسيلة بورقيبة بالعاصمة تونس الأربعاء إلى 15، في فاجعة هزت الرأي العام التونسي منذ نهاية الأسبوع الماضي.

ويحقق القضاء ولجنة تحقيق حكومية في أسباب وفاة الرضع، بينما تشتبه وزارة الصحة بوجود حالة تعفن بمستحضر للتطعيم تم نفله للرضع قبل وفاتهم.

وأعلنت وزارة الصحة اليوم الجمعة، عن إقالة مديرين في المستشفى الذي جدت فيه الحادثة.

وأفادت الوزارة بإقالة مدير الصحة العمومية نبيهة البورصالي والمديرة العامة لمركز التوليد وطب الرضيع في مستشفى الرابطة والمديرة العامة للمختبر الوطني لمراقبة الأدوية كما أعلنت عن تعيينات جديدة.

وكان وزير الصحة السابق عبد الرؤوف الشريف أعلن استقالته السبت الماضي على خلفية الفاجعة. وتتولى وزيرة الشباب والرياضة سنية بالشيخ المنصب بالنيابة.

وأثارت الحادثة حالة من الصدمة والغضب لدى عموم التونسيين، وهي أحدث كارثة ضمن سلسلة من الأخطاء وعمليات فساد تضرب قطاع الصحة العمومية منذ سنوات.

وتظاهر مئات الناشطين الاجتماعيين مع بداية الأسبوع في تونس العاصمة، احتجاجا على وفاة الرُضع، محملين الحكومة مسؤولية ذلك.

يذكر أن حادثة وفاة الرضع تأتي بعد نحو شهر من كشف تحقيق استقصائي بث ضمن نفس البرنامج التلفزيوني المذكور (الحقائق الأربع) انتهاكات ضد 42 طفلا داخل مدرسة قرآنية في مدينة الرقاب بمحافظة سيدي بوزيد.

وأثارت الواقعة جدلا وصدمة لدى التونسيين. وقامت السلطات بإغلاق المدرسة التي تعد أنشطتها خارج إطار المنظومة التعليمية الرسمية في البلاد، وإيقاف مديرها وإحالة القضية إلى القضاء.