'اعتصامات صامتة' للبنانيين رفضا للقاء عون

الرئيس اللبناني ميشال عون يحذر من يستغل غضب الناس ومطالبهم المشروعة لتوليد العنف والفوضى، من أجل تحقيق "أجندات خارجية مشبوهة"، خلال "اللقاء الوطني" الذي قاطعته المعارضة.
المعارضة تقاطع "اللقاء الوطني" وتصفه بمضيعة للوقت
لبنان يدفع ثمن تدهور العلاقات مع الخليج بسبب حزب الله
عون يحذر من الحرب الأهلية و يندد بأجندات خارجية ويهاجم أطرافا داخلية

بيروت - توافد متظاهرون لبنانيون اليوم الخميس على محيط القصر الرئاسي في بعبدا وسط إجراءات أمنية مشددة بالتزامن مع  انعقاد "اللقاء الوطني" بحضور الرؤساء الثلاثة وعدد من ممثلي الكتل النيابية لكن قاطعته المعارضة في مقدمتها الزعيم السني سعد الحريري ورؤساء وزراء سابقون آخرون قالوا إنه إهدار للوقت.

وبدأ المتظاهرون اعتصامين على مقربة من الطريق المؤدية إلى القصر الجمهوري مع بدء "اللقاء الوطني"، تلبية لدعوة اعتصامات صامتة تحت عنوان "لا ثقة"، للمطالبة باستعادة الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين في البلاد التي تشهد انهيارا اقتصاديا واجتماعيا غير مسبوق.

وانتشرت قوات الجيش والأمن على الطريق المؤدي إلى قصر بعبدا وحوله وسط بيروت منذ صباح الخميس بينما بدأ المتظاهرون بالتجمع وهو يرتدون كمامات مرسوما عليها علامة "x" تعبيرا عن الرفض والتزاما بالدعوة إلى الاعتصام الصامت.

وقطع عدد من المحتجين الطريق الدولية في منطقة المنية شمال لبنان وحمل المحتجون الأعلام اللبنانية ولافتات تطالب بحكومة إنقاذية فيما حمل أحد المتظاهرين لافتة كتب عليها "وصلتكم الأخبار، الدولار بـ6000".

ورفع محتجون آخرون على طريق قصر بعبدا، لافتات تطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559، الخاص بـ"نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة"، وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني، في إشارة إلى حزب الله المدعوم من إيران والشريك في الحكومة.

وينعقد "اللقاء الوطني" الذي دعا إليه الرئيس اللبناني ميشال عون بعد التطورات الأمنية المقلقة التي شهدتها بيروت وطرابلس قبل أسبوعين والتي كادت أن تهدد الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد.

وحذر عون الذي يواجه انتقادات كبيرة من قبل اللبنانيين في بداية اللقاء من "أجواء الحرب الأهلية" التي ظهرت خلال اضطرابات الأيام الأخيرة، كما حذر مما وصفها بمحاولات لإثارة التوتر الطائفي في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة مالية.

وكان ناشطون من الحراك الشعبي قطعوا مساء أمس الأربعاء عددا من الطرق في العاصمة بيروت وفي شمال لبنان وجنوبه بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وتردي الأوضاع المعيشية.

وأصرت الرئاسة على عقد هذا اللقاء على الرغم من مقاطعة المعارضة ورفض الشارع له في ضربة للرئاسة والحكومة التي لم تحقق شيئا من كل الوعود التي أعلنت عنها منذ تشكيلها قبل 4 أشهر. 

وقال عون، وهو مسيحي ماروني، إنه تمت الدعوة إلى "اللقاء الوطني" لحماية السلم الأهلي لكن قاطعه معارضون من بينهم الزعيم السني سعد الحريري ورؤساء وزراء سابقون آخرون قالوا إنه إهدار للوقت.

وأضاف أن "ما جرى في الشارع في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما في طرابلس وبيروت وعين الرمانة، يجب أن يكون إنذارا  للجميع لتحسس الأخطار الأمنية التي قرعت أبواب الفتنة من باب المطالب الاجتماعية".

وأشار إلى أن "هناك من يستغل غضب الناس، ومطالبهم المشروعة، من أجل توليد العنف والفوضى، لتحقيق أجندات خارجية مشبوهة بالتقاطع مع مكاسب سياسية لأطراف في الداخل"، على حد تعبيره.

وكانت تصريحات عون تشير في جانب منها إلى مواجهات دارت في بيروت هذا الشهر ونكأت شقاقات طائفية قديمة بين الشيعة والمسيحيين وبين الشيعة والسنة.

وشهدت مدينتا بيروت وطرابلس، في 11 يونيو/ حزيران الجاري، أعمال شغب، تضمنت إحراق محال تجارية، خلال احتجاجات منددة بتردي الأوضاع المعيشية.

وقال عون "قد لامسنا أجواء الحرب الأهلية بشكل مقلق، وأُطلقت بشكل مشبوه تحركات مشبعة بالنعرات الطائفية والمذهبية".

وبموجب نظام تقسيم السلطة الطائفي في لبنان، يتعين أن يكون الرئيس مارونيا ورئيس الوزراء سنيا ورئيس البرلمان شيعيا.

وينعقد اللقاء برئاسة عون وحضور رئيسي مجلس النواب نبيه بري والوزراء حسان دياب وممثلي تحالف العهد و8 آذار، فيما تقتصر المشاركة على الرئيس الأسبق ميشال سليمان ورئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب تيمور جنبلاط والنائب أكرم شهيب.

وقاطع اللقاء الرئيسان الأسبقان أمين الجميل وأميل لحود ورؤساء الوزراء السابقون الأربعة سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام والزعيمين المسيحين، رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية ورئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل. ويتهم معظم المتغيبين السلطة بالفشل في إدارة البلد.

وعلق ميقاتي على كلمة عون، قائلا على تويتر "لبنان المنهار ما بدو لجان...  بدو قرار".

وأضاف "استمعت إلى كلمة رئيس الجمهورية في لقاء بعبدا وما تضمنته من مواقف وطنية لا يختلف عليها اثنان، ولكن غياب العديد من القيادات يستدعي مراجعة للأداء الذي أوصل الأوضاع إلى ما وصلت إليه ودفع هذه القيادات لعدم الحضور".

من جهته قال رئيس الوزراء حسان دياب خلال الاجتماع إن لبنان يمر بمرحلة مصيرية من تاريخه تحتاج إلى تضافر الجهود وتقديم مصلحة البلاد حتى يتم  تخفيف حجم الأضرار التي قد تكون كارثية.

 وأضاف دياب حسبما أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" أن هذه الدعوة تحمل في طياتها درجة عالية من المسؤولية الوطنية في الدفع نحو التقاء اللبنانيين في حوار يعطل صواعق الفتن ويفتش عن مخارج للأزمات العميقة التي يعيشها لبنان.

وأوضح أن "اللبنانيين يتطلعون بقلق إلى المستقبل، لأن الحاضر مرتبك، ولأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية تترك خلفها ظلالا سوداء، ومآس مؤلمة، وأنينا اجتماعيا يصم آذان المكابرين عن الاعتراف بأسباب وقوة الوجع".

وتابع دياب "الكل اليوم معني بالمساهمة في ورشة الإنقاذ. ليس لدينا ترف الوقت للمزايدات وتصفية الحسابات وتحقيق المكاسب السياسية، لن يبقى شيء في البلد للتنافس عليه إذا استمر هذا الشقاق والقطيعة والمعارك المجانية".

وأشار إلى أن اللبنانيين لا يتوقعون من هذا اللقاء نتائج مثمرة، ولا يهتم اللبنانيون اليوم سوى بسعر الدولار، معترفا بان ليس كلامهم أي قيمة إذا لم يترجم إلى أفعال تخفف عن اللبنانيين أعباء وأثقال يومياتهم.

ولفت إلى أن اللبنانيين يريدون حمايتهم من الغلاء الفاحش، وتأمين الكهرباء، وحفظ الأمان والاستقرار، ويريدون أن يتحرك  القضاء ضد الفساد والفاسدين.

يذكر أن سعر صرف الدولار لامس أمس الأربعاء عتبة الـ 6500 ليرة لبنانية في السوق السوداء فيما حددت نقابة الصرافين سعره  بـ 3850 ليرة.

وأقرت حكومة دياب، في 30 أبريل/ نيسان الماضي، خطة إنقاذ اقتصادية تستمر 5 سنوات، وشرعت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتمويل خطتها، في محاولة لمعالجة أزمة أجبرت لبنان على تعليق سداد ديونه.

لكن حتى تغيير الحكومة ووضع خطها الاقتصادية التي وصفت بـ"غير المقنعة" لم تهدأ الاحتجاجات في البلاد التي تشهد أزمة اقتصادية فجرت انتفاضة شعبية غير مسبوقة، بدأت في 17 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وبعد 12 يوما أجبرت حكومة سعد الحريري على الاستقالة، ثم حلت محلها حكومة دياب، في 11 فبراير/ شباط الماضي.

وبجانب مطالب اقتصادية، يطالب المحتجون برحيل ومحاسبة الطبقة السياسية، التي يتهمونها بالفساد وعدم الكفاءة في وقت تضغط فيه القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة لمنع حزب الله من احكام قبضته على الحكومة ومؤسسات الدولة واخضاعها لأجندات إيران في المنطقة.

الإمارات حذرت لبنان مرارا من تدهور العلاقات مع الخليج
الإمارات حذرت لبنان مرارا من تدهور العلاقات مع الخليج

وتسببت تدخلات حزب الله وتنفيذه لمخططات إيرانية على حساب اللبنانيين في السنوات الأخيرة في تدهور علاقات لبنان مع دول الخليج العربية التي كانت الداعم الرئيس لاقتصاده وهو يكافح لاجتياز أزمة مالية عميقة.

ويدفع لبنان اليوم ثمن نفوذ حزب الله بعد أن دأبت دول الخليج على تزويد اقتصاده الهش بالأموال لكنها أصبحت ترفض تقديم المساعدة في بلد تتحكم فيه إيران لتخفيف أسوأ أزمة مالية تواجهها بيروت منذ عشرات السنين.

وقال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية لتلفزيون سي.إن.بي.سي أمس الأربعاء إن ما يشهده لبنان من "انهيار اقتصادي مقلق للغاية" لكن الإمارات لن تفكر في تقديم الدعم المالي إلا بالتنسيق مع الدول الأخرى.

وأضاف "إذا شهدنا بعض أصدقائنا والقوى الكبرى المهتمة بلبنان يعملون على خطة فسنفكر في الأمر. لكن حتى الآن ما نراه هنا حقا تدهور لعلاقات لبنان العربية وعلاقاته الخليجية على مدار السنوات العشر الماضية. ولبنان يدفع جزئيا ثمن ذلك الآن".

وأوضح قرقاش "شهدنا تراكم المشاكل في لبنان وشهدنا أيضا إملاء للخطاب السياسي من جانب حزب الله الذي يملك فعليا جيشا داخل الدولة".

وأضاف أن الإمارات حذرت بيروت مرارا من تدهور العلاقات مع الخليج وأنه "إذا أحرقت جسورك فسيكون من الصعب عليك جدا استخدام الرصيد الهائل من حسن النية والرصيد الهائل من الدعم المالي الذي يحتاج إليه لبنان".

من جهته قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأربعاء إن الولايات المتحدة مستعدة لدعم لبنان إذا طبق إصلاحات وتصرف دون أن يكون أسيرا لجماعة حزب الله الشيعية المسلحة التي ساعدت في تشكيل الحكومة الحالية.