اعتقال البحيري بشبهة الإرهاب يضع النهضة في مأزق

حركة النهضة الإسلامية التونسية تجد نفسها في موقع الدفاع والتبرير وتعتبر الاتهامات الموجهة لنورالدين البحيري ذات "صبغة سياسية"، فيما كانت قد واجهت سابقا اتهامات من خصومها السياسيين بالتورط في الإرهاب أو التساهل مع المتطرفين.
النهضة من موقع المهيمن على القرار إلى موقع "الشبهة"
هل يتم إثارة ملف تجنيد وتسفير الجهاديين التونسيين إلى بؤر التوتر
تدابير 25 يوليو أعطت دفعة قوية لفتح ملفات لم يكن من الممكن فتحها

تونس - وضعت شبهات الإرهاب والتزوير التي قال وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين أمس الاثنين، إنها كانت السبب وراء اعتقال نائب رئيس حركة النهضة نورالدين البحري ووضعه قيد الإقامة الجبرية، الحركة الإسلامية في تونس في مأزق خاصة وأنها واجهت في السنوات الماضية اتهامات من قبل أحزاب المعارضة بالتورط في تسفير جهاديين إلى بؤر التوتر أو التساهل مع عناصر متطرفة.

كما اتهمها خصومها بالتورط في اغتيال السياسي اليساري والمحامي شكري بلعيد وأيضا النائب محمد البراهمي في 2013، في أول اغتيال سياسي عرفته تونس بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي وكان بدوره من ألدّ أعداء الإسلاميين وشن حملة أمنية واسعة ضدهم في العام 1989 بعد عامين من توليه السلطة.

ومن موقع المهيمن على القرار تحولت النهضة إلى مدافع عن نفسها إزاء هذه الاتهامات التي تعززت بعد إيقاف البحيري بشبهة "الإرهاب" وهي اتهامات يرجح أن تؤكدها أو تنفيها التحقيقات المفتوحة ضد نائب رئيس حركة النهضة والمستشار السابق بوزارة الداخلية فتحي البلدي.

وإلى حدّ الآن تحرص السلطات التونسية المختصة والتي تتابع ملفي البحيري والبلدي، على إحاطة الملفين بالكتمان إلى حين استكمال التحقيقات وتقديم ما يفيد صحة روايتها أو إطلاق سراح الموقوفين.

ورغم أن وزير الداخلية التونسي اكتفى بمؤتمر صحفي مقتضب لم يقدم فيه تفاصيل كافية ولم يجب فيه على أسئلة الصحافيين، مقتصرا على شرح الأسباب التي دفعت لاعتقال البحيري، إلا  أن شبهات الإرهاب التي تحدث عنها أعادت للأذهان الكثير من الملفات التي ظلت طيلة سنوات حكم النهضة حبيسة الرفوف ومنها تسفير الجهاديين إلى ليبيا وسوريا والعراق وهو الملف الذي أثارته من قَبل العديد من الأحزاب السياسية المعارضة من دون أن تصل إلى أي نتيجة.

وواجه البحيري ذاته حين كان وزيرا للعدل ولاحقا بعد خروجه من الوزارة اتهامات بالتغطية على الكثير من المخالفات القانونية وبالتستر على جرائم تتعلق بالإرهاب وبتعطيل المسار القضائي، لكنه نفى مرارا تلك الاتهامات في ظل عدم وجود أدلة تدينه أو تدين أي شخصية من حركة النهضة تولت المسؤولية بشكل مباشر في الدولة أو من خلال أنشطة "سرية" للحركة الإسلامية ومنها على سبيل المثال ما تردد عن وجود جهاز سري للحركة وأنشطة تجسس.

وكان لافتا منذ البداية أن التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021 وما تبعها من إجراءات أخرى، ستعري الكثير من الحقائق، لكن كان لزاما على الرئيس أن يتبع المسار القانوني والقضائي بينما يواجه ضغوطا شديدة محلية ودولية واتهامات بالانقلاب على الشرعية، وهو ما أبطأ إلى حدّ كبير فتح الكثير من الملفات.

واعتقال البحيري ربما يكون بداية تفكيك الكثير من الألغاز والغموض الذي رافق ملفات أثيرت ولم تفتح، لكن يبقى كل ذلك رهين تقديم أدلة تثبت ما نسب لنائب رئيس حركة النهضة أو لأي مسؤول آخر من الحركة أو من خارجها قد تشمله التحقيقات.

لكن حزب حركة النهضة المحسوب على تيار جماعات الإسلام السياسي والذي كان قد أعلن قبل سنوات الفصل بين النشاط السياسي والديني وأكدّ تحوله لحزب مدني، ينفي عنه أي صلة بالتطرف أو التساهل مع التطرف، معتبرا أن الاتهامات الموجهة للبحيري تحمل "صبغة سياسية"، مستنكرا ما نسب لنائب رئيس الحركة.

وقالت كتلة حركة النهضة بالبرلمان المجمدة أعماله في بيان إن" التهم الموجهة إلى الأستاذ نورالدين البحيري تبقى من اختصاص القضاء وحده للبت فيها دون سواه وهو ما يؤكد الصبغة السياسيّة لكل ما تعرض له منذ اختطافه الجمعة الفارط"، مضيفة أن "الخطوة تعيد البلاد مجددا إلى مربع الاستبداد والمحاكمات السياسية"، داعية إلى اطلاق سراح البحيري.

وجددت الكتلة الأكبر بالبرلمان والتي تتمتع بغالبية ضعيفة عززتها من خلال تحالفات مع أحزاب تتشارك معها الايديولوجية ذاتها من قبيل ائتلاف الكرامة، رفضها لإجراءات الرئيس قيس سعيد واعتبرتها "انقلابا مكتمل الأركان على الشرعية الدستورية وعلى المسار الديمقراطي".

وانتقد عبدالرؤوف العيادي عضو هيئة الدفاع عن نائب رئيس حركة النهضة الثلاثاء، وزير الداخلية توفيق شرف الدين، معتبرا أنه "أصبح وزيرا وقاضيا في الوقت ذاته".

وقال العيادي في تصريح لوكالة لأناضول التركية للأنباء، إن "ما طال البحيري هو بلطجة دولة"، مطالبا بـ"إطلاق سراحه فورا". كما اتهم توفيق شرف الدين "بإرسال تشكيلة من الأمنيين لاختطاف البحيري واقتياده إلى سجن سري"، لافتا إلى أنه "ثبت تعرضه للعنف والضرب".

وكان وزير العدل الأسبق قد نقل إلى المستشفى يوم الأحد الماضي بعد تعرضه لوعكة صحية وصفت بـ"الخطيرة" نتيجة امتناعه عن تناول الغذاء والأدوية وهو يعاني من عدة أمراض مزمنة.

ويقول العيادي إن ما وصفه "بالخروج عن الشرعية في تونس أدى إلى استعمال القوة بدل اللجوء للقانون"، مضيفا أن "ما يحصل اليوم هو محاكمات عسكرية لمدنيين دون ضمانات ودون توفر أدنى شروط للمحاكمة العادلة".

وأعرب عن استغرابه "من تخلي رجل قانون (وزير الداخلية) عن التقيد بضوابط القانون"، واصفا ذلك بأنه "إرهاب الدولة". كما طالب النيابة العامة بتتبع من نعتهم بـ"الجناة ومن يقودهم منطق العصابات".