اغتيال الهاشمي رسالة تهديد للكاظمي بمصير مماثل

جريمة اغتيال الخبير الأمني العراقي المعارض للنفوذ الإيراني في العراق تأتي بعد دخول رئيس الوزراء في معركة كسر عظام مع الميليشيات الموالية لطهران.
الكاظمي يتعهد بمحاسبة قتلة الهاشمي
رئيس الوزراء العراقي يؤكد أن لا احد فوق القانون
الكاظمي يوجه بإطلاق اسم هشام الهاشمي على أحد شوارع بغداد
اغتيال الهاشمي يثير مخاوف من عودة الاغتيالات السياسية

بغداد - شكلت جريمة اغتيال الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي المعارض للنفوذ الإيراني، في توقيتها رسالة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على أرجح التقديرات، فالأخير يخوض منذ فترة معركة ليّ أذرع مع الميليشيات الشيعية الموالية لطهران بمنطق حصر السلاح بيد الدولة والنأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية والحيلولة دون تحول الساحة العراقية إلى ساحة تصفية حسابات بين الخصوم الإقليميين والدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة وإيران.

ويأتي اغتيال الهاشمي بعد أيام من اعتقال قوات مكافحة الإرهاب العراقية 14 عنصرا من عناصر كتائب حزب الله العراقي والإفراج عنهم تحت الضغط بعد أن أحيلوا إلى قاض تابع لهيئة الحشد الشعبي وبعد أن حاصرت عناصر مدججة بالسلاح مكاتب حكومية في المنطقة الخضراء.

وكانت مصادر عراقية قد أشارت إلى أن الهاشمي أُغتيل بينما كان عائدا من برنامج تلفزيوني وأنه تلقى تهديدات من قبل ميليشيا كتائب حزب الله الموالية لإيران قبل أن تتم تصفيته.

هشام الهاشمي يعرف بمعارضته للنفوذ الايراني
هشام الهاشمي يعرف بمعارضته للنفوذ الايراني

ويعرف عن الهاشمي وهو من مواليد بغداد، ظهوره المنتظم على القنوات التلفزيونية المحلية والأجنبية لتحليل أنشطة الجماعات الجهادية والسياسة العراقية، كما كان وسيطا بين أطراف سياسية عدة لقربه منها جميعها، ما كان يضمن له مستوى من الحماية.

واتخذ الهاشمي موقفا داعما بشدة للانتفاضة الشعبية المطالبة بإصلاح شامل للنظام السياسي العراقي والمندّدة بموالاة الحكومة السابقة للمعسكر الإيراني.

وخلال موجة الاحتجاجات التي استمرت ستة أشهر، اغتيل عشرات الناشطين أمام منازلهم بأيدي مسلحين مجهولين غالباً ما كانوا يستقلون دراجات نارية. ولم تتمكن السلطات من كشف الجناة.

وهوجم الهاشمي واتّهم مع آخرين بأنهم "عملاء" و"خونة الوطن" و"مؤيّدون لإسرائيل والأميركيين".

ويقول الباحث العراقي عادل بكوان الذي عرف الهاشمي "المعايير تغيرت منذ أكتوبر. كأن هناك أسلوب عمل جديد وتحولا في المواجهة مع الفصائل الموالية لإيران".

في سبتمبر/أيلول من العام الماضي قبل بدء التظاهرات غير المسبوقة، هدّدت جماعات موالية لإيران على الإنترنت، الهاشمي و13 شخصية عراقية أخرى بالقتل.

وترجح مصادر عراقية أن يكون أبوعلي العسكري المسؤول العسكري لكتائب حزب الله المقرب من إيران، هو المشتبه به الرئيسي في اغتيال الهاشمي.

وقالت قناة 'الحرة' الأميركية إن "اسم العسكري الحقيقي هو حسين مؤنس وهو عضو في مجلس شورى كتائب حزب الله المدعومة من إيران ويعمل مستشارا أمنيا وعسكريا للكتائب وأنه لم يظهر أبدا في الإعلام بصفته واسمه.

ويعاني العراق من ظاهرة الاغتيالات منذ سنوات وهي واحدة من الملفات التي تؤرق الحكومة الجديدة في ظل انفلات سلاح الميليشيات الشيعية ووجود تنظيمات سنّية متطرفة على غرار تنظيمي القاعدة وداعش.

وعادة ما توجه أصابع الاتهام للميليشيات الشيعية الموالية لإيران في مثل هذه الجرائم أو الجرائم الطائفية. وتقف جرائم سابقة خاصة في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، شاهدة على أسلوب تصفية الخصوم والمناوئين لفكر طائفي ومذهبي تروج له تلك الميليشيات.

ولم يسلم رئيس الوزراء العراقي الجديد من تهديدات بعض الفصائل الشيعية تتصدرها كتائب حزب الله التي نعته بـ "كاظمي الغدر" حين تم اعتقال 14 من عناصرها. وقامت المجموعة التي أفرج عنها تحت الضغط بدوس صور الكاظمي وإحراق العلمين الأميركي والاسرائيلي.

حزب الله العراقي توعد بالثأر لمقتل سليماني والمهندس متهما الكاظمي بالتورط في تصفيتهما
حزب الله العراقي توعد بالثأر لمقتل سليماني والمهندس متهما الكاظمي بالتورط في تصفيتهما

ويقول خبراء إن نقطة التحول الحقيقية كانت في يناير/كانون الثاني عندما اغتالت واشنطن بغارة في بغداد الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.

وتعهدت الفصائل المتشددة داخل الحشد حينها لا سيما منها الموالية لإيران ككتائب حزب الله، بالانتقام من الولايات المتحدة وحلفائها داخل العراق، مهما كانت التكلفة.

وكشخصية لها علاقات وثيقة مع حكومات غربية، كان الهاشمي يعتبر هدفا محتملا. وقد غادر بغداد لبضعة أيام في أواخر يناير/كانون الثاني.

ويضع رئيس الوزراء العراقي الجديد الذي لم يمض على توليه منصبه وقت طويل، على رأس أولويات حكومته حصر السلاح بيد الدولة وهي مهمة محفوفة بالمخاطر. كما أن الميليشيات الموالية لإيران ترفض رفضا قاطعا التخلي عن سلاحها بدعوى أنه سلاح المقاومة.

وسبقت جريمة اغتيال هشام الهاشمي كذلك جولة خارجية للكاظمي من المقرر أن تشمل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وهي الزيارة التي اثارت حفيظة إيران وأذرعها.

وكانت وكالة مهر الإيرانية الحكومية للأنباء قد هاجمت بشدة رئيس الوزراء العراقي واتهمته باستهداف فصائل الحشد الشعبي إرضاء لواشنطن.

وتتهم ميليشيات شيعية الكاظمي الذي كان مديرا لجهاز المخابرات قبل توليه رئاسة الحكومة، بالتورط في اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس الذين قتلا في غارة أميركية بطائرة مسيرة فجر الثالث من يناير/كانون الثاني على طريق مطار بغداد الدولي.

وقد تعهد الكاظمي اليوم الثلاثاء بملاحقة قتلة الخبير الأمني هشام الهاشمي وإحالتهم للعدالة، مشددا على أنه لن يسمح بتحويل العراق إلى "دولة عصابات".

وقال في كلمة في اجتماع لمجلس الوزراء إن "العراق لن ينام قبل أن يخضع القتلة للقضاء بما ارتكبوا من جرائم".

وتابع أن "من تورط بالدم العراقي سيواجه العدالة ولن نسمح بالفوضى وسياسة المافيا أبدا"، مضيفا أن "العمل والإنجاز هو طريقنا والدولة هي مرشدنا ومعيارنا وقانون الدولة سقفنا ولا أحد فوق القانون".

ووجه رئيس مجلس الوزراء العراقي كذلك بإطلاق اسم الخبير الأمني هشام الهاشمي على أحد الشوارع في العاصمة بغداد، بينما لم تعلن أي جهة على الفور مسؤوليتها عن اغتيال الهاشمي.

ولفت إلى أن "الحكومة تشكلت في ظرف مليء بالأزمات وهي حكومة حلول سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية وصحية".

وفي وقت سابق الثلاثاء، أعلن القضاء العراقي تشكيل هيئة تحقيق مختصة بالنظر في جرائم الاغتيالات بعد ساعات من إطلاق مجموعة مسلحة الرصاص على الهاشمي (47 عاما) أمام منزله ببغداد والذي فارق الحياة بعد نقله إلى المستشفى، وفق مصدر أمني.

ويقول الباحث ريناد منصور من "تشاتام هاوس" والذي عمل مع الهاشمي لسنوات عدة "كان هشام على علم بأن الأمور قد تغيرت"، مضيفا "مقتل أبومهدي المهندس أطلق العنان لكل تلك الجماعات التي كان يحاول السيطرة عليها لجعلها خاضعة لقرار مركزي. وما زلنا حتى اليوم تحت وطأة ترددات الصدمة".

واتهمت كتائب حزب الله رئيس جهاز الاستخبارات حينها مصطفى الكاظمي بالتورط في عملية الاغتيال، وعارضت بشراسة تسلمّه منصب رئاسة الوزراء في أيار/مايو الماضي.

وقدّم الهاشمي المشورة للكاظمي لسنوات طويلة. ووضعت هذه العلاقة الباحث السياسي في "خطر" عندما أصبح رئيس المخابرات رئيسا للوزراء، كما يقول مقربون منه.

وبحسب بكوان هي "المرة الأولى منذ العام 2003 التي يكون فيها تحالف مقدس بين الحكومة ومجموعة مؤثرة من المثقفين. والآن، يتم استهداف الأشخاص الذين هم رموز للاحتجاجات والحكومة على حد سواء".

وأضاف "قد يكون الهاشمي أول شخصية بارزة تغتال، لكنه لن يكون الأخير. هناك أسماء أخرى في هذه القائمة السوداء".

من جهة أخرى، ذكرت عائلة الهاشمي أنه تلقى تهديدات مؤخرا من تنظيم الدولة الإسلامية. وكان للأبحاث التي قام بها الهاشمي عن هذا التنظيم دور كبير في تفكيك شبكاته في سوريا والعراق.

عراقيون يتهمون إيران بالوقوف وراء اغيتال الهاشمي
عراقيون يتهمون إيران بالوقوف وراء اغيتال الهاشمي

ويرى السياسي العراقي رائد فهمي أن مقتل الهاشمي يشكل تحديا لحكومة الكاظمي. وقال في تغريدة على تويتر إن هذا "اغتيال سياسي يحمل رسائل تحذير جدية لأكثر من جهة ويمثل تكميما للكلمة الحرة وتحديا للحكومة ورئيسها ولمنهج الإصلاح".

وقال ناشطون عراقيون آخرون إنهم يخشون منذ فترة استهدافهم بسبب كلام علني لهم ضد جماعات مدعومة من إيران.

ويقول المؤرخ عمر محمد الذي وثّق الفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل "كان من الممكن أن يكون أي أحد منا. لقد تم إخطار أصدقائنا بمغادرة البلاد على الفور"، مضيفا "إذا لم يقم الكاظمي بخطوة قوية، فإن الحياة المدنية في العراق ستختفي. لكنني أخشى أنه لن يفعل ذلك. إنها مهمة انتحارية".

وخرج مئات العراقيين الثلاثاء تنديدا بجريمة اغتيال الهاشمي ورفع بعضم صورة للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي تظهر دما يقطر من بين اسنانه، متهمين طهران بالوقوف وراء جريمة الاغتيال. وحملت الصورة دعوة لكل الأحرار لاطلاق هاشتاغ #خامنئي_قاتل وميليشياته أهل الباطل.

وأمس الاثنين قدَّم الرئيس العراقي برهم صالح التعازي بمقتل الهاشمي، مشددا على أن أقل واجب هو الكشف عن المجرمين وإحالتهم إلى العدالة.

وقال في تغريدة على حسابه بتوتير "اغتيال الباحث الصادق الخلوق الوطني هشام الهاشمي على يد خارجين على القانون، جريمة خسيسة تستهدف الإنسان العراقي وحقّه في الحياة الحرة الكريمة وتستهدف القيم التي ارتضيناها للوطن في ما بعد حقبة الاستبداد".

وندد رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي بجريمة الاغتيال، داعيا الحكومة العراقية إلى الكشف عن التحقيقات للرأي العام.

ونددت كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا وبعثة الاتحاد الأوروبي باغتيال الهاشمي. ودعت السلطات العراقية إلى محاسبة المسؤولين عن اغتياله.

والهاشمي خبير مختص بشؤون الجماعات المسلحة وله مؤلفات عن تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة المتطرفين، بينها "عالم داعش" و"نبذة عن تاريخ القاعدة في العراق" و"تنظيم داعش من الداخل".

كما أن للمغدور أكثر من 500 مقالة وبحث نُشرت بصحف ومجلات عراقية وعربية وأجنبية.