الآلاف يسابقون الزمن للهروب من جحيم الحرب في غزة
غزة - تهرع أعداد متزايدة من العائلات للخروج من مدينة غزة هربا من الموت والجوع، مع تصاعد حدة المعارك بين إسرائيل وحركة حماس على وقع رشقات الطلقات النارية ودوي الانفجارات وهدير المسيّرات.
يعم الخراب القطاع وعند حلول الظلام الدامس أول المساء تسطع بقعة ضوء مصدرها مستشفى الشفاء، أكبر مجمع طبي في قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعة ويتكدس فيه 2.4 مليون نسمة والمحاصر بين إسرائيل ومصر والبحر الأبيض المتوسط.
وفي السابق، كانت شوارع المدينة البالغ عدد سكانها 600 ألف نسمة قبل بدء الحرب في السابع من الشهر الماضي بسبب هجوم مباغت لحماس، تضج بالحركة.
ولطالما كان الكورنيش المكان المفضل للعائلات الراغبة في التنزه وتمضية أوقات ممتعة وللعدائين الراغبين في الحفاظ على لياقتهم. وازدهرت المطاعم والمقاهي، كما قامت مدارس الأمم المتحدة بتنظيم فترتين دراسيتين أو ثلاث يومياً لاستيعاب جميع الطلاب، ما كان يتسبب في اختناقات مرورية بسبب تدافع السيارات والعربات التي تجرها الخيول عند انتهاء كل فصل.
والآن، بعد خمسة أسابيع من القتال العنيف غير المسبوق في القطاع، رغم تعرضه لأربع حروب بين عامي 2008 و2021 ، تضرر ودُمر ما يقرب من نصف المنازل وفقًا للأمم المتحدة، وقتل الآلاف، بعضهم في ضربات استهدفت مدارس تابعة للأمم المتحدة أو مستشفيات حيث كانوا يعتقدون أنهم في مأمن.
ومنذ اندلاع الحرب أبلغت وزارة الصحة التابعة لحكومة حماس عن مقتل أكثر من 11 ألف شخص غالبيتهم من النساء والأطفال، واصابة أكثر من 27 ألف آخرين والآن يسلك الآلاف من جديد الطريق نحو الجنوب سيرًا.
وافق جواد هارودة وهو فنان فلسطيني، أخيراً على مغادرة مخيم الشاطئ الواقع على الساحل الشمالي بعد أن اقترب القصف منه مساء الخميس.
وقال "إنها مأساة ... الليلة الماضية، لم أكن أظن أني سأتمكن وأولادي من الخروج سالمين، نظرا لكثافة القصف وما رأيناه من إطلاق نار".
كما نزح منير الراعي من مخيم الشاطئ الذي لجأ إليه والداه بعد "النكبة" التي تلت قيام دولة إسرائيل في 1948، ودفعت أكثر من 760 ألف فلسطيني إلى الفرار أو طردوا من أراضيهم، بحسب الأمم المتحدة
وقال إن الجيش الإسرائيلي شن غارات "عشوائية" في مخيم الشاطئ، مضيفا بينما كان يحمل طفله على كتفيه أن "المنازل تقع على رؤوس ساكنيها، أطفال ونساء لم يبق منهم أحد باتوا أشلاء".
وقبل أن يواصل طريقه مع مجموعات من العائلات المنهكة، قال محمد الطالباني، وهو نازح من مدينة غزة يحمل طفلته بين ذراعيه وحقيبة على ظهره "لا يوجد طعام أو شراب، نذهب إلى المتاجر لشراء حفاظات أو حليب أو غير ذلك للطفلة فلا نجد، وحتى الأطعمة المعلبة غير متوفرة على الإطلاق".
وأعلن مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الخميس توقف عمل المخابز في شمال قطاع غزة. وتم إغلاق أكبرها في مدينة غزة الثلاثاء عندما أدى القصف الإسرائيلي إلى تحطم الألواح الشمسية التي تزوده بالكهرباء.
وبعد ذلك هرع السكان الجياع إلى مخازن الطحين، لأن سكان غزة، وفقًا للأمم المتحدة، لم يعد لديهم ما يقتاتون به سوى البصل النيء.
ويُحاصر القتال آلاف الأشخاص في مستشفى الشفاء في غزة إذ لجأت إليه عائلات معتقدةً أنها ستكون في مأمن، إلا أنّ معارك باتت تدور في محيطه مع قصف لا يتوقف، فلم يعد أحد يجرؤ على التحرك.
وقال أحمد الشوا (18 عاماً) الذي فرّ من منزله ولجأ إلى المستشفى "إذا خرجنا سنُصاب بالقصف". وكان الشوا يقطن في حي تل الهوى في مدينة غزة حيث تدور معارك أيضاً بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس الفلسطينية.
وقال أحمد الشوا بصوت عال محاولاً إسماع كلماته في خضم ضجيج القصف "تقع ضربات على بعد عشرة أمتار من المستشفى"، مضيفا وأضاف "الوضع خطير جداً جداً".
وأكد أنه سيحاول الفرار مع عائلته في اتجاه جنوب القطاع، بحسب ما طلب الجيش الإسرائيلي منذ أسابيع. ويواصل الجيش الاسرائيلي تقدّمه من الشمال إلى "قلب مدينة غزة"، وفق تأكيده.
وشدّد محمد من جانبه على أنه "سيبقى حتى النهاية مهما حدث"، فهو مُسعف ولا يريد مغادرة مستشفى الشفاء حتى لو كان حالياً غير قادر على القيام بعمله، قائلا "لا يمكننا الذهاب لنقل الجرحى، فمنذ الأمس يطلق قناصة النار بشكل مباشر على سيارات الإسعاف".