الأبطال الخارقون تجليات الكوميكس والروايات والأفلام

ديتمار دات يتتبع ظهور شخصية الإنسان الخارق ومؤلفيها ورساميها ودور النشر التي انطلقت منها، ليضيء نشأة وتطور وتحول عشرات الشخصيات التي بدأت كرسوم كوميكس.
باتمان ولد كإنسان، وقد وصل إلى حدوده القصوى غير البشرية في الإنجاز والتحمل والمسؤولية الأخلاقية بفضل موهبته واجتهاده الذي بلغ حد الهوس
التطور بكامله لم يسر في مسار خطي ذي وجهة واضحة مدعمة بالتنويعات على الموضوع الذي كثيرًا ما كان محلًّا للنقاش

لعب الأبطال الخارقون كـ "باتمان" و"سبايدر مان" و"سوبر مان" دورا لا يمكن الاستهانة بتأثيرهم الثقافي والإنساني على وعي الأطفال والشباب وكل تجلياتهم المختلفة في الكوميكس والروايات والأفلام وألعاب الكمبيوتر. وهذا الكتاب "أبطال خارقون" للناقد السينمائي والروائي ديتمار دات، والذي ترجمته د.نيرمين الشرقاوي، وصدر عن دار صفصافة، يتتبع ظهور شخصية الإنسان الخارق ومؤلفيها ورساميها ودور النشر التي انطلقت منها، ليضيء نشأة وتطور وتحول عشرات الشخصيات التي بدأت كرسوم كوميكس، وذلك في سياق رؤية سلسة تسعى إلى تقديم ملامح خارجية لإجابة محتملة عن سؤال: لماذا تمثل هذه الأشياء قدرًا عظيمًا لبعض الناس؟ وما هي هذه الأشياء أساسًا؟
يرى ديتمار أن باتمان وسوبرمان تحديدا هما البطلان الأكثر شعبية ويمثلان عمودي الرواج التجاري لدار نشر"دي سي"، وتسعد الدار بضم كليهما تحت تسمية "أرقى من في العالم"، غير أنهما أكثر من ذلك. إنهما القطبان الأقصيان، إنهما يمثلان طرفيّ الطيف لجموع الأبطال الخارقين على إطلاقهم، وأحدهما هو باتمان الذي ولد كإنسان، وقد وصل إلى حدوده القصوى غير البشرية في الإنجاز والتحمل والمسؤولية الأخلاقية بفضل موهبته واجتهاده الذي بلغ حد الهوس. أما الآخر سوبرمان فهو كائن غير أرضي يمتلك داخل إهابه البشري إمكانات نصف إله، ومنذ اللحظة التي يكتشف في ذاته تلك الإمكانات يجد نفسه واقفًا أمام الاختيار إن كان سيستخدمها في مساعدتنا أو إلحاق الضرر بنا، وهل سيعيرنا انتباهه من الأساس، وكيف سيتصرف حيال الخارقين الآخرين سواء كانوا خيّرين أم أشرارًا. 
ويلفت إلى أن الأبطال الخارقين "مصنوعة ذاتيًّا أم هابطة من السماء، مكتسبة أم مفروضة، بين هذين الطرفين "باتمان وسبايدرمان" تقع كل الكرامات والأعباء التي تميز الخارقات والخارقين عن "السلعة الخارجة من مصنع الطبيعة"، (الوصف لشوبنهاور) جنس "الهومو سابينز"، الإنسان، الذي يهابه عن حق سائر الحيوانات، تمييزًا جليًّا". 

قصة "رجال إكس" التي ابتكرها كليرمونت فكانت تحوي الكثير من عناصر التشويق التي لم تقتصر فقط على كسر الحبكة السردية الأخلاقية

ويرى ديتمار أن التطور بكامله لم يسر في مسار خطي ذي وجهة واضحة مدعمة بالتنويعات على الموضوع الذي كثيرًا ما كان محلًّا للنقاش، ألا وهو موضوع تقدم الحقائق الثقافية نحو الشيء القابل للتصديق والمستنير، وإنما سار مثلما يسير كل ما هو تاريخي، جامعًا ما بين التناقضات والقفزات: كون هوكمان حضر إلينا أولًا عن طريق التجوال الروحي، ثم بعد ذلك عن طريق ارتياد الفضاء.. وكون أن كائن المستنقع كان أولًا إنسانًا محملًا باللعنات ثم تحول إلى نبات منبثق عن عملية تقنية، لا يعني، أن لامعقوليات حكايات الأبطال الخارقين قد أصبحت محسوبة أو أكثر نضجًا أو أقرب للواقع. ذلك أن الاتجاه العكسي كثيرًا ما ظهر في عملية تطور هذا الجنس الأدبي؛ سوبرمان مثلا كان في البداية يستطيع أن يقفز أعلى قليلًا من سائر البشر العاديين، لكنه لم يكن يستطيع الطيران، ناهيك عن التحليق، كما أن سبايدر مان قُدّم في البداية بشكل طبيعي بوصفه شابًّا له توجهات دنيوية واضحة "التصوير الصحفي، العلوم الطبيعية" وقد وقع في غرام حمراء الشعر، والتي كانت بدورها بشرية محبة للحياة وممتلئة بالشغف، وكان يمكن لسبايدرمان أن يتزوجها بطريقة برجوازية تقليدية، وهي سعادة لم تدم طويلًا؛ لأن مَن الذي سرق منه هذه الحياة العملية، البرجوازية، الدنيوية الواقعية في القصة التي تمزق نياط القلوب التي كتبها "جيه مايكل شترازينسكي" بعنوان "يوم آخر" عام 2007 ووضع رسومها الفنان جو كويسادا؟ - إنه ميفيستو، أي أنه شيطان مختلف تمامًا عن الشيطان الأرضي والذي سبق وأغضب الدكتور فاوست. 
ويضيف إننا بصدد مقاييس مختلفة لما هو معقول ولامعقول، للممكن وللمجنون تسود أكوان الأبطال الخارقين، وهذا ما يجعل تركيبتهم برمتها تشبه بناء معقدًا يحوي العديد من غرف الصدى يتناقل دويُّها ما بين الخيال العلمي والفانتازيا والرعب، والأساطير المسيحية وغير المسيحية، وتاريخ الفن والأدب. إنها مخازن كنوز شاسعة، ينتهبها المؤلفون ولا يزالون ينتهبونها ليخلّقوا منها بطلات وأبطالًا خارقين، وإلباسهم أزياءهم المميزة، وإصلاحهم أو تشويههم أو تثبيتهم ثم إعادة تحريكهم؛ إنها مسألة مربكة لا يمكن لنا أن نجد فيها نظامًا نضع لبناته الواحدة فوق الأخرى بمجرد الوصف المحض أو الإحصاء عن طريق المراقبة الجيدة. 
يشير ديتمار في مقدمته إلى أن أبطال طفولته لم يبقوا في مرحلة الشباب، كما أن الحياة لم ترحمهم؛ لقد أحيل باتمان أكثر من مرة إلى التقاعد، بل وتعرض للموت، وللإصابة بالشلل النصفي في بعض الأحيان.  وتزوج سوبرمان، وسبايدرمان كذلك، وقد صار من الصعب التعرف على "رجال ـ إكس" أما "الفانوس الأخضر" فقد ارتكب جرائم فادحة في ظل معاناته من التشوش العقلي والأخلاقي، ولقد عرف "المنتقمون" رؤساء أكثر من رؤساء الحزب الشيوعي السوفيتي "الذي لم يعد موجودًا على العكس من المنتقمين". إن كل هذا موثق، في المجلات المصورة "الكوميكس"، والكتب، والأفلام وعبر وسائط حفظ البيانات المتعددة؛ فالوسائط التي استحدثت لتخزين كل شيء اختلفت وتعددت أشكالها عبر الزمن. 
ويتابع "تعرضَت البطلات الخارقات والأبطال الخارقون منذ سبعينيات القرن العشرين إلى تغييرات حادة، وهزائم منكرة، أسوأ كثيرًا من كل ما شهدته في حياتي كرجل ناضج، لقد كنتُ أحتاج إلى هذه الشخصيات وأنا طفل، وصرتُ أحبهم وأنا يافع، ثم نسيتهم لبعض الوقت، وإذا ما أردتُ أن ألتقي بهم اليوم مجددًا أستطيع أن أختار أيّ مرحلة من مراحل حياتهم أفضل أن ألتقيهم فيها؛ إذ إن مكتبتي من المجلات المصورة "الكوميكس" تفتح أبوابًا لأسعد أوقاتهم ولأكثرها تعاسة، وحين لا يكفي هذا أستطيع الذهاب إلى السينما، أو تشغيل التلفزيون، أو البحث في الإنترنت، أو وضع أي حامل بيانات في أي نوع من أنواع المُشغّلات.  إن سِيَر حياة هؤلاء الناس الذين لم يوجدوا أبدًا قد تحولت إلى قوائم أتخير منها، فلقد تعرفت عليهم كأطفال يتسمون بالجسارة، ويافعين متقلبي المزاج، وبالغين شيمتهم التناقض، ومخضرمين بواسل". 
ويذكر ديتمار أنه لم أنسَ كيف كانت البداية، ويقول "كنا في ملعب الأطفال نعتبر أن الخارقات والخارقين حقًّا لا يتغيرون، لا يموتون، لا يتحللون، ونحن معهم ومثلهم؛ لأن واحدًا من أشكال الحب الأول لتلك الشخصيات هو التماهي، كنا نعرفهم هم أكثر مما نعرف بعضنا، وهذا يعني أننا كنا نقتسم معهم الأسرار، مثال "الهويات السرية" الشهيرة، وحقيقة الحياة المزدوجة التي عاشها كثير من تلك الشخصيات، فالطبيب دونالد بليك الذي يعاني من إعاقة في المشي هو في الحقيقة إله الرعد النرويجي "تور" والصحفي المنغلق كلارك كينت هو في الحقيقة سوبرمان الجبار، ولأننا كنا أطفالًا نعرف يقينًا أن لا أحد يرى ما يعتمل في نفوسنا، فقد أدركنا على الفور أن الجانب الملون المسيطر لهؤلاء الناس الذي لا يمكن لعين أن تخطئه، ليس هو الإهاب الإنساني المتفسخ الذي على الأغلب قضوا أغلب أوقاتهم فيه، يومًا بعد يوم، مثلما يقضي أي إنسان عقوبة بالسجن.

ويضيف "إن الأمر الذي عنى للأطفال حقيقة الأمل في ماهية ما يمكن أن يصبحوه يومًا ما، هو ذاته ما يعني لقراء الكوميكس من البالغين بشكل عام تشبيهًا بليغًا لما تستشعره ذات الإنسان الحديث، فحيث إن كينونتهم الظاهرة قانونية وسياسية، لم يعد ثمة شيء مميز على نحو خاص، فالميلاد لا يضفي عليهم أهمية مثلما كان حال النبلاء في عصور ما قبل الحداثة، والتي لا تزال شعاراتهم حية في العلامات التي يستخدمها الأبطال الخارقون مثل حرف "S" الكبير المميز لسوبرمان، أو أيقونة الوطواط، ولهذا يتعين عليهم الاهتمام أكثر بحياتهم الداخلية الثرية. 
وبهذا المعنى اعتبر ديتمار أن "بيتراركا" في القرن الـ 14 هو البطل الخارق الأول لأن مؤلف ملحمة "Secretum Meum" قد طور في هذا العمل رؤية أن الشخص العادي الذي لا يقول شيئًا، يمكن أن يكون مجرد إهاب لشيء فظيع لـ "شاعر خارق، أو فيلسوف خارق مثلًا"، ولقد ظلت بقايا النرجسية المتواترة على المستوى النفسي العميق عبر عصور الحداثة وما بعد الحداثة مؤثرة جدًّا حتى يومنا هذا، وتضع الإنسان عمومًا، لا الأطفال فقط، أمام محنة المساواة الشكلية بين الكيانات العادية الحديثة". 
ويوضح "زاد الرسام نيل آدامز من صعوبة قراءة الكوميكس على الهواة بسبب شغفه المتأصل بتغيير شكل الصفحة بدافع التجريب ليس إلا.  ولقد سمعت اليوم، بأني أولي كثيرًا من الاحترام للفنانات والفنانين الذين يرون قيمة كبرى في عملهم المرتكز على إعادة تركيب الصور لدرجة صرف الانتباه، وبأنني رغم ذلك أعرف دائمًا أين أقف من الحكاية وإلامَ ستصير الأمور بعد ذلك "مهما بدا الحكي نابعًا من الجنون وليس من شخبطات مجردة في عمل من أعمال ديف سيم مثلا الذي يعد تلميذًا مخلصًا من تلاميذ مدرسة نيل آدامز" وذلك لأنني تدربت منذ السبعينيات حين كنت طفلًا على رؤية أعمال نيل آدامز". 
ويذكر أن كريس كليرمونت المؤلف الرائد لسلسلة "رجال إكس" الخارقين كان على رأس حملة دعائية لإعادة تقييم كل القيم التي تسود ذلك الكون الذي تعيش فيه مجموعة المتحولين الذين يحمون عالمًا يهابهم ويكرههم. وكان كريس كليرمونت في العام السابق قد صدم المعجبين بحقيقة أن واحدًا من الغرماء الخطيرين للبروفيسور النبيل شارل خافيير، سيد المغناطيسية ماجنيتو، العدو المتعصب ضد البشر، لم يقرر أن يخوض حربه ضد الإنسانية فقط ليرضي مزاجه وأهواءه، وإنما لأننا نحن، المنتمين لفصيلة البشر، كنا بحسب قصص كليرمونت، نعرّض المتحولين إلى التمييز العنصري ونضطهدهم، ولهذا السبب وحده تحول ماجنيتو إلى إرهابي؛ لأنه اضطر أن يشهد بنفسه كيف أن مجتمعًا ينتمي إليه يستبعده ويقهره ثم يهدد أخيرًا باقتلاعه. ماجنيتو إذن، إريك ماجنوس لينزهير، هو عند كليرمونت أحد الناجين من آلة القتل التي ابتدعها النازيون. 
لقد أتى هذا الكشف بمثابة ضربة قاصمة موجهة ضد القناعة الأخلاقية الضيقة بأن الأشرار هم أشرار من البداية وبالفطرة، وأن الطيبين هم طيبون بالضرورة بنفس الطريقة، ثم إن هذه الضربة لم تكن الأخيرة من نوعها؛ فسرعان ما بدأت القصص تحكي للمعجبين الناشئين أن معاناة الشرير من الظلم الذي تعرض له تسير بالتوازي مع كونه بطلًا قادرًا على الإخلال بمفاهيمه الخاصة حول العدالة، ولهذا رأينا متعقب المجرمين المحترم باتمان قد تحول في قصة فرانك ميللر "الفارس الأسود يعود" عام 1986 إلى مريض نفسي مستبد، بينما ودعنا شخصية سوبرمان في سبتمبر من العام نفسه على يد آلان مور في قصة "ما الذي حدث لرجل الغد" وبها ختم تاريخه الطويل الذي حفل بالدفاع المستمر عن الحقيقة والعدل والطريقة الأميركية، بعدما كسر التزامه بالامتناع عن القتل، الأمر الذي كان قد اتخذ منه قانونًا أساسيًّا ضمن مفهومه عن الشرف الذي اعتنقه لعقود سابقة. 
أما قصة "رجال إكس" التي ابتكرها كليرمونت فكانت تحوي الكثير من عناصر التشويق التي لم تقتصر فقط على كسر الحبكة السردية الأخلاقية، إذ لم يكن فقط المحتوى الذي قدمه هذا الرجل وإنما الكيفية التي صور بها الشخصيات التي ساهمت في الاصطدام بما هو معتاد. كانت قصصه تحوي حوارات أكثر من القصص الأخرى، بل إن بعض الأعداد في بعض الشهور لم تكن تتضمن في منتصفها الصراعات ما بين الطيبين والأشرار وإنما علاقاتهم الخاصة وهمومهم وصداقاتهم ومشاعر الحب لديهم.