الأدب الرقمي سمة ومستقبل العصر

مصطلح الأدب الرقمي في رأيي عام يدخل فيه كل نص أدبي تحول فيه الحرف إلى رقم بترميز (01).
كل نص أدبي رحل إلى التقنية فهو أدب رقمي
يجدر بالمؤسسات التربوية إعادة النظر في مناهج الأدب العربي في ضوء تطور رقمنة النص

التقنية بكل تشكلاتها وتأثيرها سمة مهمة للعصر، ولم تعد خيارا، بل تشابكت مع الحياة المعاصرة إلى درجة لا يمكن فصلها، وليس الأدب بدعا من ذلك. 
في اعتقادي أن كل إشكالات الأدب الرقمي تنطلق من زاوية الرؤية، ومن النظرة إلى المصطلح ودلالاته. يقع مصطلح الأدب الرقمي بين عدة مصطلحات توظف في هذا السياق، ومنها (الأدب الإلكتروني/المترابط/التفاعلي/ الشبكي/ التقني...الخ)، ولا ضير ابتداء في تعدد المصطلح فكل النظريات المستجدة في وقتها كالسيميائية مثلا وقعت في قلق المصطلح حتى استقر، ولذا فإني ابتداء أحدد هنا مصطلح (الأدب الرقمي) الذي أرى أن الأهم للمرحلة كمظلة واسعة لا تغادر نصا تعالق مع التقنية ريثما تستقر الرؤية ويستقل كل مستوى بما يناسبه. 
مصطلح الأدب الرقمي في رأيي عام يدخل فيه كل نص أدبي تحول فيه الحرف إلى رقم بترميز (01)، فأصبح رقميا، إذ كنا نعلم أن كل حرف أو صورة تتصل بجهاز الكمبيوتر تتحول إلى رقم وتدخل إلى بوابة الرقمية، وإذا كانت الحرف متصلا بجمالية أدبية فهو أدب رقمي بذلك، ونبقى من بعد في إطار النظر إلى مستويات هذا الاتصال بين الأدب والتقنية، ولأجل ذلك فلا أظن أننا أمام ثنائية سؤال صحيحة (القبول/ الرفض) للأدب الرقمي، لأن التقنية قد فرضت نفسها على المشهد الأدبي فاتصل بها من عقود، ولم ينتظر ذلك النص الأدبي والأدباء جواز مرور من النقاد أو موافقة لكي يرحلوا بنتاجهم إلى تلك المواقع الإلكترونية، فلسنا في مقام المشرع حتى نقبل أو نرفض، وليس أمامنا في نظري إلا شرعنة القبول ورسم خطوطه الصحيحة حتى لا يحيد عن المسار، كما أنه يجب أن تسعى المؤسسات المعنية بالأدب ثقافيا وأكاديميا لتحمل مسئولياتها في هذا الزمن؛ للحفظ والرصد والدراسة والتوجيه. 
الأدب الرقمي في مفهومي له (هو كل نص أدبي ارتبط بالتقنية على أي وجه)، فالرقمية تقوم على أجهزة المعالجة الرقمية بتحويل المعلومات والحرف إلى رقم (01)، وكل نص أدبي- وأؤكد على قضية الأدبية والجمالية- رحل إلى التقنية فهو أدب رقمي. وتبقى ثمة مسألة أراها تالية الأهمية، وهي أنواعية الأدب الرقمي المتعالق مع التقنية أو مستوياته، وهذه منطقة الخلاف بين النقاد، ولا أرى أنها بذات الأهمية لأنها تأتي تالية للفعل/الواقع/.ويمكن أن نخرج من أزمة محدودية النص أو مشكلة المصطلح بتوسيع دائرة الأدب الرقمي وقبول تقسيمه إلى مستويات بحسب قدرة الأديب على توظيف التقنية والإفادة منها، ولنصل من خلال تلك المستويات إلى الأنواعية الشاملة، وكلها تندرج ضمن رقمنة الأدب على التقنية، وأؤكد مرة أخرى على قضية الجمالية التي تجعل الأدب أدبا بما تتضمنه من انزياحات فنية.

الأدب الرقمي
الأدب الرقمي انعكاس لتطور العصر

مستويات الأدب الرقمي/أنواعه:
المستوى الأول: وهو التوظيف العالي للتقنية ويمكن تسميته، (النص الرقمي التفاعلي أو المترابط  haeprtext) /وهو ذلك النص الذي يتماهى مع التقنية إلى أقصى حدودها؛ حيث يعتمد -بعد أدبية النص وربما معها-على الإنتاج المتطور وتوظيف عناصر الميديا الكاملة، كما يقوم على روابط تتحرك بالنص لآفاق فنية ودلالية، وقد يشرك المتلقي في صناعة النص وتطويره، ونرى هنا أن التقنية لا تأتي على هامش النص، بل متوازية في القيمية مع النص ذاته، وجزء من مكوناته لا يمكن فصله عنها، ومن نماذجها على سبيل المثال القصة المؤسسة لمايكل جويس (الظهيرة)، التي وظف فيها عدة روابط وإحالات. وعلى المستوى العربي بعض روايات محمد سناجلة وقصائد مشتاق عباس معن. وعند هذا المستوى يقف أغلب النقاد في الحكم على الأدب الرقمي ونفيه بدعوى قلة النماذج، وهذه لا مكان لها في الحكم، لسببين:
1- أن الأدب الرقمي لا يختصر في هذا المستوى، فقط.
2- أن القلة أو الكثرة لا يجب أن تكون مسوغا للنفي، ثم إننا ونحن نعلم جيدا أن الأدب سبق النقد، وأن الأجيال مندفعة بلا تراجع للتقنية والكتابة عليها يحسن بنا أن نسهم في تقويم التجربة الماثلة ورسم استراتيجيات لنص أفضل. وهذا ما يجب. وإذا كانت ثمة ملاحظات على مستوى تلك التجارب، فيحسن تناولها ونقدها ورسم استراتيجيات جديدة للنص.
وفي ظني أن التجارب العالمية تتحرك في ذات الاتجاه الذي يوسع دائرة النظر للأدب الرقمي، وقد كنت إبان المؤتمر العالمي عن (الأدب الإلكتروني العربي) التي نظمته منظمة الأدب الإلكتروني العالمية في جامعة روتشستر للتكنلوجيا، وضم أهم أقطاب الأدب الإلكتروني في العالم كانوا يقفون على مسافة متساوية من قبول جميع الأنواع المتعالقة مع التقنية، وظهر هذا في الأوراق المقدمة التي تناولت حركة الأدب على فيس بوك وتويتر مثلا، كما تناولت بعض الأوراق في توظيف التقنية في نصوص تراثية كورقة لباحث أمريكي عن (الشعريات المعطلة في المعلقات، وثانية لمتحدثة إيرلندية عن عمر الخيام في الكهف بتقنية ثلاثية الأبعاد وفي اعتقادي أن تلك النظرة الأوسع هي ما يجب.
• المستوى الثاني: (النص الرقمي المتفاعل جزئيا) ونعني به ذلك النص الأدبي الذي يوظف بعض عناصر الميديا (صورة/ نص/ مقطع/ رابط..)، ومن ذلك جهد لبيبة خمار في إنتاج بعض النصوص المتعالقة مع بعض عناصر الميديا (صوت/صورة/ كلمة...الخ). وأؤكد هنا على ضرورة أن يبقى للكلمة الأدبية حضورها العالي، وأن تكون تلك المعطيات التقنية داعمة للنص لا متسلقة عليه. كما أؤكد على دور عناصر الملتيميديا في دعم وعي النص وتلقيه.

التقنية لا تأتي على هامش النص، بل متوازية في القيمية مع النص ذاته، وجزء من مكوناته لا يمكن فصله عنها

• المستوى الثالث: الأدب الرقمي التراثي الذي يوظف عناصر تقنية لتفعيل نص قديم كالمعلقات، وتجدر الإشارة هنا إلى تأثير حركة الرقمنة على المتلقي واستيعابه لذلك النتاج الذي تفصلنا عنه السنون، كما يجدر بالمؤسسات التربوية إعادة النظر في مناهج الأدب العربي في المدارس والجامعات في ضوء تطور رقمنة النص التراثي على التقنية، والإفادة منها بتمثل أفضل للتجارب القديمة، وتقديمها للأجيال من خلال عمل احترافي
يفوق الجهود الفردية التي تناولتُ تحليل بعضها في مقالات بمجلة فرقد الإلكترونية.
• المستوى الرابع: النص الرقمي البسيط، الذي يكتب على الشبكة من قبل الشاعر ابتداء أو يصور من ديوانه، وهنا يجب أن نؤكد على قيمية ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى القلق الكبير من ضياع ثروات أدبية تكتب كل يوم بالمئات على الشبكة ولا تلبث أن تزول بعد أيام، ولنا في المنتديات الأدبية التي محي أثرها – بعد أن كانت- عبرة أرجو الله ألا تتكرر، ومن هذا القلق جاءت فكرة مشروع حفظ النص الرقمي على مواقع التواصل الشبكي الذي تبناه نادي جدة الثقافي الأدبي.
• المستوى الخامس: القصيدة الروبوت، ونعني بها القصيدة الآلية، وهي قصيدة تعمل الآلة عليها، وسأعطي نموذجا عليها، أوردته خديجة الصبار11/12/2017  في مقال الروبوت شاعر أم شعرور / ثمانية) تنقل عن الروبوت هال نصا شعريا آليا يقول:
" أنا خائف 
أنا خائف يا ديف
ديف، إنني أفقد عقلي
يمكنني أن أشعر بذلك،
إنني أفقد عقلي
ليس هناك شك في هذا
يمكنني أن أشعر بذلك 
أنا خائف"
ردد الروبوت هال هذه الكلمات عندما بدأ رائد الفضاء ديف يزيل وحداته واحدة تلو الأخرى وهو يكررها بطريقة بشرية جدا ومؤلمة. كان هال قد امتلك القدرة على الكلام وتمييزه ومعالجة اللغات الطبيعية وقراءة الشفاه وكان قادرا على تذوق الفن والتعرف على الوجوه تقريبا، امتلك كل شيء يؤهله لأن يكون منافسا لنا". وهذه منطقة تستحق التأمل والحوار الذي يتسع. 
أود ختاما القول: إنه من الجدير بالمؤسسات والنقاد أن يواجهوا بشجاعة المعرفة هذا التوجه العصري للأدب والأدباء واندفاعهم الطبيعي للتقنية وتفاعلهم مع حياتهم وظروفهم المعاشة، وأن يكون للنقد حضوره الموازي، لقراءة تلك المظاهر وتوجيه الناشئة وابتكار المسارات التفاعلية المهمة للنص. كما يجب على المؤسسات الأكاديمية أن تقوم بمسئولياتها، ولعلي أضرب مثالا برسالة علمية لمرحلة الدكتوراه سجلتها طالبة أشرف عليها وقد تخيرت موضوعا في (أدب الرحلة المرئي)، لقد وجدنا بالفعل صعوبة في مناقشة الخطة التي تحتاج إلى معامل لعرض المواد المرئية عليها، وقبل ذلك قامت باجتهادات خاصة لحفظ المادة بطريقة تمنعها من التلاشي قدر طاقتها، على أنه كان يجب على المؤسسات أن تقوم بحفظ أكثر تطورا. وفي انتظار مناقشة طالب في مثل هذه الموضوعات؛ إذ لن تكون مناقشة تقليدية، بل تحتاج لأدوات جديدة أظن أن الجامعات ما زالت مغيبة عنها. لذا فإن على النقاد والمؤسسات أن تواجه بشجاعة، حركة الأدب على مواقع التواصل الاجتماعي، بتقييم الماثل ورسم الطرق اللاحبة له، بدلا عن التراشق واعتساف تغييب النص.
د. عبدالرحمن المحسني أكاديمي سعودي في جامعة الملك خالد