"الأديب الثقافية" تحتفي بمصلطح السيكوسرد

الناقد جعفر الشيخ عبوش يتبنى مصطلحا ًنقديا، هو "السيكو سرد القدرة / الأداء وفاعلية التساؤل"، ليؤسس له "موطئ قدم" في السردية النقدية.
نجم عبدالله كاظم: رغم شيوع شخصية اليهودي في الرواية العربية، فإن الروائي الآرتيري حجي جابر لم يقع في فخ "الموضة"
النساء غير معتادات على رؤية الرجال عراة ومعروضين بنحو مباشر وصريح بوصفهم "موضوعات" تخضع لعملية نظر جنسية 

بغداد ـ صدر العدد الجديد (231) من "الاديب الثقافية"، التي يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم، وقد زيّن غلافها لوحة للفنان الأميركي جاسبر جونز، وتضمن عديد الموضوعات الثقافية المتنوعة.
في حقل (حوار) أجرى الدكتور قيس عمر حوارا ً فلسفيا ًمتعدِّد المستويات مع  الدكتور فارس المدرِّس - أستاذ الدرس الفلسفي، ورئيس وحدة الدراسات الاستشراقية في جامعة الموصل، ولعمق الحوار واتساعه المعرفي، فقد اشتمل على جملة من الاشكاليات الفلسفية أهمها: أن شروط الكفاية للغة العربية أكبر بكثير من العقل العربي ذاته، ثم توقف عند محاور أساسية منها: الأدب والفلسفة /البلاغة وسلطة اللغة وهيمنتها الجمالية/ الأدب بوصفه شعرية عابرة للبعد الأيديولوجي/ التحوّل الكوني على مستوى اللغة / تحوّلات الأجناس الأدبية.
وتضمن حقل (نقد وقراءات) ثلاث مقاربات، الأولى: "رواية – رغوة سوداء – لـ حجي جابر: هوية أم هويات؟ " للناقد الدكتور نجم عبدالله كاظم، وفيها يرى؛ رغم شيوع شخصية اليهودي في الرواية العربية، فإن الروائي الآرتيري حجي جابر لم يقع في فخ "الموضة" والافتعال، بل انطلق من واقع ليس ببعيد عنه جغرافيا"، ويعني به تحديدا "موضوع هجرة أو تهجير يهود الفلاشا من أثيوبيا إلى إسرائيل، ليُعنى في رواياته، ربما بحقيقة الهوية اليهودية مع تلك الجماعة، وفي ذلك الفعل". وإزاء ذلك يتساءل الناقد: "هل نجا من تبعات هذه الموجة"، وهذا ما سيراه الناقد في تحليله النقدي الموجز للرواية، وخاصة أن "المؤلف لم يكن يمتلك الكثير ليقدِّمه، رؤية وفلسفة وموضوعا ًحقيقيا ًللرواية أو لهذا الفعل".
وفي المقاربة الثانية، قدّم الناقد والشاعر الدكتور عبدالمطلب محمود قراءة في مجموعة "الغريب" للشاعرة السورية سعاد محمد، وقد انطلق من ثلاث مقولات نقدية، هي بمثابة موجِّهات أساسية لهذه القراءة، وقد جاءت هذه المقولات في كتاب "طبيعة الشعر" للناقد الانكليزي هربرت ريد، الأولى لـ والتر رالي: "لا أحد بمقدوره أن يمشي إلا ّ فوق ظلّه"، والثانية لـ مورتن ليدس: "يمكن أن يكون المؤلف، وربما يجب أن يكون إلى حد ما تابعا ً لعمله"، والثالثة لـ ت. س. إليوت : "ليس الشعر تحرير العاطفة، وانما وسيلة تخلص من العاطفة، وهو ليس تعبيرا ًعن الشخصية، وانما وسيلة فرار من الشخصية".

المقارنة بين الوجه المنعكس في المرآة مع الوجه المرسوم الآخر؛ من حيث التشابه وليس التطابق بينهما، وخاصة على مستوى التباين بين لغتين (الإسبانية – الإنكليزية)

ويرى الناقد أن سعاد محمد "شاعرة عاشقة تتوزّعها روحان، روح جريئة تدفع بها الى عالم الغواية عبر هذا الشوق الفاجر غير المجدي، لأنه نتاج لهفات ليلية نائمة، وأخرى محكومة بالتردّد لأسباب عرجاء "تدفع بها إلى التشتت بالشعر (الكلمات)، لتنتهي قراءة الناقد من حيث بدأت بتلك الموجهات القرائية: "هل مشت الشاعرة فوق ظلّها حقًّا؟ وهل قالت ما قالت لتحرّر عاطفتها ولتفرَّ من شخصيتها. كما زعم إليوت. مثلما نقلت عنه في مفتتح القراءة هذه؟! ربما فعلت هذا .. بل فعلت حقا ً بقدرة شعرية عالية". 
اما المقاربة الثالثة، فقد تبنى فيها الناقد جعفر الشيخ عبوش مصطلحا ًنقديا، هو "السيكو سرد القدرة / الأداء وفاعلية التساؤل"، ليؤسس له "موطئ قدم" في السردية النقدية في ضوء رواية "طيش الاحتمالات" لـ زهرة الظاهري.
ويرى الناقد "إن صياغة (السيكو سرد) – يدل على إسهامه كتقانة في تقانات الرواية المعاصرة "الرواية ما بعد الحداثية"، فالشخصية في الرواية تخاطب القارئ وتستبعد الراوي إستبعادا ًكاملا، وتقدّم أفكارها وكل اضطراباتها الداخلية والنفسية دون وساطة تذكر" كما "يتميز السيكو سرد بخصيصتين: أولا  كونه خطابا "توجهه النفس إلى ذاتها" وثانيا: "كون المتكلم فيه يُعلن عن نفسه بضمير المتكلم".
وينقسم السيكو سرد من منظور الناقد إلى: "السيكو سرد المقيّد" و"السيكو سرد المحرّر" و"السيكو سرد المكرّر" و"السيكو سرد المفسّر".
وتضمن  حقل ( ثقافة عالمية) موضوعين، الأول تتابع فيه الدكتور هناء خليف غني الجزء الثاني من ترجمة "الجمال يُعيد إكتشاف الجسد الذكوري"، وكيف "تشعر النساء بالهلع من تعرّضهن إلى عملية مسح [جسدية] قاسية – على أثر النظر إليهن بوصفهن عجائز أو بدينات أو ضامرات الصدر– وبالقدر ذاته لا يفترض بالرجال ولا يتوقع منهم الشعور بالمتعة جراء تعرضهن لعملية مسح مماثلة". 
وتقدم الكاتبة سلسلة من الصور واللقطات والمشاهد والملصقات في العروض الجسدية، التي تُعنى بجمال الجسد الذكوري من الخزانة الخاصة، والجديد في ذلك أن "النساء غير معتادات على رؤية الرجال عراة ومعروضين بنحو مباشر وصريح بوصفهم" موضوعات "تخضع لعملية نظر جنسية"، ولكن "لم تكن النساء محرومات من مشهد رؤية الاجسام الذكورية الجميلة بقدر ما كن َّمحرومات من تجربة حيازة جسم رجل يعرض عليهن، يُسلَّم لهن على طبق من فضة، تماما ًمثلما تُسلَّم أجسام النساء في الملصقات الاعلانية والأفلام – إلى الرجال".
أما الموضوع الثاني من حقل (ثقافة عالمية)، فهو "الترجمة بوصفها قناعا"، وهو من كتابة: سيسيليا ويديل وترجمة خضير اللامي، حيث يعنى بالمقارنة بين الوجه المنعكس في المرآة مع الوجه المرسوم الآخر؛ من حيث التشابه وليس التطابق بينهما، وخاصة على مستوى التباين بين لغتين (الإسبانية – الإنكليزية)، وما يتبع ذلك من تغيّرات بسيطة وتحوّلات واضحة، إستنادا ًإلى ساردة قصة "كاماشو"، وذلك لأن "كاماشو" هو الاسم المستعار ( ... )، الذي تبنته جدة المؤلفة بتوقيع قصصها ورواياتها، وبذا فإن "كاماشو هي اسم امرأة أخرى تكتب في كل وقت، فضلا عن أنها مترجمة". 
وفي حقل (تشكيل) قدّم هيثم عباس "قراءة في لوحات الفنان الأميركي جاسبر جونز"، حملت عنوان "الدادائية الجديدة"، وتكمن جدّة هذه الدادائية في الإدراك البصري الجديد للذات والأشياء العادية والمستهلكة، وخاصة بعد أن استبدلت اللاوعي في السريالية بالشيء الجاهز المخالف للمنطق ضمن فلسفة جديدة من الكولاج.
ويرى الكاتب أن أعمال جونز تجمع بين "العمق والبساطة" أو "الغموض والوضوح"، كما تتميّز بالتناص مع لوحات فنانين آخرين، وتحتفي لوحاته بصور لأرقام وأحرف ومساطر وخرائط، وقد تتضمن أسماء الألوان "الأحمر والأزرق والبرتقالي والبني".  
وفي حقل (نصوص) قدّم الشاعر العراقي المغترب سعد جاسم لقطات قائمة على شعرنة وباء كورونا وفق "هايكوات" اختزل فيها حالات الناس والبنى والاشياء التي تصدّعت في العالم. 
وفي حقل (نقطة إبتداء) يكتب رئيس التحرير عن "تفكك الدولة أم دولة التفكك؟"، حيث يقوم بتجذير إشكاليات (تفكك الدولة) من حيث "ان مفهوم (ما بعد الدولة) يرتبط بميكانيزمات التحوّل الاقتصادي الذي أنتج مؤسسات إقتصادية ما فوق قومي، ليتجه نحو ما يُصطلح عليه بـ "الدولة الكونية"، وبذا "فإن مفهوم (ما بعد الدولة) هو مفهوم موازي لمفهوم (تفكك الدولة)، وخاصة أن الدولة القطرية أو الدولة الوطنية أو ما بعد الاستعمارية لم تتمكن من بناء هويات وطنية "مقومنة" بديلة عن الفكرة العربية.
ولعل أهم ما يُعنى به الكاتب أكثر هو: إشكالية الدولة التي لم تتحوّل إلى (دولة – أمة) لمأسسة العلاقة بين السلطة – والمجتمع السياسي، وإلا ّ فما تعليل تفكك الدولة والتفسخّ المجتمعي؟