"الأديب الثقافية" تقدم مراجعات في الحداثة والقيمة

حسب الله يحيى يرى أن فشل عدد من مديريات الثقافة يعود أساسا ًإلى غياب الوعي والمعرفة بطبيعة العمل وطنيا ًوفنيا.
تحوّلات النظرية النقدية من الحواضن النقدية الخالصة إلى حواضن مناهجية معرفية متعدّدة
فيصل غازي النعيمي يكتب عن الحداثة السردية وتجديد الخطاب الروائي

بغداد ـ صدر العدد الجديد 239 من "الأديب الثقافية" التي يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم، متضمنا ًعديد الموضوعات الثقافية.
في حقل "فكر" كتب الدكتور فارس عزيز المدرِّس: موضوعة جديدة عن "حواريو الأدب وأوثانه" تضمنت "مراجعات في الحداثة والقيمة" طرح فيها "عوامل تطوير الأدب في الوضع الاعتيادي" وقد تنبّه فيها إلى "أن التغييرات التي شهدها العالم أحدثت إرتباكا ً شديدا ً في المستوى الفكري والنفسي، بحيث إن خلخلة المفاهيم التي كانت تدعم هذه الطاقة أصابها قصور وتراجع لا يخفى على متأمل؛ وهذا ما أحدث فجوة في مجال الثقافة والأدب، بحيث لم تتغيّر المعايير الثقافية والفنية وحدها، بل تغيَرت الغائية التي طالما انطلقت منها" وكبف خضع "قسم من التوجَهات النقدية الحداثية لتصنيف جبري، دون أن يكون لهذا التصنيف القدرة التكاملية على تقييم تلك التوجهات عمليا" حتى "وقعنا فريسة لهاجس التغيير، دون الخضوع لمعايير تتناسب وضخامة هذا التغيير وسعتِه، والسبب يعود إلى خلخلة المعايير المعرفية التي كان لها أن تحكم سير تلك العملية؛ لو تمت على وفق منهجية أكثر ارتباطا ًبمنهجيات العلم وأرسخ صلة بالجدوى العملية من الأدب".
وهنا ينبغي الاعتراف اننا إزاء مفكر لم يكتب بحثا ًمجرّداً قائما بذاته ولذاته، وإنما يقوم بتفكيك "تاريخ الأخطاء" من منطلق أن ثلث التاريخ العقلي للبشر هو تاريخ الاخطاء"، لهذا فإن ما يرمي إليه تحديدا ًهو تفكيك "الموقف السطحي" من الحداثة وأحيانا ًالعبثي، أي التعامل غير المنهجي معها من حيث القبول والخضوع، ثم النفي لا حقا، دون اعتبار لحجم الخلل والإقصاء الناجم عن ذلك الخضوع".
وفي حقل "رأي ثقافي عام"، كتب الناقد والكاتب حسب الله يحيى مقالة في "تثقيف وزارة الثقافة" وفيها يتساءل منذ البدء: "هل ستعد وزارة الثقافة هذه السطور، سطورا ً عدوانية أو معارضة في أفضل المواصفات أم انها ستتعافى؟" وخاصة "إن فشل عدد من مديريات وزارة الثقافة يعود أساسا ًإلى غياب الوعي والمعرفة بطبيعة العمل وطنيا ًوفنيا ًوبشريا ً" ويرى الكاتب أن وزارة الثقافة تحتاج إلى نقلة ثقافية نوعية على مستويين:
- المستوي البشري: عن طريق تطوير ذهنية العاملين فيها لكي يكونوا الأنموذج الأفضل في العمل الدؤوب والمخلص النزيه عن طريق توسيع قاعدة: ما دمت تتقاضى أجرا فإن لهذا الأجر استحقاقه.
– المستوى الفني: وذلك بعدم الاكتفاء بإصدار كتاب فني لا يغني ذاكرة ولا يملأ المتلقي معرفة، ومجلة مبتدئين وهواة ومعرض للألوان المحدّدة أو مسرحية للضحك الممل ولا سمفونية لطبقة اجتماعية تدعي الاستيعاب فيما هي مجوّفة من الداخل".
ويرى الكاتب حسب الله يحيى "أن فشل عدد من مديريات الثقافة يعود أساسا ًإلى غياب الوعي والمعرفة بطبيعة العمل وطنيا ًوفنيا ً" كما يرى الكاتب أيضا أن "وزارة الثقافة معنية بتثقيف ملاكاتها وحثهم على العمل المثمر، لاعلى الثرثرة وثقل الوقت وإنجاز ما لاحاجة بنا لإنجازه من الكتب الفارغة المحتوى والمجلات التي تعاني من الامراض المزمنة والجماليات المجرّدة والجامدة والمسرحيات الكسلى".
وفي حقل "حوار" قدّم الكاتب والمترجم المغربي عبدالرحيم نور الدين ترجمة لحوار مع الفيلسوف الإسباني ايميليو ايبدو، وهو أستاذ جامعي إسباني، يرى أنه "إذا كانت المعرفة هي ما تجلبه التجربة، فإن ما أفعله هذه الأيام كفيلسوف هو التفكير في نوع المعرفة الذي يمكن أن ينبع من هذه التجربة" ويرى أيضا ً"يجب أن يكون في مقدور المواطن طرح أسئلة العقل الحر: مَنْ يخبرنا بالحقيقة، ومَنْ يخدعنا، ومَنْ يريد التلاعب بنا".
وقدّم الناقد الدكتور فيصل غازي النعيمي دراسة في حقل "نقد" حملت عنوان "الحداثة السردية وتجديد الخطاب الروائي"، وقد جاء فيها: "هاجس التجريب والتجديد ليست بدعة في تاريخ الرواية العربية التي انحازت في مراحلها الأخيرة له بدوافع ذاتية وفنية وجمالية، وهذا ما يؤكده التراكم الكمي والكيفي لعدد الروايات التي اجترحت هذا الطريق الذي يمتد ما بين مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة بكل تراكماتها الشكلية والفكرية، ولكن السؤال الذي يطرحه هذا المأزق الاخلاقي/ الفني والمتعلق بتاريخية الرواية العربية؛ أين يكمن هذا التجريب؟ وما هي منطلقاته الثقافية واسسه الفكرية؟ بالتأكيد إن الإجابة عن هذه الأسئلة تكون من خلال الخطاب الروائي ذاته، بعيدا ً عن القرارات النقدية الموجهة مسبقا"، وقد اتخذ الناقد من رواية "حمى البراري" للروائي ابراهيم نصر الله أنموذجا ً لهذه القراءة.

وفي حقل "ثقافة عالمية" قدّمت ميادة وليد محمد ترجمة لموضوع بعنوان "الاستشراق بالاأوان" ، وهو بالأصل مقال افتتاحي لمعرض فني كبير أقيم في الأكاديمية الملكية البريطانية تحت عنوان "المستشرقون – ( 1798 – 1914 ) ناقشت فيه ماري آن ستيفنز: كيف أن رسامين مختلفين كـ "ديلاكروا وماتيس تناولوا ما اعتبروه غرائبيا، وتقول إن المعرض تصدّى لقضايا تناولها الإستشراق تتجاوز التسلسل الزمني لفن الرسم الأوروبي".
وفي حقل "تشكيل" كتب هيثم عباس متابعة تحت عنوان "بلاغة التجربد الصوفي" قدّم فيها "قراءاة في لوحات الفنان المغربي فؤاد بلامين"، حيث جاء فيها "إن فؤاد بلامين ينتمي إلى الجيل الثاني من رسامي الحداثة الفنية في المغرب، وقد اتجه نحو التجريد الصوفي للواقع، على وفق حوار قائم بين البياض والسواد، وما ينطوي عليه من نور وعتمة، وبذا فإن لوحاته مركبة تركيبة ملتبسة، فهي "ليست صورا ً فوتوغرافية ولا رسومات تشكيلية، وإنما هي مزيج مركب منهما، لهذا فاللوحة عنده لا تتشكل بآلية رسموية أو بعين انطباعية، لهذا يقوم بتجريد اللوحة من دلالتها الواقعية لتُعنى بشيء آخر يتجاوز النمطي والمألوف والعادي".
وفي حقل "سينما" قدّم الكاتب ميثم الخزرجي متابعة حملت عنوان "استنطاق الحدث .. الفيلم العراقي (موصل) أنموذحا"، وقد سجّل فيه الكاتب جملة من الملاحظات منها: "لم يظهر الفيلم حالة الفجيعة بصورتها الجلية" و"ثمة وهن وضياع نسبي للبعض الكثير من النكبات التي أطاحت المدينة"، ثم يتساءل الكاتب "لماذا تم اختيار ممثلين عربا ًلأداء هكذا قصص تُعني بالشأن الداخلي للبلد من أهم عناصرها اللهجة لتحصل بعض الإسقاطات الواضحة؟".
وفي حقل "متابعة" قدّم الدكتور عبدالمطلب محمود قراءة لـ "معنى على التل" للشاعر السوري صقر عليشي، يقول فيها الدكتور محمود "بدأ فيها هذا الصقر الشاعر مهموما ًبالبحث عن معنى للشعر بعامة، وعن قصيدة لم يشأ إلا ّأن تكون مغايرة للسائد من قصائد غيره من الشعراء، سواء بلغتها المميزة بمفرداتها وتراكيبها أم بدلالاتها المثيرة التي تمركز أغلبها في بؤرة هذا الهم العصي على الامساك" به.
وتضمن العدد قصيدة طويلة للشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين حملت عنوان "اعيدوا لي الجمجمة"، وهي قصيدة مثيرة في مبناها ومعناها .
كما تضمن حقل "نصوص" متوالية قصصية للكاتب العراقي فيصل عبدالحسن بعنوان "الظلال"، وثلاثة "نصوص"  للشاعر نصير الشيخ.
وفي "نقطة إبتداء" قدّم عباس عبد جاسم فصلا ًمن كتابه "النظرية النقدية العابرة للتخصصات" حمل عنوان "النظرية النقدية عبر المناهجية"، وقد تناول فيه الكيفية التي أطاحت فيه الحداثة البعدية النظام المعرفي (النظري) السائد، وكيف فتحت المجال الحيوي لتحوّلات النظرية النقدية من الحواضن النقدية الخالصة إلى حواضن مناهجية معرفية متعدّدة، حتى صار لتفاعل المنهج مع تشكيل النظرية أهمية أكبر من تبيئ المنهج وتوطين النظرية "لهذا" دخل النقد مرحلة ما بعد مناهجية، ليرتبط بصراع الخطابات النقدية الجديدة، وهذا الوضع المتميّز لا يحدث إلا ّفي الفترات التاريخية التي تمايزها تحولات كبرى أو انقطاعات معرفية، وذلك لإنتاج نقدية تعددية مركبة تركيبة مناهجية، يمكن تسميتها بـ "النقدية العبر مناهجية" .