الأزمات الداخلية كفيلة بالقضاء على النظام الإيراني

في مرحلة التفاوض على الاتفاق النووي كانت إيران تظهر ممانعتها للقبول به اما اليوم فإنها تستميت دفاعا عن بقاء ذلك الاتفاق ساري المفعول. ما الذي حدث؟

كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على استعداد للقبول بسياسة إيران القائمة على المراوغة والمخاتلة من أجل تمرير الاتفاق النووي. لم يكن الامر ينم عن ذكاء إيراني كما تم تسويقه والترويج له.

كان اوباما يدرك أن الممانعة الإيرانية هي جزء من لعبة القبول، لذلك وهب النظام الإيراني الوقت الذي يريده لكي يتخطى عقدة الشيطان الأكبر التي صارت بمثابة خرزة السحر المربوطة بلسان خامنئي من بعد خميني.

وكما هو معروف فقد هبط الاتفاق النووي رحمة على إيران. لقد تنفس نظام آيات الله الصعداء بعد أن صارت الأموال تتدفق عليه من حيث لم يكن يحتسب. غير أنه لم يتعامل مع تلك النعمة بروح إيجابية.

أما كان الأميركان وهم يشرعون في كتابة الاتفاق النووي يتوقعون ذلك؟

لقد أدركت المملكة العربية السعودية يومها الأخطار التي سيقود إليها سلوك النظام الإيراني بعد ذلك الاتفاق وأدارت ظهرها لإدارة الرئيس أوباما غضباً، فهل يُعقل أن الأجهزة المعنية بالأمر في الولايات المتحدة لم تتوقع ما سيحدث بعد الاتفاق النووي؟

الخطأ الذي وقع فيه الإيرانيون أنهم تصوروا أنهم قد استغفلوا العالم.

بالتأكيد كان الاتفاق لصالحهم، غير أن ذلك لا يعني أن العالم سيغمض عينيه عن سياساتهم العدوانية والتوسعية في المنطقة وعن برنامجهم في تطوير أسلحة الدمار الشامل.

كانت تقديراتهم على درجة كبيرة من السوء بحيث اعتقدوا أن في إمكانهم أن يحكموا الطوق على خزان النفط العالمي من غير أن يكون هناك رد فعل ماحق، في إمكانه أن يعيدهم إلى مرحلة ما قبل الاتفاق.

ما حدث أن دونالد ترامب، الرئيس الأميركي الجديد قد قرر أن لا يرث خطأ سلفه أوباما الذي ما كان يمكن أن يكون خطأً لولا حماقة النظام الإيراني وعدم تعامله إيجابيا مع خيرات الاتفاق النووي.

في مرحلة التفاوض على الاتفاق النووي كانت إيران تظهر ممانعتها للقبول به اما اليوم فإنها تستميت دفاعا عن بقاء ذلك الاتفاق ساري المفعول. فما الذي حدث؟

هناك مَن يزعم أن إيران ما بعد الاتفاق هي غير إيران ما بعد الاتفاق. وهو زعم فيه شيء من الحقيقة. ذلك لأن إيران لا تستطيع العودة إلى أسلوب حياتها في مرحلة ما قبل الاتفاق. وهنا أقصد القدرة على التكيف.

غير أن هناك جانبا يتعلق بالكلفة التي يتطلبها التوسع الإيراني في المنطقة وهي كلفة عالية لا يمكن تغطيتها إلا من خلال استمرار النفط الإيراني في التدفق وصولا إلى الأسواق العالمية واستمرار قدرة إيران على أن تكون مقبولة في النظام المالي العالمي.

ولأن فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية من جديد سيفقد إيران كلا الشرطين وهو ما يعني أنها لن تكون قادرة على تغطية كلفة وجودها خارج حدودها فإن ذلك سيحرمها من النسغ الذي يغذي خرافة ثورتها التي يجب أن تصدر إلى الخارج.

إيران ليست دولة كسواها من الدول. إنها الدولة الدينية الوحيدة في عصرنا. ليس ذلك فحسب بل هي أيضا نصبت نفسها وصية على أتباع المذهب الشيعي الذين يقارب عددهم أكثر من مئتي مليون إنسان.

لا يزال الإيرانيون متورطين بفكرة الأمام الخميني وهو مؤسس جمهوريتهم الإسلامية عن تصدير الثورة. وهي فكرة يتطلب تنفيذها اختراق القوانين الدولية إضافة إلى انفاق غير محدود.

لذلك فإن العقوبات الأميركية ستلجم طموح إيران الامبراطوري المزين بفكرة تصدير الثورة والوصاية المذهبية غير أنها في الأساس ستدفع بالنظام الإيراني إلى مواجهة استحقاقات الداخل وهي استحقاقات جرى تأجيلها بذريعة الانشغال بتصدير الثورة.

حتى الآن نجح النظام الإيراني في الهروب من أزماته الداخلية من خلال تسليط الضوء كله على فتوحاته الخارجية.

الأزمات الداخلية هي ما سيكون على النظام الإيراني أن يتفرغ له بعد أن يُحرم من تفريغ سمومه العقائدية في المنطقة.

هناك يكمن مقتله.  

من خلال الانهماك بتصدير الثورة استطاع النظام أن يؤجل صراعه المحتم مع مجتمع مدني، ليس على انسجام مع شروط العيش في ظل الدولة الدينية.

لذلك فإن انهاء خرافة الثورة الدائمة سيكون بمثابة فرصة لانفجار داخلي، لن يكون النظام المتخلف قادرا على احتوائه إلا عن طرق العنف.

ذلك يعني أن إيران مقبلة على مرحلة صعبة عنوانها الخلاص من آيات الله.