الأزمة السورية تدخل مرحلة جديدة في متاهة البحث عن حلّ

مع تولي المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا منصبه رسميا تطرح علامات استفهام حول قدرته على النجاح في ما فشل فيه أسلافه عنان والإبراهيمي ودي ميستورا.  

مهمة صعبة تنتظر غير بيدرسون في سوريا
دمشق تعبر عن استعدادها لتسهيل مهمة المبعوث الأممي الجديد
حلّ الأزمة السورية يبقى رهين تنازلات من طرفي الصراع

دمشق - تدخل الأزمة السورية مرحلة جديدة في متاهة البحث عن حلّ سلمي ينهي الصراع الدموي مع تدشين المبعوث الأممي الجديد غير بيدرسون مهمته بزيارة دمشق وسط ترحيب من قبل الحكومة واستعدادها لتسهيل مهمته، إلا أن المعلن شيء والتطبيق على أرض الواقع شيء آخر

وتشير تجارب سابقة لمبعوثين أمميين إلى صعوبة وضع سوريا على طريق السلام الدائم بعد تسع جولات فاشلة قادها المبعوث السابق ستفان دي ميستورا وجولات أخرى انتهت كلها إلى طريق مسدود بقيادة المبعوثين الأسبقين كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، في ظل تمسك كل من المعارضة ودمشق بمواقفهما.

ونظريا قطع دي ميستورا أشواطا مهمة في كسر جمود الأزمة لكنه عمليا غادر منصبه دون تحقيق السلام المنشود.

وبعد نحو ثماني سنوات من الحرب الأهلية التي تدخلت فيها أطراف دولية وإقليمية وتحولت خلالها الساحة السورية إلى ساحة جاذبة للمتطرفين من أنحاء العالم، نجح نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الصمود بفضل الدعم الروسي الإيراني.

ويبدو الأسد اليوم أقوى بكثير مما كان عليه عقب تفجر الثورة في مارس/آذار 2011 معززا موقعه التفاوضي ومنهيا آمال المعارضة في رحيله.

ومع تولي المبعوث الأممي الجديد رسميا لمنصبه خلفا لدي ميستورا تطرح علامات استفهام حول قدرته على النجاح في ما فشل فيه أسلافه عنان والإبراهيمي ودي ميستورا.  

والثلاثاء بحث وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع غير بيدرسون الذي يزور دمشق للمرة الأولى منذ تعيينه، الجهود المبذولة من أجل إحراز تقدم في المسار السياسي للأزمة في سوريا.

وذكرت صفحة وزارة الخارجية السورية على فيسبوك أن المعلم التقى بيدرسون ظهرا "وجرى خلال اللقاء بحث الجهود المبذولة من أجل إحراز تقدم في المسار السياسي للأزمة في سوريا ومتابعة الأفكار المتعلقة بالعملية السياسية".

ووصل المبعوث الجديد إلى دمشق صباح الثلاثاء في أول زيارة منذ تعيينه في منصبه خلفا للموفد الدولي السابق ستافان دي ميستورا في مهمة صعبة تهدف إلى إعادة إحياء المفاوضات من أجل تسوية النزاع السوري المستمر منذ نحو ثماني سنوات.

ورحب المعلم بتولي بيدرسون لمنصبه الجديد، معربا له عن "استعداد سوريا للتعاون معه من أجل إنجاح مهمته لتيسير الحوار السوري - السوري بهدف التوصل إلى حل سياسي للأزمة والذي هو مصلحة سورية"، بحسب الوزارة.

وبيدرسون الذي تسلم مهامه في السابع من يناير/كانون الثاني دبلوماسي مخضرم، شارك في 1993 ضمن الفريق النرويجي في المفاوضات السريّة التي أفضت إلى التوقيع على اتفاقيّات أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد أمضى سنوات عديدة ممثّلا لبلاده لدى السلطة الفلسطينية. وشغل منصب سفير النرويج لدى الصين وسبق أن كان سفيرا لبلاده لدى الأمم المتحدة.

ولطالما اتهمت دمشق دي ميستورا الذي استقال من منصبه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد أربع سنوات من المساعي التي لم تكلل بالنجاح لتسوية النزاع السوري، بـ"عدم الموضوعية" في تعاطيه مع الأزمة السورية.

وقبل دي ميستورا، تولى الجزائري الأخضر الإبراهيمي والأمين العام السابق للأمم المتحدة الراحل كوفي عنان مهمة المبعوث الدولي إلى سوريا من دون أن تثمر جهودهما في تسوية النزاع الذي تسبب منذ اندلاعه بمقتل أكثر من 360 ألف شخص وأحدث دمارا هائلا في البنى التحتية وتسبب بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

وفي 23 فبراير/شباط 2012، تمّ عنان "مبعوثا مشتركا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية للأزمة في سوريا".

وتوجّه إلى دمشق عدة مرّات للقاء الرئيس السوري بشار الأسد. واقترح على الأطراف المتنازعة خطة سلام من ستّ نقاط تنصّ على وقف القتال وعملية انتقال سياسي، إلا أنها لم تخرج إلى الضوء.

وبعد ستة أشهر من الجهود غير الناجحة، استقال عنان من منصبه منددا بعدم دعم القوى المعنية لمهمته.

وقال وقتها "لقد بذلت قصارى جهدي"، لكنّ "العسكرة المتزايدة على الأرض والافتقار الواضح للوحدة داخل مجلس الأمن غيّرت بشكل جذري ظروف ممارسة مهامي بشكل فعّال".

وأضاف "لم أتلقّ كل الدعم الذي تستحقّه القضيّة. هناك انقسامات داخل المجتمع الدولي"، مشيرا ضمنا إلى ثلاث قرارات بشأن سوريا منذ بداية الأزمة استخدمت فيها موسكو وبكين حق النقض لوأدها.

ومنذ العام 2011، استخدمت روسيا الحليف الأبرز لدمشق، حق النقض (الفيتو) 12 مرة في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرارات تدين النظام السوري.

في 17 آب/أغسطس 2012، جرى تعيين وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي خلفا لكوفي عنان ليتسلم منصبه رسميا في سبتمبر/ايلول من نفس العام، داعيا "جميع الأطراف إلى وقف العنف". واعتبر أنّ لدى الحكومة السورية "مسؤولية كبيرة" في وقف الأعمال العدائية.

قوات النظام السوري استعادت السيطرة على معظم الأراضي بفضل الدعم الروسي الإيراني
دمشق تبدو أقوى بعد ثماني سنوات من الحرب فيما تزداد المعارضة ضعفا

وفي يناير/كانون الثاني ومن ثم في فبراير/شباط عام 2014، قام بتنظيم أوّل مفاوضات مباشرة بين الحكومة والمعارضة في جنيف برعاية الولايات المتحدة وروسيا، لكن المفاوضات تعثّرت مع رفض دمشق المطلق البحث في مصير الرئيس السوري بشار الأسد.

في 13 مايو/أيار، استقال الإبراهيمي بعد أقلّ من عامين من الجهود غير المثمرة. وقال يومها إنّه "حزين جدا لترك منصبه وسوريا في حالة سيئة كهذه"، واصفا الوضع في سوريا بأنه "صعب جدا ولكن ليس ميؤوسا منه".

ورحبت دمشق باستقالته وكانت قد اتهمته بالانحياز للمعارضة وبالتدخل في الشؤون الداخلية بعدما انتقد إجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران في سوريا، معتبرا أنها ضربة لجهود السلام.

في يوليو/تموز 2014 كلّف هذا الايطالي السويدي الذي اعتبره أمين عام الأمم المتحدة السابق بان كي مون "دبلوماسيا من الصف الأول" ملف "المهمة المستحيلة"، أي التوصل إلى حل سياسي للنزاع السوري.

وفي العام 2016، أطلق دي ميستورا مفاوضات جديدة بين الحكومة والمعارضة في جنيف، جرت منها تسعة جولات منيت جميعها بالفشل.

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2017 وبعد الجولة الثامنة اتهم دي ميستورا دمشق بالتسبب بفشل المفاوضات لرفضها الحوار الحقيقي مع المعارضة واعتبرها "فرصة ذهبية ضاعت".

في 17 أكتوبر/تشرين الأول في العام 2018، أعلن دي ميستورا استقالته من منصبه لأساب "شخصية".

وتمحورت جهود دي ميستورا في العام الأخير على تشكيل اللجنة الدستورية التي انبثقت فكرتها في يناير/كانون الثاني 2018 خلال قمة للدول الثلاث الضامنة لعملية السلام وهي روسيا وإيران وتركيا.

إلا أن دي ميستورا فشل في مساعي تشكيل اللجنة التي من المفترض أن تضم 150 عضوا. وقال الدبلوماسي الإيطالي-السويدي لمجلس الأمن في 20 ديسمبر/كانون الأول "آسف بشدة لعدم انجاز العمل".

وبعد استقالته، كتبت صحيفة الوطن المقربة من السلطات "أيام ويغادر المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا منصبه غير مأسوف عليه".