الأزمة السياسية ترخي بظلالها على الاقتصاد البريطاني

متاعب المملكة المتحدة لا تقتصر على الركود السياسي، بل يشهد البلد أيضا عاصفة اقتصادية مع جمود في النشاط وتضخم يزيد عن 10 بالمئة وأزمة الطاقة والفقر الذي بات يطال ملايين البريطانيين.
هانت يعد خطة تتضمن تخفيض الإنفاق العام وزيادات في الضرائب
عبء الدين على بريطانيا يزداد بشكل كبير

لندن - ترخي الأزمة السياسية والمالية الحادة في بريطانيا بظلال ثقيلة على اقتصاد المملكة المتحدة الذي يئن منذ منتصف العام الماضي تحت زيادة في أعباء الدين على الدولة وارتفاع معدل التضخم، فيما دخل المسار السياسي إلى متاهة أكبر على إثر استقالة رئيسة الوزراء ليز تراس من منصبها بعد 44 يوما فقط في الحكم، لتنفتح البلاد على كل السيناريوهات المحتملة ومعارك داخل حزب المحافظين على خلافة تراس واستنفار في حزب العمال المعارض لاقتناص فرصة تشرذم خصمه التاريخي لاستعادة السلطة التي فقدها منذ 2010.

وتتراكم المؤشرات السلبية في الاقتصاد البريطاني وسط أزمة سياسية مالية حادة، بين فوائد قياسية على الدين وانهيار مبيعات التجزئة وتراجع الثقة.

وبلغت قيمة الفوائد على الدين البريطاني 7.7 مليار جنيه إسترليني في سبتمبر/أيلول، بزيادة 2.5 مليار عن العام السابق، وهو أعلى مبلغ يتم تسديده منذ بدء إصدار هذه البيانات الشهرية عام 1997.

وعلق مكتب الإحصاءات الوطني في تقريره الشهري الجمعة أنه منذ منتصف 2021 ازداد عبء الدين على الدولة "بشكل كبير، ليس بسبب ارتفاع الدين بل إلى حد بعيد بسبب التضخم".

وازداد الاقتراض العام خارج المصارف بنسبة 2.2 بالمئة بوتيرة سنوية ليبلغ 20 مليار جنيه إسترليني في سبتمبر/أيلول، وهو أعلى مستوى يسجل منذ بدء إصدار هذه البيانات قبل ثلاثين عاما، باستثناء الرقم القياسي خلال أزمة وباء كوفيد-19.

أما الدين العام، فبلغ خارج البنوك العامة 2450.2 مليار جنيه إسترليني في نهاية سبتمبر/ايلول، ما يمثل 98 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي وزيادة بـ2.5 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي عن مستواه قبل عام.

وحذر وزير المالية جيريمي هانت من أنه "لإرساء الاستقرار في الأسواق، قلت بوضوح إنه سيتم اتخاذ قرارات صعبة لحماية" حسابات الدولة.

وعند تعيينه قبل أسبوع بشكل طارئ بمواجهة الفوضى التي عمت الأسواق عند طرح سلفه "ميزانية مصغرة"، قام جيريمي هانت على الفور بإلغاء جميع الإجراءات الضريبية المكلفة وغير المموَّلة التي قوضت الاقتصاد.

وسيطرح في31 أكتوبر/تشرين الأول خطة متوسطة الأمد من المتوقع أن تتضمن تخفيضات في الإنفاق العام وزيادات محتملة في الضرائب، ما يتعارض كليا مع الوعود التي قطعتها رئيسة الوزراء ليز تراس التي لم تبق في منصبها سوى لفترة عابرة قبل أن تضطر إلى الاستقالة الخميس بمواجهة انهيار حكومتها.

ويتصاعد الضغط بصورة خاصة لزيادة الضريبة على أرباح شركات الطاقة، كما تتحدث الصحافة البريطانية عن احتمال فرض ضرائب على المصارف التي تستفيد من ارتفاع معدلات الفائدة.

غير أنه من غير المعروف ما إذا سيتم اعتماد خطة جيريمي هانت إذ ليس من المؤكد أن يحتفظ بمنصبه في الحكومة المقبلة. ولا تقتصر متاعب المملكة المتحدة على الركود السياسي، بل يشهد البلد أيضا عاصفة اقتصادية مع جمود في النشاط وتضخم يزيد عن 10 بالمئة، وهو الأعلى بين دول مجموعة السبع، وأزمة الطاقة والفقر الذي بات يطال ملايين البريطانيين.

وينعكس كل ذلك على الاستهلاك إذ تراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 1.4 بالمئة في سبتمبر/ايلول بالمقارنة مع أغسطس/اب، مواصلة تراجعها المستمر منذ أشهر.

وأوضح مكتب الإحصاءات الوطني أن التراجع في سبتمبر ليس ناتجا عن ارتفاع كلفة المعيشة فحسب بل كذلك عن وطأة يوم العطلة الوطنية في جنازة الملكة إليزابيث الثانية الشهر الماضي مع إغلاق العديد من المحلات التجارية. كما يفيد مؤشر "جي إف كاي" للثقة بتراجع معنويات المستهلكين.

وبعدما ارتفعت قيمة الجنيه الإسترليني الخميس عند إعلان استقالة ليز تراس، عادت وتراجعت الجمعة إلى 1.1196 دولار قرابة الساعة 7:45 بتوقيت غرينيتش، ما يعني خسارة 0.33 بالمئة من قيمتها.

ويعكس مستواها المتدني تاريخيا مقابل ارتفاع عائدات الديون طويلة الأمد في السوق الجمعة ريبة المستثمرين.

وارتفعت كلفة دين الدولة لثلاثين عاما إلى 4.022 بالمئة قرابة الساعة 7:45 ت غ، متخطية مرة جديدة عتبة 4 بالمئة، بعدما كانت أعلى بقليل من 1 بالمئة في أواخر 2021.

وكانت هذه النسبة ارتفعت إلى أكثر من 5 بالمئة نتيجة طرح "الميزانية المصغّرة"، ما أضرّ بالأصول التي تملكها صناديق التقاعد وأرغم بنك إنكلترا على التدخل لمنع حدوث أزمة مالية.

وقال المحلل لدى "إنتر أكتيف إنفستور" ريتشارد هانتر أن "البلبلة السياسية وتغيير الموقف بشأن الميزانية أضرا بثقة" المستثمرين الدوليين في البلد. وتضاف الأرقام الصادرة الجمعة إلى هذا المشهد المقلق وتكشف عن صعوبة مهمة الحكومة المقبلة.

وبعد استقالة تراس أمس الخميس، يحاول الراغبون في خلافتها الحصول على تأييد 100 نائب من حزب المحافظين كي يتمكنوا من خوض السباق الذي يأمل الحزب أن يغير حظوظه المتعثرة.

قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس اليوم الجمعة إنه لن يخوض السباق على خلافة ليز تراس في منصب رئيس للوزراء وإنه يميل نحو دعم بوريس جونسون، رئيس الوزراء السابق.

وقال والاس للصحفيين "أشعر أن بوسعي إضافة أفضل قيمة في الحفاظ على أمن الناس بكوني وزيرا للدفاع... إنها الوظيفة التي أعتزم مواصلة الاضطلاع بها، ولذا لن أترشح لمنصب رئيس الوزراء هذه المرة".

ووزير الدفاع البريطاني هو أحد الوزراء القلائل الذين خرجوا من الاضطرابات السياسية في الآونة الأخيرة ومصداقيته أقوى. ووالاس، الجندي السابق، شغل منصب وزير الدفاع في حكومتي جونسون وتراس، وقاد رد بريطانيا على الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويتصدر بوريس جونسون الذي خلفته تراس ووزير ماليته السابق ريشي سوناك المرشحين المحتملين، على الرغم من عدم إعلان أيا منهما الترشح رسميا حتى الآن.

وأطاح المشرعون بجونسون منذ ما يزيد قليلا عن ثلاثة أشهر بعد فترة ثلاث سنوات اتسمت بالفضائح ومزاعم بسوء السلوك.

وقال والاس إن القضايا الرئيسية التي تحسم دعمه للمرشح تتمثل في الالتزام بالأمن القومي والاقتصادي، واحترام التفويض الذي فاز به الحزب في الانتخابات الوطنية عام 2019 بقيادة جونسون، والقدرة على توحيد الحزب.

وأضاف "هذا سيكون ثالث رئيس محتمل لوزرائنا منذ الانتخابات العامة... وهذا يعني أنه يتعين علينا التفكير في مسألة الشرعية التي سيسأل الجمهور أنفسهم عنها، وكذلك بشأن القادر على الفوز في الانتخابات المقبلة".

وحين سئل والاس عن سوناك، قال إنه سيحرص على سماع ما سيقوله بشأن الالتزامات بالدفاع والأمن.