الأزمة بين اتحاد الشغل وسعيد تنتقل من الحرب الكلامية إلى المواجهة

السلطات التونسية تحيل عددا من المسؤولين النقابيين على التحقيق على خلفية إضرابات شنتها المنظمة العمالية، في خطوة ستحدث منعرجا خطيرا.
آمال التهدئة بين اتحاد الشغل وقيس سعيد تتلاشى يوما بعد آخر
اتحاد الشغل يقرّ سلسلة من الإضرابات في مختلف القطاعات
المنظمة العمالية تتهم السلطة باستهداف العمل النقابي

تونس - تتضاءل آمال التهدئة بين الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر مركزية نقابية في البلاد والرئيس التونسي قيس سعيد مع انتقال التصعيد من مرحلة الحرب الكلامية إلى مواجهة فعلية يشهر فيه كل طرف أوراق الضغط المتاحة، فسعيد الذي تجاهل الاتحاد بعد أن عزف الأخير عن المشاركة في حوار كان قد اطلقه الرئيس للخروج من الأزمة السياسية، أشهر ورقة المحاسبة بمنطق القانون والملاحقة القضائية لكل من يتسبب في التخريب أو تعطيل شؤون الدولة ومصالح الشعب، بينما يلوح اتحاد نورالدين الطبوبي بالشارع على أمل انتزاع مكاسب سياسية في معركة ليّ الأذرع التي برزت قبل اشهر قليلة.

وفي أحدث حلقة من حلقات المواجهة المعلنة بين الطرفين أحالت السلطات التونسية عددا من المسؤولين النقابيين على التحقيق على خلفية إضرابات شنتها المنظمة العمالية، بينما كانت قيادات في الاتحاد تحتمي بنفوذ الاتحاد وبحصانة وبحصانتها النقاية وهي حماية واجهها الرئيس التونسي بمنطق أن لا أحد فوق القانون، في منعطف حاسم ينذر بأن البلاد مقبلة على توتر أكبر وأوسع في قادم الايام.

وأفاد موقع "الشعب نيوز" التابع للاتحاد بأنه تمت إحالة الكاتب العام للجامعة العامة للنقل وجيه الزيدي وعضو الاتحاد الجهوي للشغل بتونس ناجي حمدي والكاتب العام للفرع الجامعي للنقل إضافة إلى كاتبين عامين لنقابات أساسية على التحقيق لدى فرقة الإجرام والأبحاث ببن عروس بداية من الاثنين 13 فيفري/شباط الجاري.

كما تمت دعوة كتاب عامين آخرين للمثول أمام نفس الفرقة في الأيام القادمة وأرجعت المنظمة النقابية هذا التحرك إلى "التحركات النضالية الأخيرة لقطاع النقل".

وتأتي هذه الخطوة بعد إيقاف أنيس الكعبي كاتب عام نقابة الطرقات السيارة التابع للمنظمة العمالية، عقب تأكيد الرئيس قيس سعيد خلال اجتماعه الأخير بقيادات الحرس الوطني في ثكنة العوينة أن "الحق النقابي مضمون بالدستور لكن لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية لم تعد تخفى على أحد"، في رسالة تحذيرية غير مباشرة موجهة إلى الاتحاد.

ولم يتأخر رد المنظمة النقابية على الحزم الذي أبداه سعيد تجاه من أسماهم "أعداء البلاد" و"المتآمرين"، إذ أعلنت قرارها بتنفيذ سلسلة من الإضرابات في مختلف القطاعات ستنطلق من محافظة (ولاية) قبلي يوم 11 فبراير/شباط الجاري لتشمل بقية المحافظات قبل أن يأتي الدور على العاصمة يوم 11 مارس/آذار احتجاجا على ما اعتبرته "استهدافا العمل النقابي".   

وأكد نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي في كلمة له خلال اجتماع الهيئة الوطنية للمنظمة يوم الجمعة الماضي أن الرئيس اختار الطريق الخاطىء بعد فشل المسار الذي دعا إليه وبعد مقاطعة الشعب للانتخابات التشريعية، مضيفا أن مخاطبته للتونسيين من الثكنات تهدف إلى الترهيب والتخويف وذهب إلى حد القول بأن سعيد يدعو الشعب بطريقة غير مباشرة إلى الاقتتال للتغطية على فشل خياراته.

اتحاد الشغل يسعى بكل الطرق لفرض نفسه شريكا سياسيا كما كان الحال في العشرية الماضية
اتحاد الشغل يسعى بكل الطرق لفرض نفسه شريكا سياسيا كما كان الحال في العشرية الماضية

كما اعتبر سامي الطاهري الأمين العام المساعد للمنظمة العمالية أن الرئيس قام بالتحريض ضد الاتحاد من خلال اتهامه بأنه يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية، لافتا إلى أن هذا الخطاب من شأنه تقسيم التونسيين ومزيد تأجيج الأوضاع وخلق حالة من التوتر في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى الحوار للخروج من أزمتها المتفاقمة.

وأبدى الرئيس سعيد خلال تصريحاته الأخيرة إصراره على إجهاض كافة محاولات لي الذراع التي دأبت عليها المنظمة العمالية كلما أرادت إعادة فرض تموقعها أو إجبار السلطة على الإذعان لمطالبها معتمدة على سلاح الإضرابات وشل حركة البلاد.

 وتشير هذه التطورات إلى أن المنظمة العمالية تستعد للجوء إلى التصعيد على خلفية تآكل نفوذها وتواصل تجاهل الرئيس سعيد لمبادرة الإنقاذ التي يجري إعدادها، معتبرا تلك المبادرات محاولة للتشكيك في شرعية مسار يوليو/تموز.

ويترافق هذا الغليان السياسي مع أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية وفقدان العديد من المواد الأساسية في السوق، فيما تعول حكومة نجلاء بودن على الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي الذي وضع شروطا من بينها الوصول إلى تفاهمات مع الاتحاد بشأن الإصلاحات الحكومية.
وكان اتحاد الشغل من المؤيدين للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس في 25 يوليو/تموز 2021 لكنه دخل في خلافات حادة مع سعيد حول بعض من خياراته السياسية وأكد أنه لم يعط صكا على بياض لأي حاكم.

وينظر إلى الاتحاد على أنه بات يتقدم صفوف المعارضة السياسية معولا على ورقة حشد العمال بذريعة الدفاع عن حقوقهم وقدرته على تعطيل القطاعات الاقتصادية لابتزاز الرئيس سعيد من أجل الاعتراف بدوره كطرف رئيسي في صنع القرار السياسي مثلما كما كان الحال خلال العشرية الماضية.